46/10/03
بيع السَّلف (37)/ كتاب البيع (350)/المعاملات
الموضوع: المعاملات / كتاب البيع (350)/ بيع السَّلف (37)
قول الماتن: (ويجوز تعدُّد المسلم فيه في العقد الواحد، اختلف الأجل أو اتّفق، فلو قبض بعض الثَّمن وزّع على الجميع)
المعروف بين الأعلام أنه يجوز السَّلف في العقد الواحد، مع تعدُّد المسلم فيه، كما لو أسلف في جنسَيْن مختلفَيْن صفقة واحدة، مع جمع كلّ منهما لشَّرائط السَّلم، اتَّحدا في الأجل أو اختلفا، كلُّ ذلك لإطلاق الأدلَّة بلا معارض، فلو قبض بعض الثَّمن وزّع على الجميع.
قول الماتن: (ولا يجوز بيعه قبل حلوله، ولو كان توليةً، ولو صالح عليه قبل الحلول، فالأقرب (الأقوى): الإجزاء)
يقع الكلام في ثلاثة أمورٍ:
الأوَّل: في جواز بيعه بعد حلول الأجل، وبعد القبض، ولا إشكال في جواز ذلك، بل هو متسالم عليه بين جميع الأعلام، فلا حاجة للإطالة.
الثَّاني: في جواز بيعه بعد حلول الأجل، وقبل قبضه، وقد تقدَّم ذلك سابقاً عند قول المصنِّف (رحمه الله): ولوِ اعتاض عن المسلم فيه بعد انقطاعه جاز إذا كان بغير جنس الثَّمن، أو به، مع المساواة، ويبطل مع الزِّيادة عند الأكبر....
وقلنا هناك: إنَّ الأقوى: هو الجواز، وذكرنا أدلَّة كلِّ مَنْ قال بالمنع وبالجواز بالتَّفصيل، فراجع، فإنَّه مهمّ.
الثَّالث: في جواز بيعه قبل حلول الأجل، وقبل قبضه.
والمعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز بيعه كذلك، ولو كان البيع على نحو التَّوليّة، لا لعدم ملكيَّته قبل الأجل؛ إذ لا مدخليَّة للأجل في الملكيَّة؛ لأنَّ العقد هو السَّبب في الملك، والأجل إنَّما هو للمطالبة، ولا لعدم القدرة على التَّسليم المشترطة في صحَّة المعاملة؛ لأنَّ القدرة المعبّرة في المؤجّل هي عند الأجل لا مطلقاً من حين إجراء العقد، وإلَّا لما صحّ ابتياع الأعيان الغائبة إلَّا بعد حضورها حين المعاملة، وذلك معلوم الفساد، بل الوجه في عدم الجواز هو التَّسالم بين الأعلام، ولا يضرّه مخالفة مَنْ شذّ منهم.
وقد جوَّز المصنِّف (رحمه الله)، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، والمحقِّق الميسي (رحمه الله)، الصُّلح عليه، بناءً على أنَّ الصُّلح أصل لا فرع كما هو الصَّحيح؛ إذ لا إشكال في صحَّة الصُّلح عليه؛ لعدم المانع.
والتَّسالم إنَّما كان على البيع، والصُّلح ليس بيعاً، كما هو الإنصاف، بل هو معاملة برأسه.
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه الشَّهيدان والمحقِّق الميسيّ (رحمهما الله)، ومَنْ وافقهم من الأعلام، هو الصَّحيح، والله العالم.
قول الماتن: (ولو وجد المشتري بالمقبوض عيباً فلا أرش، وله الرَّدّ والمطالبة بالتَّسليم)
لو وجد المسلم -أي المشتري- بالمبيع -أي المسلم فيه- عيباً بعد القبض، فالمعروف بين الأعلام أنَّه يتخيَّر بين الرِّضا به مجاناً، وبين ردِّه، فيرجع الحقّ إلى ذمَّة المسلم إليه، بمعنى أنَّ المدفوع لا يتعيَّن بمجرَّد الدَّفع؛ وذلك للعيب المذكور؛ لأنَّه إنَّما أسلفه في صحيح، ولا أرش هنا؛ لأنَّه لم يتعيَّن الحقّ حتَّى يجب قبوله، ويجبر الأرش، بل الحقّ في الذِّمّة أمر كلِّيّ.
ودفع هذا المعيب عنه بعد ظهور العيب يكون ملكاً متزلزلاً، يتخيَّر فيه بين الرِّضا به مجاناً، فيستقرّ ملكه عليه، وبين أن يردّه، فيرجع الحقّ إلى الذِّمّة سليماً بعد أن خرج خروجاً متزلزلاً.
ومن هنا، قال الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه الله) في المبسوط: فإنَّ ردّه فقدِ انفسخ القبض الَّذي تعيَّن، وعاد السَّلم إلى الذِّمّة، كما كان، ولزمه دفعه على صفته من غير عيبٍ...[1]
ثم إنَّ المصنِّف (رحمه الله) اعترض في حواشيه على مَنْ عبَّر بزوال الملك بردِّه، حيث قال: أنَّ زوال ملکه عند ردِّه إنَّما یکون بعد ثبوته، والمعیب لیس المسلم...[2] .
وفيه: أنه يملك المدفوع ملكاً متزلزلاً؛ لمكان العيب، فإذا علم به كان له فسخ ملكيَّته، والمطالبة بالسَّليم، ولا مانع من الالتزام بكون المقبوض المعيب صالحاً للأداء عن الحقِّ إذا رضي به المستحقّ؛ لأنَّه من جنس الحقّ، ومن أفراد المسلم فيه، وينجبر عيبه بالخيار، فيتمّ الرَّدّ وزوال الملك.
ثمَّ إنَّه تظهر الثَّمرة في النَّماء المنفصل المتجدِّد بين القبض والرَّدّ، فإنَّه على المشهور يكون للقابض، فإنَّه متجدِّد في ملكه، وإن كان متزلزلاً كنظائره من النَّماء المتجدِّد في زمن الخيار.
ولكن على مبنى المصنِّف (رحمه الله) يكون للمالك، حيث ذكر في الحواشي: بأنّ الزَّوال والعَوْد مبنیّان علی الظَّاهر، حیث کان المدفوع من جنس الحقّ وصالحاً لأن یکون من جملة أفراده قبل العلم بالعیب، فإذا علم بالعیب زال ذلک الملک الّذی حصل ظاهراً وإن لم یحصل واقعاً، فصحّ إطلاق العَوْد والزوال بهذا الاعتبار...[3]
ولكنَّك عرفت ما هو الصَّحيح.