46/10/23
/ كتاب الخيارات (8)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (8)/
قول الماتن: (ويسقط باشتراط سقوطه في العقد لا قبله، خلافاً للخلاف)
....
إن قلت: ماذا تفعل بصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن رجل كان له أبٌ مملوك، وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدَّت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتَّى تؤدِّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي اذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك، قال: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم)[1] .
حيث يفهم منها شمول وعموم (المسلمون عند شروطهم) لاشتراط سقوط الخيار الَّذي هو من شرط النَّتيجة، فكيف تقول: إنَّ اشتراط سقوط الخيار لا يكون مشمولاً لحديث (المسلمون عند شروطهم)؟
قلتُ أوَّلاً: هذه الصَّحيحة مختصَّة بموردها.
وثانياً: مع قطع النَّظر عن ذلك، يمكن أن يكون المراد بالخيار في هذه الصَّحيحة معنى آخر غير ما هو المراد به عند الفقهاء من ملك فسخ العقد وإمضائه، بل المراد به هو الخيار بالمعنى اللُّغويّ، أي الاختيار، فمعنى اشتراط أن لا يكون لها الخيار أن يشترط عليها أن لا تأخذ بالفسخ، ومعنى وجوبه عليها أنَّه يجب على الأمة أن لا تفسخ العقد.
ومن المعلوم أنَّ عدم فسخها من الأفعال فهو من قبيل اشتراط الفعل لا من قبيل شرط النَّتيجة، أعني سقوط الخيار.
وعليه، فالحكم فيها على القاعدة.
الجهة الثَّانية: في اشتراط إسقاط الخيار قبل العقد.
والمعروف بين الأعلام: أنَّه لو اشترطاه قبل العقد، فلا يلزم ولا يسقط ولا يشمله عموم (المسلمون عند شروطهم)؛ لأنَّ هذا شرط ابتدائيّ ليس في ضمن معاملة، ولا يصدق الشَّرط على الشُّروط الابتدائيَّة، وإلَّا لوجب الوفاء بكلّ كلامٍ يقع بينهم في الوعد وغيره، وهو معلوم البطلان.
ثمَّ إن لم نقطع بخروج الشُّروط الابتدائيَّة عن الشَّرط فلا أقلّ من كونها مشكوكةً الدُّخول، فلا يمكن التّمسُّك بعموم (المسلمون عند شروطهم) لإثبات وجوب العمل بالشُّروط الابتدائيَّة؛ لأنَّه من التّمسُّك بالعامّ في الشُّبهة المصداقيَّة.
والحاصل: أنَّ الشَّرط الَّذي يجب الالتزام به ما كان في ضمن عقد لازم، فالشَّرط إلزام في التزام، أي في ضمن ما يلتزمونه شرعاً.
ويظهر من الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف أنَّه خالف في ذلك، وأوجب الوفاء بالشَّرط الواقع قبل العقد، وكذا القاضي (رحمه الله) في جواهره.
قال الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: (إذا شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد، صحَّ الشَّرط، ولزم العقد بنفس الإيجاب والقبول -ثمَّ قال:- دليلنا: أنَّه لا مانع من هذا الشَّرط، والأصل جوازه، وعموم الأخبار في جواز الشَّرط يتناول هذا الموضع)[2] .
قال العلَّامة (رحمه الله) في المختلف -بعد نقل ذلك عنه-: (وعندي في ذلك نظر، لأنَّ الشَّرط إنَّما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا قبل العقد، وتبايعا على ذلك الشَّرط، صحَّ ما شرطاه)[3] .
وذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّه يمكن تنزيل كلام الشَّيخ والقاضي (رحمهما الله) على صورة بناء العقد عليه، لا ما إذا وقع سابقاً من دون بناءٍ.
وأمَّا الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله)، فاحتمل أن يكون مراد الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف من قوله: إذا شرطاه قبل العقد، أي قبل تمام العقد لا قبل الشُّروع في العقد.
وعليه، فيكون من قبيل الشَّرط في ضمن العقد.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ كلام الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف ظاهر في إرادة الاشتراط قبل الشُّروع في العقد.
وكذا كلام القاضي (رحمه الله) في جواهره.
نعم، يحتمل ما احتمله في الجواهر من أن يكون مراده ما وقع البيع مبنيّاً عليه.
وتوضيحه: أنَّه تارةً: يذكر الشَّرط صريحاً في ضمن العقد، وهو واضح.
وأُخرى: يذكر بالإشارة إليه في ضمن العقد، بأن يذكر الشَّرط قبل العقد، ثمَّ يقول: بعت على ما ذكر فهو من المذكور في ضمن العقد أيضاً، وحكمه واضح أيضاً.
وثالثة: يذكر أنَّ الشَّرط قبل العقد، وينشئان المعاملة بعد هذا الاشتراط غافلَيْن عن الشَّرط نسياناً، ونحو ذلك، بحيث لم يوقعا المعاملة مبنيَّة على ذلك الاشتراط.
والصَّحيح: أنَّه لا يجب الالتزام بهذا الشَّرط؛ لأنَّه شرط ابتدائيّ فهو وعد بالالتزام، ولا يشمله عموم (المسلمون عند شروطهم)، كما عرفت سابقاً.
ولا أقلّ من كونه مشكوك الدُّخول، فلا يمكن التّمسُّك بعموم (المسلمون عند شروطهم) لإثبات وجوب العمل على الشَّرط الابتدائيّ؛ لأنَّه من التّمسُّك بالعامّ في الشُّبهة المصداقيّة.
ورابعة: يذكر أنَّ الشَّرط قبل العقد، ويُوقعان المعاملة بناءً على ذلك الشَّرط، ملتفتَيْن إليه حين العقد، وقاصدَيْن له، إلَّا أنَّه لم يذكراه في ضمن العقد لا بالصَّراحة ولا بالإشارة إليه بـ(ما) الموصولة ونحوها.
فهل يجب الالتزام بهذا الشَّرط أم لا؟
ذكر الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله)، وكذا الميرزا النَّائينيّ (رحمه الله) أنَّه لا يجب الالتزام به.