46/10/15
/ كتاب الخيارات (4)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (4)/
>> الإشكال الثَّاني على حديث (النَّاس مسلَّطون على أموالهم)
ثانيهما: أنَّ النَّبويّ لا إطلاق فيه بالإضافة إلى جميع أنواع التّصرُّفات وأسبابها، وإنَّما المقصود منه إثبات السَّلطنة في الجملة في مقابل الحجر عن التّصرُّف، أي لا يحتاج في تصرُّفه إلى إذن الغير وإجازته.
ومن هنا، لوِ احتمل اشتراط صحَّة بيع الزَّوجة مالها بإذن زوجها، فيتمسَّك حينئذٍ بالحديث في رفع هذا الشَّرط.
وعليه، فالمعنى أنَّ النَّاس ليسوا محجورين عن التّصرُّف في أموالهم.
وأمَّا نفي قدرة غير المالك على الرُّجوع والفسخ، فلا يستفاد من هذا الحديث.
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل ليس تامّاً.
> موثَّقة سماعة (من كانت عنده أمانة...)
ومن جملة الأحاديث المستدلّ بها على اللُّزوم: موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنّ رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال: مَنْ كانت عنده أمانة فَلْيؤدِّها إلى منِ ائتمنه عليها، فإنَّه لا يحلُّ دم امرئٍ مسلمٍ ولا ماله إلَّا بطيبة نفسه)[1] .
ورواه الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أسامة زيد الشّحَّام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، وهي حسنة بهذا الطَّريق.
وجه الاستدلال بها: أنَّها دلَّت على انحصار سبب حلّ مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك، فلا يحلّ بغير رضاه.
وبعبارة أخرى: أنَّها تدلّ على حرمة التّصرُّفات في مال الغير بغير رضاه.
ومقتضى إطلاقها: حرمتها حتَّى بعد الفسخ، ولازم ذلك عدم تأثير الفسخ.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ الاستدلال بهذه الموثَّقة إنَّما يتمّ لو كان المراد من الحليَّة هي الحليَّة الوضعيَّة ليكون موضوعها التّصرُّفات الاعتباريَّة، والَّتي منها التَّمليك بالبيع والإجارة والصُّلح، ونحو ذلك من الأحكام الوضعيَّة.
وأمَّا لو كان المراد منها الحليَّة التكليفيَّة المقابلة للحرمة التكليفيَّة التي تُسند إلى الأفعال الخارجيَّة، كالشُّرب والأكل ونحوهما.
وقد تتعلَّق بالأعيان، كالماء والمال ونحوهما، ولكن بتقدير شيءٍ، كشُرْب الماء ونقل المال ونحو ذلك، فتختصّ حينئذٍ بالتصرُّفات الحقيقيَّة، كالأكل والشُّرب واللَّبس ونحوهما، ولا تشمل التصرُّفات الاعتباريَّة، كالبيع والإجارة والصُّلح ونحوها.
والظَّاهر أنَّ المراد منها الحليَّة التَّكليفيّة بقرينة السِّياق والمورد، فإنَّ المراد من حرمة دم المسلم هي الحرمة التَّكليفيّة، ولا يصحّ أن يراد منها الحليَّة التَّكليفيّة والوضعيَّة معاً؛ إذ لا جامع في البين، والله العالم.
الاحتمال الرَّابع: أن يكون المراد بالأصل الاستصحاب، فقدِ استدلّ به لأصالة اللُّزوم.
وبيانه: هو استصحاب بقاء الملك بعد فسخ أحدهما بدون رضا الآخر، حيث إنَّنا نشكّ في بقاء الملك بعد فسخ أحدهما بدون رضا الآخر، فيستصحب بقاؤه، وهو من استصحاب الشَّخص والفرد، وليس من استصحاب الكلِّيّ؛ وذلك لأنَّ انقسام الملك إلى المتزلزل والمستقرّ ليس باعتبار الاختلاف في حقيقة الملك، بل هي حقيقة واحدة شخصيَّة حصلت من هذه المعاملة الشَّخصيّة، والاختلاف إنَّما هو باعتبار حكم الشَّارع عليه في بعض المقامات باللُّزوم بفسخ أحدهما بدون رضا الآخر.
ومنشأ هذا الاختلاف هو اختلاف حقيقة السَّبب المملّك لا اختلاف حقيقة الملك، بل هي واحدة.
وبالجملة، فإنَّ اللُّزوم والجواز حكمان شرعيَّان مترتِّبان على هذه الملكيَّة بحسب اختلاف أسباب الملك، والحكم لا يقسّم موضوعه ولا يصنّفه إلى صنفَيْن، ولا ينوّعه إلى نوعَيْن، فاللُّزوم والجواز ليسا مقوِّمَيْن للملكيَّة، بحيث يجعلانها فردَيْن مختلفَيْن؛ إذ لو كان الجواز واللُّزوم من الخصوصيَّات المقوِّمة للملكيَّة امتنع أن تكون ملكيّة واحدة معروضة تارةً: للجواز، وأُخرى: للزوم، مع وضوح خلافه، فإنَّ البيع المنشأ بالعقد اللَّفظيّ يفيد الملكيَّة، وهي جائزة في مدَّة الخيار -كخيار المجلس مثلاً وغيره- ولازمه في مدَّة أُخرى، فلو كان الجواز واللُّزوم مقوّمَيْن للملكيَّة لزم أن تكون الملكيَّة في مدَّة الخيار غيرها في المدَّة الأُخرى، مع أنَّ الأمر ليس كذلك، فإنَّ الواقع ملكيَّة واحدة مستمرَّة معروضة لعوارض متضادَّة في أزمنة مختلفة.
نعم، الحكم باستمرار الملكيَّة وانقطاعها يختلف بحسب اختلاف الموارد والأسباب، مثلاً حقيقة الهبة مع كونها واحدة، ومع عدم التفات الواهب إلى شيءٍ إذا كان موردها من الرَّحم فيُحكم عليها باللُّزوم، وإذا كان من غير الأرحام فيحكم عليها بالجواز.
والخلاصة: أنَّ خصوصيَّة اللُّزوم والجواز خارجتان عن حقيقة الملكيَّة، وأنَّهما نظير الحالات المتبادلة على الشَّخص، كالصِّحّة والمرض والسّمن والهزال والموت والحياة.
ومن هنا، يجري استصحاب بقاء زيد عند الشَّكّ في بقائه.
والنَّتيجة في نهاية المطاف: أنَّ الاستصحاب من استصحاب الشَّخص والفرد، وليس من استصحاب الكلِّيّ، ولا إشكال في جريان هذا الاستصحاب.
إلَّا أن يقال: إنَّ استصحاب بقاء الملك لإثبات اللُّزوم يكون من الأصل المثبت؛ لأنَّ اللُّزوم ليس مجعولاً شرعيّاً، ولا موضوعاً لحكم شرعيّ، بل هو منتزع عن بقاء الملك.
وفيه أوَّلاً: أنَّ المستصحب هو الملكيَّة الشَّخصيّة، وهي حكم شرعيّ مجعول، ولا حاجة إلى إحراز عنوان اللُّزوم؛ لأنَّه بخصوصه ليس هو موضوعاً لأثر شرعيّ.
وثانياً: ما أشرنا إليه سابقاً من أنَّ اللُّزوم والجواز من المجعولات الشَّرعيّة.
ثمَّ إنَّه لو قلنا: بأنَّ هذا الاستصحاب من استصحاب الكلِّيّ فهل هو من القسم الثَّاني منه، وهل يجري هذا الاستصحاب أم لا؟
والإنصاف -بناءً على أنَّه من استصحاب الكلِّيّ-: هو من القسم الثَّاني منه؛ لأنَّ القسم الثَّاني من استصحاب الكلِّيّ متقوّم بكون الحادث مردّداً بين الفرد القصير والفرد الطَّويل، كالحدث المردّد بين الأصغر والأكبر، والحيوان المردّد بين قصير العمر كالبقّ، وطويله كالفيل، حيث إنَّه بارتفاع أحد الفردَيْن يشكّ في بقاء الكلِّيّ المتيقَّن وجوده في ضمن أحدهما.
ومن المعلوم أنَّ العلم بوجود الفرد يلازم العلم بوجود الكلِّيّ في ضمنه، فاليقين بحدوث أحد الفردَيْن لا على التَّعيين يلازم اليقين بحدوث القدر المتيقَّن بينهما، والعلم بارتفاع أحد فردي التَّرديد يوجب الشَّكّ في بقاء القدر المشترك؛ لاحتمال أن يكون الحادث هو الفرد الباقي الَّذي يلازم بقاؤه بقاء الكلِّيّ في ضمنه، ومنه ما نحن فيه، فإنَّ الثَّابت هو المشترك بين المتزلزل وهو الفرد القصير، والمستقرّ وهو الفرد الطَّويل.
والمعروف بين الأعلام أنَّ الاستصحاب يجري في القسم الثَّاني من استصحاب الكلي لتحقُّق ركنَيْه من وجود المتيقَّن والشَّكّ في بقائه.
ثمَّ إنَّه أُشكل على استصحاب الكلِّيّ من القسم الثَّاني بعدَّة إشكالاتٍ ذكرناها في علم الأصول، ومَنْ أراد الاطِّلاع عليها فَلْيراجع ما ذكرناه هناك.
ولكن يهوِّن الخطب هنا: هو أنَّ مسألتنا هذه ليست من استصحاب الكلِّيّ، بل هي من استصحاب الفرد؛ لأنَّ اللُّزوم والجواز ليسا من قبيل الخصوصيَّات المفردة للملك، كالفيليَّة والبقّيَّة، بل هما من قبيل العوارض والطَّوارئ المتبادلة على الفرد الواحد، كالصِّحّة والمرض بالنِّسبة لزيد، والله العالم.