« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 المعاملات / كتاب البيع // بيع السَّلف

الموضوع: المعاملات / كتاب البيع // بيع السَّلف

 

السلف في المعدود.

حكم الجمع بين الوزن والعدد.

فيما إذا كان لبنا أو آجرا، فما هو حكمه؟

لو أسلم في المكيل وزنا وبالعك

اشتراط العمومية في المكيال ونحوه.

 

قول الماتن: ويجوز السَّلف في المعدود الَّذي لا يعظم تفاوته بالعدد، كالجوز واللَّوز، بخلاف الرُّمان والبيض، فلا يجوز بغير الوزن

 

ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم جواز السَّلم في المعدود عدداً، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والمحقِّق الحلبيّ (رحمه الله) في الشَّرائع، وابنا زهرة وإدريس (رحمهما الله)، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة؛ وذلك لعدم ارتفاع الغرر به؛ لكثرة اختلاف المعدود في الكِبر والصِّغر، وغيرهما.

وأمَّا الاكتفاء به في المشاهدة، فلارتفاع الغرر بها.

وأمَّا المصنِّف (رحمه الله)، وبعض الأعلام أيضاً، فقد فصَّلوا، فجوّزوا السَّلم في المعدود الَّذي لا يَعْظُم تفاوته بالعدد، كالجوز واللَّوز، بخلاف الرُّمان والبيض، فلا يجوز بغير الوزن.

أقول: هذا هو الإنصاف، فيجوز فيما لا يكثر فيه التَّفاوت، بل كان التَّفاوت فيه يتسامح فيه بالعادة؛ وذلك لعدم الغرر، فتشمله الإطلاقات.

وأمَّا فيما يكثر فيه التَّفاوت، فإذا أمكن ضبط صنف منه بالوصف الَّذي لا يؤدِّي إلى عزَّة الوجود، وإلَّا فلا.

ولقد أجاد صاحب المسالك (رحمه الله)، حيث قال: (والضَّابط للصِّحّة الانضباط الرَّافع لاختلاف المثمن)[1]

وأمَّا القول: بأنَّ المعدود جميعه متفاوت تفاوتاً لا يتسامح فيه، ولا يمكن ضبط صنف منه بالوصف الرَّافع للجهالة، ليس تامّاً، وهو واضح، والله العالم بحقائق أحكامه.

 

قول الماتن: ولو جمع بين العدد والوزن بطل

 

قد عرفت أنَّه يعتبر الكيل في المكيلات والوزن في الموزونات، ولو جمع بينهما، كأن تقول مثلاً: اشتريت مائة صاغٍ وزنها كذا، أو بالعكس، فلا يصحّ إذا أدَّى إلى عزَّة الوجود، ويبطل العقد.

وكذا إذا جمع بين العدد والوزن، فيقول: اشتريت كذا وكذا لبنة، وزن كلِّ واحدةٍ كذا، فيبطل إذا أدَّى إلى عزَّة الوجود.

 

قول الماتن: وإن كان لَبِناً أو آجرّاً جاز عند الفاضل

 

قال العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة: (أمَّا اللّبن، فيجوز الجمع فيه بين العدد والوزن، بل هو الواجب، فيقول: كذا كذا لبنه، ووزن كلّ واحدةٍ كذا؛ لأنَّها تضرب عن اختيار، فالجمع فيها بين الوزن والعدد لا يورث عزَّة الوجود، والأمر فيه على التَّقريب دون التَّحديد)[2]

قد عرفت أنَّه إذا أدَّى إلى عزَّة الوجود فلا يصحّ، وإلَّا جاز.

 

ول الماتن: ولو أسلم في المكيل وزناً أو بالعكس فالوجه الصِّحّة؛ لرواية وهب عن الصَّادق (عليه السَّلام

 

المستفاد من الرِّوايات هو عدم جواز بيع المكيل والموزون والمعدود إلَّا بالكيل والوزن، والعدّ مع الإمكان.

وقال المصنِّف (رحمه الله) هنا: (ولو أسلم في المكيل وزناً أو بالعكس فالوجه الصِّحّة؛ لرواية وهب عن الصَّادق (عليه السلام))[3]

واحتمل المصنِّف (رحمه الله) في اللُّمعة، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة، جواز بيع الموزون كيلاً وبالعكس؛ للانضباط، ورواية وهب.

ثمَّ احتملا قصر الحكم على صورة العكس، وهو بيع المكيل بالوزن؛ لأنَّ الوزن أضبط، وأصلاً للكيل.

أقول: أمَّا الرِّوايّة التي أشار إليها المصنِّف (رحمه الله) (رحمه الله)، فهي ما رواه وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليه‌السَّلام) (قَاْل: لا بأس بسلف ما يُوزن فيما يُكال، وما يُكال فيما يُوزن)[4]

وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بوهب بن وهب، فإنَّه أكذب البريَّة.

وثانياً: أنَّ الظَّاهر من معنى الرِّوايّة أنَّه لا بأس بسلف المكيل في الموزون وبالعكس، يعني: أن يكون أحدهما ثمناً، والآخر مثمناً، لا ما ذكره من كيل الموزون، ووزن المكيل.

ويشير إلى ذلك: أنَّ الشَّيخ (رحمه الله) ذكر الرِّوايّة في باب إسلاف السَّمن بالزِّيت.

وعليه، فما ذكره المصنِّف (رحمه الله) ليس تامّاً، والله العالم.

 

قول الماتن: ويشترط في المكيال والصَّنجة العموميَّة، فلو أشار إلى قصعة أو صخرة بطل

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يشترط في المكيال والصَّنجة -أي الميزان- العموميَّة، أي عند عامَّة النَّاس.

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده...)[5]

فلو أشار إلى صخرة مجهولة عند عامَّة النَّاس، أو مكيال مجهول كذلك، لم يصحَّ، ولو كان كلٌّ منهما معيّناً عندهما.

- السِّرّ في عدم الجواز مع معلوميَّته عندهما

وقالوا: إنَّ السِّرّ في ذلك هو عدم ارتفاع الجهالة شرعاً ولا عرفاً بذلك.

ولأنَّه قد تهلك الصَّخرة والمكيال، فيتعذَّر معرفة المُسلَم فيه.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يعتبر العموميَّة في الكيل والوزن؛ ضرورة كون المدار في ذلك على ما يقوم مقام المشاهدة في رفع الغرر فيه، وارتفاع الغرر حاصل بالكيل والوزن العامَّيْن، وبغيرهما ممَّا يتَّفقان عليه ممَّا لا تتعارف المعاملة بهما.

ومن هنا، تعرف أنَّ اعتبار الكيل والوزن في المُسلَم فيه في الرِّوايات مبنيٌّ على الغالب ممَّا يعتبر فيه ذلك، أو ما لا ينضبط إلَّا بهما؛ إذ احتمال اعتبار ذلك في السَّلم تعبُّداً، وإنِ ارتفع الغرر بغيرهما، في غير محلِّه حتماً.

وأمَّا القول: بأنَّ التَّقدير بغير العامَيْن لا يُؤمَن معه تلفهما، فيتعذَّر معرفة المُسلَم فيه، ويحصل النِّزاع، بل يتحقَّق بذلك الغرر والخطر.

فيرد عليه: أنَّ ذلك لا يصلح للمانعيَّة من الصِّحّة، مع أنَّه يمكن فرضه فيما يقطع فيه بعدم التَّلف؛ لقصر الأجل، ونحوه، والله العالم.


[1] المسالك: ج3، ص413.
[2] التَّذكرة -ط قديمة-: ج1، ص556.
[3] الدُّروس: ج3، ص253.
[4] الوسائل باب7 من أبواب السَّلف ح1.
[5] الجواهر: ج24، ص296.
logo