46/11/02
/ كتاب الخيارات (12)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (12)/
قول الماتن: (ولو تصرّفا، أو تعارض فسخ أحدهما وإيجاب الآخر قُدّم جانب الفسخ)
لو تصرّفا في المبيع أو الثَّمن -بناءً على أنَّ التّصرُّف مسقط للخيار- فظاهر كلام الأعلام أنَّه يقدّم مَنْ تصرُّفه فسخ.
فلو تصرّف كلٌّ من البائع والمشتري في المبيع قُدِّم تصرُّف البائع، ولو تصرَّف كلٌّ منهما في الثَّمن قُدّم تصرُّف المشتري، وهكذا لو فسخ أحدهما، وأجاز الآخر قُدِّم الفاسخ، وإن تأخَّر عن الإجازة؛ لأنَّ إثبات الخيار إنَّما قصد به التّمكُّن من الفسخ دون الإجازة لأصالتها، أي لأنَّ الأصل بقاء صحَّة المعاملة، وقد ذكرنا سابقاً الأدلَّة الدَّالّة على أصالة اللُّزوم في المعاملة.
ولقد أجاد العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، حيث قال: (لو اختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ قدَّم الفسخ على الإجازة؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما، ولا انتفاؤها؛ لاشتماله الجمع بين النَّقيضَيْن فتعيَّن تقديم أحدهما، لكن الَّذي اختار الإمضاء قد دخل في عقد ينفسخ باختيار صاحبه الفسخ ورضى به، فلا أثر لرضاه به لازماً بعد ذلك)[1]
ثمَّ إنَّه يبقى الكلام في المراد من التّصرُّف المُسقِط للخيار -بناءً على القول به- فهل المراد منه النَّاقل، أو الأعمّ منه ومن غيره، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- تحقيقه عند الكلام في خيار الحيوان.
قول الماتن: (ولو مات أحدهما أو ماتا فللوارث أو الوليّ، ولو جُنّ أو أُغمي عليه فللوليّ)
إذا مات مَنْ له الخيار أو جُنّ أو أُغمي عليه، فهل ينتقل الخيار إلى الوارث فيما لو مات، وإلى الوليّ فيما إذا جُنّ أو أُغمي عليه؟
ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى انتقال الخيار إلى الوارث، وإلى الوليّ، منهم المصنِّف (رحمه الله)، والمحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع.
وفي الجواهر: (بلا خلاف معتدّ به، بل ظاهر هم الإجماع، بل عن بعضهم دعواه صريحاً، للنَّبويّ المنجبر بالعمل «ما ترك ميِّت من حقٍّ فهو لوارثه»...)[2] .
أقول: يظهر من الأعلام أنَّ المسألة متسالم عليها بينهم، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه.
نعم، النَّبويّ ضعيف جدّاً لم يرد من طرقنا أصلاً، وعمل المشهور لا يجبر ضعف السَّند، وعمل الكلّ به غير محرزٍ، ومجرَّد اتِّفاقهم على المسألة لا يعني ذلك استنادهم إليه في الفتوى.
واحتمل العلَّامة (رحمه الله) في القواعد سقوط الخيار وثبوته، قال: (ولو مات أحدهما احتمل سقوط الخيار -لأنَّ مفارقة الدُّنيا أولى من مفارقة المجلس في الإسقاط- وثبوته...)[3] .
وعلّق المحقِّق الكركيّ (رحمه الله) على الاحتمالَيْن:
أمَّا احتمال السُّقوط، فعلَّق عليه بقوله: (وفيه نظر؛ لمنع الأولويَّة، فإنَّ المراد من الافتراق: التَّباعد في المكان، وهو إنَّما يكون للجسم، فلا يعقل إرادة الرُّوح...)، وهو جيِّد.
وأمَّا تعليقه على ثبوته، فقال: (هذا الاحتمال أظهر تمسكا بالاستصحاب، لأن ثبوته معلوم بالعقد والمسقط غير متيقن وفي العبارة مسامحة، حيث أراد بالثبوت البقاء، وإلا لم يستقم، لأن أصل الثبوت لا بحث فيه)[4] .
ويرد عليه: أنَّ هذا الاستصحاب من استصحاب الحكم الكلِّيّ، وقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ استصحاب الحكم الكلِّيّ المجعول معارَضٌ باستصحاب عدم الجعل، فيتعارضان ويتساقطان.
ووجه ذلك: أنَّ استصحاب بقاء الخيار إلى ما بعد الموت أو ما بعد الجنون والإغماء معارَضٌ باستصحاب عدم جعله إلى ما بعد الموت، وبعد الجنون والإغماء؛ لأنَّه قبل الشَّريعة الإسلاميَّة لم يكن هناك خيار المجلس ولا غيره من الخيارات.
ثمَّ بعد مجيء الشَّريعة الإسلاميَّة، وثبوت الخيارات، يشكّ في بقائه إلى حين موت المورث، وإلى حين جنونه، أو إلى ما بعد ذلك، فيستصحب عدم بقائه إلى ما بعد موته، وما بعد جنونه.
والإنصاف: أنَّ ثبوت الخيار للوراث والوليّ إنَّما هو لأجل التَّسالم بين الأعلام.