« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (7)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (7)/

 

قول الماتن: (ويسقط باشتراط سقوطه في العقد لا قبله، خلافاً للخلاف)

 

يقع الكلام في مُسْقطات الخيار، وهي جملة من الأمور:

منها: ما تقدَّم من الافتراق، فقد عرفت أنَّه مُسِقط للخيار.

ومنها: اشتراط سقوطه في أثناء العقد لا قبله.

ولكي يتَّضح الحال لابُدّ من التّكلُّم في جهتَيْن:

الأُولى: في اشتراط سقوطه أثناء العقد.

الثَّانية: في اشتراط إسقاط الخيار قبل العقد.

أمَّا الجهة الأُولى: فالمعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً هو سقوط الخيار باشتراط سقوطه في أثناء العقد.

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية الإجماع عليه...)[1] .

ومرادهم من اشتراط سقوطه في أثناء العقد: هو على نحو شرط النَّتيجة، لا شرط الفعل، أي سقوطه بنفس الشَّرط لا اشتراط الإسقاط الَّذي مرجعه إلى استحقاق الإسقاط عليه، فإن لم يفِ له به تسلّط المشروط له على الخيار، كباقي الشَّرائط.

وبالجملة، فإنَّ المراد هو شرط النَّتيجة، أي سقوطه بنفس الشَّرط.

وقدِ استدلّ لذلك بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع المدَّعى من بعض الأعلام.

والإنصاف: أنَّ هناك تسالم بين الأعلام، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، فلا مجال للمناقشة بأنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحُجّة، ونحو ذلك، بل هو تسالم يوجب القطع بالمسألة.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: المسلمون عند شروطهم إلَّا كلّ شرطٍ خالف كتاب الله عزَّوجلّ فلا يجوز)[2] .

وجه الاستدلال بذلك: هو أنَّه اشترط سقوط الخيار في أثناء العقد، فيجب الالتزام بذلك؛ لأنَّ المسلم عند شرطه، وشرطه لاصق به.

ويرد عليه: أنَّ كون المسلم عند شرطه، وأنَّه يجب العمل على مقتضى الشَّرط إنَّما يصحّ في اشتراط الأعمال الَّتي يتمكَّن الإنسان من الإتيان بها، كما لو اشترط عليه الإسقاط، ولا يتمّ فيما نحن فيه من اشتراط سقوط الخيار على نحو شرط النَّتيجة، أي سقوطه لا إسقاطه، وهذا خارج عن مقتضى الحديث، ولا علاقة له بالمكلَّف حتَّى يقال: المسلم عند شرطه؛ لأنَّه ليس عملاً للمكلَّف حتَّى يجب الالتزام به، بل سقوطه وعدمه راجع للشَّارع المقدَّس؛ لأنَّه إن أمضى الشَّارع المقدَّس هذا الشَّرط فيسقط وإلَّا فلا.

ثم إنَّ هناك إشكالاً آخر في الاستدلال بهذا الحديث الشَّريف، مفاده: أنَّ اشتراط السُّقوط مخالف للسُّنّة؛ لأنَّ ما دلّ من السُّنّة النَّبويّة الشَّريفة على أنَّ البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا، يقتضي بإطلاقه ثبوت الخيار على كلا تقديري اشتراط السُّقوط وعدمه، فيكون ذلك الاشتراط مخالفاً للسُّنّة.

وقد ثبت بالدَّليل القاطع أنَّ الشَّرط المخالف للكتاب المجيد والسُّنة النَّبويّة الشَّريفة يطرح عرض الحائط، وأنَّه زخرف وباطل.

والخلاصة: أنَّ هذا الحديث الشَّريف إنَّما يقتضي وجوب الوفاء بالشَّرط فيما إذا كان الشَّرط من الأفعال الدَّاخلة تحت اختيار المكلَّف، وما نحن فيه ليس كذلك؛ لأنَّه من شرط النَّتيجة، وهو -أي السُّقوط- خارج عن قدرة المكلَّف.

والإنصاف: أنَّ الدَّليل على اشتراط السُّقوط في أثناء العقد على نحو شرط النَّتيجة هو التَّسالم بين الأعلام الَّذي ذكرناه.

نعم، قد يُقال: إنَّه يلزم على ذلك فيما لو قبل المشترط عليه الشَّرط المذكور في الأثناء محذور إسقاط ما لم يجب؛ لأنَّ الخيار إنَّما ثبت بعد تماميَّة العقد، فإذا حصل العقد صحيحاً، فيترتَّب عليه خيار المجلس.

وأمَّا قبل حصوله، فلا خيار حتَّى يشترط سقوطه.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا محذور في ذلك؛ لأنَّ مرجعه إلى أنَّ الإسقاط معلّق على حصول العقد وتماميَّته، أي أنِّي أسقط حتَّى على تقدير ثبوته.

ومن المعلوم أنَّ إسقاط ما لم يجب لا يوجد دليل على بطلانه، لا من الكتاب المجيد، ولا من السُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، ولا محذور فيه إلَّا من جهة التَّعليق المجمع على بطلانه في العقود والإيقاعات -وإن كان ثبت التَّعليق في بعض العقود والإيقاعات لأدلَّة خاصَّة ليس محلّ ذكر هاهنا- ولا إجماع على بطلان التَّعليق في مقامنا هذا، بل تسالم الأعلام على جوازه هنا.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في اشتراط سقوطه في أثناء العقد على نحو شرط النَّتيجة.

إن قلت: ماذا تفعل بصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن رجل كان له أبٌ مملوك، وكانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدَّت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتَّى تؤدِّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي اذا أنت ملكت نفسك؟ قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك، قال: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم)[3] .

حيث يفهم منها شمول وعموم (المسلمون عند شروطهم) لاشتراط سقوط الخيار الَّذي هو من شرط النَّتيجة، فكيف تقول: إنَّ اشتراط سقوط الخيار لا يكون مشمولاً لحديث (المسلمون عند شروطهم)؟

 


[1] الجواهر: ج23، ص11.
[2] الوسائل باب6 من أبواب التِّجارة ح1.
[3] الوسائل باب11 من أبواب المكاتبة ح1.
logo