« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (3)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (3)/

 

- الآية الكريمة الثَّانية {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع}َ

- استدلال الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله) بهذه الآية الكريمة على اللُّزوم من خلال حمل الحليَّة على الحليَّة التَّكليفيّة

...

= ويرد عليه: أنَّ المراد من الحليَّة في الآية الكريمة بحسب الظَّاهر هي الحليَّة الوضعيَّة، فتكون الآية الكريمة إرشاداً إلى صحَّة البيع العرفيّ، أي أنَّ الشَّارع المقدَّس أمضى هذا البيع العرفيّ، وأنَّه معتبر في نظر الشَّارع، فيكون مفاد الآية الكريمة تصديق نظر العرف في تحقُّق البيع، وتصويبهم في بنائهم على سببيَّة سببه، وإذا تحقَّق البيع بنظر الشَّارع فقد ثبتت الملكيَّة، أي دلَّت على صحَّة البيع ونفوذه بالدَّلالة المطابقيَّة، ولسنا بحاجة للدَّلالة الالتزاميَّة لإثبات اللُّزوم.

ولا ينافي ذلك المقابلة بين حليَّة البيع وحرمة الرِّبا في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...}، فإنَّ الحرمة للرِّبا أيضاً إرشاديَّة إلى عدم تملُّك الزِّيادة وبقائها على ملك المالك؛ إذ لو حملت الحرمة في قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} على الحرمة التَّكليفيّة، فهي إمَّا عين الحرمة الثَّابتة لمال الغير -باعتبار أنَّه يحرم التّصرُّف في مال الغير بدون إذنه- أو غيرها.

والثَّاني: لا يمكن الالتزام به؛ لأنَّه يلزمه الالتزام في المخالفة ترتُّب عقابَيْن، وفي الموافقة ترتُّب ثوابَيْن، وهذا لا يمكن الالتزام به.

والأوَّل: يلزم منه التَّأكيد، وهو خلاف الأصل، فيتعيَّن أن تكون الحرمة وضعيَّة.

وهناك بعض الآيات الكريمة قدِ استدلّ بها على اللُّزوم، ولسنا بحاجة لذكرها؛ لأنَّ ما ذكرناه فيه الكفاية.

وأمَّا الأحاديث المستدلّ بها على اللُّزوم:

فمنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: المسلمون عند شروطهم إلَّا كلّ شرطٍ خالف كتاب الله عزَّوجلّ فلا يجوز)[1] .

وقدِ استدلّ بها على اللُّزوم بناءً على أنَّ الشَّرط مطلق الإلزام والالتزام، ولو ابتداءً، من غير ربطٍ بعقد آخر، فإنَّ العقد على هذا شرط، فيجب الوقوف عنده، ويحرم التّعدِّي عنه.

وعليه، فيدلّ على اللُّزوم بالتَّقريب المتقدِّم في {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.

وفيه: أنَّ الشَّرط هو التزام في ضمن التزام، أي أنَّ الشَّرط ما كان في ضمن عقد بيع أو إجازة أو نكاح، ونحو ذلك من العقود، وليس هو بمعنى مطلق الالتزام.

ومن هنا، لا يصدق الشَّرط على البيع، ولا على الالتزامات المستقلَّة الابتدائيَّة.

ومن جملة الأحاديث المستدلّ بها على اللُّزوم النَّبويّ المشهور (النَّاس مسلَّطون على أموالهم)[2] ، فإنَّ مقتضى السَّلطنة أن لا يخرج المال عن ملكيَّة المالك بغير اختياره، فجواز تملُّكه عنه بالرُّجوع فيه من دون رضاه منافٍ للسَّلطنة المطلقة؛ وذلك لأنَّ الرُّجوع بمعنى ردّ العين في الملك منافٍ جدّاً للسَّلطنة المطلقة؛ باعتبار أنَّ التّملُّك بالرد تصرُّف بالعين، وهذا لا يكون إلَّا لصاحب السَّلطنة، وهو المالك.

وأمَّا الرُّجوع بمعنى فسخ العقد، فهو، وإن كان تصرُّفاً في العقد لا في العين -إذ بالفسخ ينحلّ العقد الواقع بينهما، فيرجع كلُّ مالٍ إلى ملك مالكه بالسَّبب الأصليّ لا بالفسخ- إلَّا أنَّ العقد لمَّا كان موضوعه العين ففسخه يكون من أنحاء التصرُّف في العين.

وبالجملة، فإنَّ تملُّك العين بلا إذن من المالك -بأي سببٍ كان التّملُّك- هو على خلاف قاعدة السَّلطنة، وإن شئت فقل: إنَّ خروج المال عن ملكه بغير رضاه منافٍ للسَّلطنة.

وأشكل على الاستدلال بهذا الحديث بإشكالَيْن:

أحدهما: أنَّه ضعيف جدّاً، حيث لم يرد من طرقنا أصلاً، وإنَّما ذكر بعض الأعلام في بعض الكتب نقلاً من كتب العامَّة.

وأمَّا القول: بأنَّ عمل الأصحاب جابر لضعف السَّند، فقد عرفت في أكثر من مناسبة عدم ثبوت الجابريَّة.

ولكنَّ الإنصاف: أنِّي لم أجد رادّاً لهذا الحديث النَّبويّ، بل كلُّ الفقهاء يستدلُّون به في أبواب متفرِّقة حتَّى مَنْ أنكر ذلك باللِّسان عمل به في مقام الاستنباط.

وعليه، فعملهم هذا يوجب الاطمئنان بصدوره، كما في الحديث النَّبويّ الوارد في باب الطَّلاق (الطَّلاق بيد مَنْ أخذ بالسَّاق)، وكما في بعض الأحاديث النَّبويَّة الأُخرى، مثل (نهى النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر)، وغيرهما ، فإنَّ الكلّ عملوا بها، بحيث أوجب ذلك الاطمئنان بالصُّدور.

 


[1] الوسائل باب6 من أبواب التِّجارة ح2.
[2] عوالي اللّئالي: ج3، ص208، باب التِّجارة ح49.
logo