« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/09

بسم الله الرحمن الرحيم

/ كتاب الخيارات (2)/المعاملات

الموضوع: المعاملات / كتاب الخيارات (2)/

 

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ الأمر بالوفاء في الآية الكريمة إرشادٌ إلى لزوم العقد، أي أنَّ العقد لا ينفسخ ولا يزول بإزالة أحد المتعاقدَيْن، فالأمر بالوفاء بالعقود إرشاد إلى لزومها، وعدم انفساخها بالرُّجوع.

وبالجملة، فالوافي بالعقد هو الَّذي لا يرجع عن عقده، بل يبقى بانياً عليه مستمرّاً على العمل بمضمونه في مقابل النَّاقض للعقد، وكذلك الوفاء بالنَّذر، والوعد والعهد لا يراد منه إلَّا الاستمرار على العمل بلحاظ المضمون، وهو المقصود بقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}، وقوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ}.

ويقابل ذلك الخُلْف والنَّقض.

وليس المراد بالأمر بالوفاء هو الأمر المولويّ حتَّى يقال: إنَّ الإتمام واجب شرعيّ تكليفيّ، والنَّقض والفسخ محرَّمان شرعاً؛ وذلك لأنَّه من الواضح بضرورة الفقه أنَّ البقاء على الالتزام ليس من الواجبات الشَّرعيّة.

كما أنَّ الفسخ ليس من المحرَّمات الشَّرعيّة، بحيث يوجب الفِسْق، ويُخرِج المرتكب له عن العدالة بسببه.

بل المراد منه -كما عرفت-: هو الإرشاد إلى لزوم العقد وعدم انفساخ العقد بالفسخ.

وعليه، فيصحُّ التّمسُّك بالآية الكريمة على لزوم العقد عند الشَّكّ في جوازه ولزومه.

ثم لا يخفى عليك أيضاً أنَّ عموم وجوب الوفاء بالعقود يقتضي عموم لزومها.

نعم، إذا قام دليل على عدم وجوب الوفاء، وأنَّه يجوز النَّقض والفسخ في عقد خاصّ كان ذلك تخصيصاً لذلك العموم، كما في عقد المضاربة، فإنَّه جائز من الطَّرفَيْن، وكما في عقد الوكالة، فإنَّها جائزة من الطَّرفَيْن، ونحوهما من العقود الَّتي قام الدَّليل على عدم وجوب الوفاء فيها.

وممَّا ذكرنا يتَّضح لك عدم صحَّة ما ذكره السّيِّد الفقيه (رحمه الله) من أنّ المراد من العقود في الآية مطلق العهود، أعمّ من التَّكاليف الإلهيّة والعهود الّتي بين الخلق والخالق، كالنَّذر وشبهه، والعهود الَّتي بينهم بعضهم مع بعض، وحينئذ فإمَّا أن يجعل الأمر للوجوب، ويكون خروج المستحبَّات والعقود الجائزة من باب التَّخصيص، وإمَّا أن يجعل للقدر المشترك بين الوجوب والنّدب فيشملها أيضاً، وعلى هذا يسقط الاستدلال، لكن إذا دار الأمر بين التَّخصيص والمجاز فالأوّل أولى، نعم بعد الاعتراف بشمولها للتَّكاليف يبعد إخراج المستحبّات على كثرتها[1] .

وجه عدم الصِّحّة: أنَّ الأمر في الآية الكريمة للإرشاد، وليس أمراً مولويّاً تكليفيّاً.

وثانياً: مع قطع النَّظر عن ذلك لا مانع من التَّخصيص ولا محذور فيه.

وأمَّا ما ذكره المحقِّق الخراسانيّ (رحمه الله) من أنَّ موضوع وجوب الوفاء هو العقد، وبقاؤه بعد الفسخ مشكوك فيه، فالتّمسُّك حينئذٍ بعموم الآية من باب التّمسُّك فيما لا يعلم انطباق المطلق عليه -وبتعبير أوضح أنَّه من باب التمسُّك بالعام في الشُّبهة المصداقيَّة-.

وفيه: أنَّ العقد باقٍ ما لم يحصل الفسخ، فلا شبهة حينئذٍ.

وعليه، فبما أنَّ الأمر في الآية الكريمة للإرشاد، فيتمسَّك بها للزوم العقد، وعدم تأثير الفسخ إذا فسخ أحدهما من دون رضا صاحبه، والله العالم.

وأمَّا الآية الكريمة الثَّانية {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}: فقبل الاستدلال بها نقول: هل المراد بالحليَّة هي الحليَّة التَّكليفيّة، أي الرُّخصة والجواز مقابل الحرمة التكليفيَّة، أو المراد منها الحليَّة الوضعيَّة، بمعنى الصِّحة والنُّفوذ مقابل فساد البيع، وعدم نفوذ المعاملة، أو المراد منها كلّ منهما.

لا يخفى أنَّه لا يصحّ إرادة كلّ منهما؛ إذ لا جامع بين الحليَّة التكليفيَّة، والحليَّة والوضعيَّة.

إذا عرفت ذلك، فقدِ استدلّ الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه الله) بهذه الآية الكريمة على اللُّزوم من خلال حمل الحليَّة على الحليَّة التَّكليفيّة، حيث ذكر ما حاصله: أنَّ الحليَّة المستندة إلى البيع ظاهرة في التَّكليفيّة، حيث إنَّ حليَّة البيع لا يراد منها إلَّا حليَّة جميع التّصرُّفات، ومن حليَّة التّصرُّفات يستكشف صحَّة البيع، ولازمه ثبوت الملكيَّة.

ومقتضى إطلاق الآية هو حليَّة جميع التّصرُّفات، سواء كان ذلك قبل الفسخ أو بعد فسخ أحد المتبايعَيْن بغير رضا الآخر، وهذا يستلزم اللُّزوم، أي عدم تأثير الفسخ، وكونه لغواً.

وبعبارة أخرى: أنَّ الحليَّة التَّكليفيَّة، وإن أسندت إلى البيع، إلَّا أنَّه لا معنى لحليَّة البيع تكليفيّاً؛ إذ لا يحتمل أن يكون البيع حراماً تكليفاً، وإنَّما البيع يكون:

تارةً: صحيحاً.

وأخرى: فاسداً.

وعليه، فإسناد الحليَّة التَّكليفيّة إلى البيع من باب المجاز في الإسناد أو من باب المجاز في الحذف؛ إذِ المراد حليَّة التّصرُّفات المترتِّبة على البيع، فإنَّ جواز جميع التّصرُّفات المترتِّبة على البيع يلزمها شرعاً صحَّة البيع وثبوت الملك، وذلك من باب الدَّلالة الالتزاميَّة.

ومقتضى إطلاق الآية: هو حليَّة التّصرُّفات حتَّى بعد فسخ أحد المتبايعَيْن بغير رضا الآخر، وهذا يستلزم اللُّزوم، أي عدم تأثير الفسخ، وكونه لغواً.

 


[1] حاشية المكاسب للسّيِّد اليزديّ -ط إسماعيليان قم-: ج2، ص3.
logo