46/06/21
المعاملات // كتاب البيع // بيع السَّلف
الموضوع: المعاملات // كتاب البيع // بيع السَّلف
قول الماتن: والَّلآلئ الصِّغار دون الكبار والياقوت والفيروزج والزَّبرجد؛ لعدم ضبطها، وعظم الاختلاف باختلاف أوصافها.
والأقرب: جواز السَّلم في العقيق وشبهه من الجواهر الَّتي لا يتفاوت الثَّمن باعتبارها تفاوتاً بيّناً
ذهب جماعة من الأعلام، منهم المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّحرير، إلى أنَّه لا يجوز السَّلم في الجواهر واللَّآلي، سواء كانت من الكبار أم الصَّغائر؛ لعدم ضبطها، بحيث ترتفع جهالتها المؤدِّية إلى الغرر؛ لتفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها بالحجم والوزن، وغيرهما.
وبالجملة، فإنَّ ظاهر هؤلاء الأعلام أنَّه لا يصحّ السَّلم فيهما أصلاً؛ لأنَّهما ذوات صفات كثيرة، ومعظم صفاتهما تتفاوت القيمة باعتبارها أشدّ تفاوت، فإنَّ ذكر جميع الأصواف عُسْر وجودها، وامتنع السَّلم فيها، وإن لم يذكر جميعها حصلت الجهالة المؤدِّية إلى الغرر، فلا يصحُّ السَّلم فيها.
- السَّلم في اللَّآلي
ولكنَّ المصنِّف (رحمه الله) هنا، وفي اللُّمعة، جوَّز السَّلم في الصِّغار من اللآلي دون الكبار.
والسِّرّ في جوازه في الصِّغار: هو أنَّه لا يتفاوت الثَّمن؛ باعتبارها تفاوتاً بيّناً، وضابط الصِّغار من اللَّآلي هو كلّ ما يُباع بالوزن، فلا تلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفاً.
وحدُّها بعض الأعلام بما يطلب للتَّداوي دون التّزيُّن، فإذا كان للتَّداوي فيجوز؛ لأنَّ المأخوذ للتَّداوي يراد منه الوزن فقط، فيمكن ضبطه، ولا يراد منه الأوصاف الَّتي لا يمكن ضبطها، وهذا بخلاف ما يُتّخذ للزِّينة، فإنَّه يراد منه الأوصاف الَّتي لا يمكن ضبطها.
وممَّنْ وافق المصنِّف (رحمه الله) على ذلك جملة من الأعلام، منهم المحقِّق الكركيّ والشَّهيد الثَّاني (قدِّسسرُّهما)، وهو الإنصاف، ولكنَّ مرجع التَّفرقة بين الصِّغار والكبار هو العرف، والله العالم.
قول الماتن: ويجوز السَّلم في الأدوية البسيطة والمركَّبة إذا علم المتعاقدان بسائطها
المعروف بين الأعلام جواز السَّلم في الأدوية البسيطة والمركَّبة إذا لم تشتبه أجزاؤها الَّتي تتركَّب منها.
وأمَّا مع اشتباه أجزائها الَّتي تتركَّب منها، فلا يجوز حينئذٍ؛ للزوم الجهالة المؤدِّية إلى الغرر.
أقول: مقتضى الإنصاف: عدم وجوب معرفة مقدار الأجزاء إذا لم يكن لها ضابط معين مقصود.
وأمَّا إذا كان لها ضابطٌ معيّنٌ مقصود، فتجب معرفته، والله العالم.
قول الماتن: وكذا في المختلطة المقصودة الأجزاء، كالعتابيّ من القطن والحرير، والخزّ الذي فيه الحرير، ولو لم يعلم قدر الخليطَيْن إذا كان ذلك عرفاً مطّرداً، ولو اضطرب وجب معرفة قدرهما
العتابيّ: قماش معروف من الحرير والقطن، منسوب إلى عين تاب بلد بالشَّام، أُدغم النُّون في التَّاء.
والحاصل: أنَّه يجوز أيضاً السَّلم في المركَّب إذا كانت أجزاؤه مقصودةً، وإن لم يعلم قدر الأجزاء إذا كان ذلك متعارفاً عند النَّاس، بحيث لا يحصل الغرر من عدم معرفة قدرها، كما في العتابيّ الَّذي هو نوع من القماش، مؤلَّف من القطن والحرير، فإنَّه يصح بيعه سلماً، وإن لم يعلم قدر كلٍّ من القطن والحرير؛ لأنَّ بيعه كذلك متعارف عند النَّاس، وكذا الخزّ الممتزج من الحرير والوبر، فإن بيعه كذلك متعارف عند النَّاس، وإن لم يعلم قدر الخليطَيْن؛ لعدم أداء ذلك إلى الغرر.
نعم، لو اضطرب العرف وجب معرفة قدرهما لئلَّا يؤدِّي ذلك إلى الغرر المانع من الصِّحّة.
قول الماتن: ولو كان الخليط غير مقصودٍ، كالإنفحة في الجبن، والماء في الخلّ، لم تضرّ جهالته، وإن كان خلّ الزَّبيب والتَّمر؛ لأنَّه يتبيَّن بذكر حموضة الخلّ وحدَّته ونفوذه
المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز السَّلم في كلِّ ما لا يقصد خليطه، كالماء في الخلّ، فإنَّه غير مقصودٍ في نفسه، وإنَّما يطلب به إصلاح الخلّ.
وعليه، فيجوز السَّلم فيه لإمكان ضبطه بالوصف، واحتياجه إلى الماء الَّذي لا يمكن قوامه بدونه لا يخرجه عن الجواز.
وكذلك الأنفحة في الجبن، فإنَّ خلوّ الجبن بالأنفحة غير مقصودٍ، وإنَّما يوضع فيه الأنفحة لإصلاحه.
ومنع بعض الشَّافعية من السَّلم في الجبن؛ لاشتماله على الأنفحة، وعند هؤلاء لا يجوز السَّلم فيه.
وفيه: أنَّه ليس بمقصود والممنوع منه هو السَّلم في الأخلاط المقصودة الأجزاء؛ لجهالة كلِّ واحدٍ منهما المؤدِّي ذلك إلى الغرر المانع من الصِّحّة.
قول الماتن: وليس دهن الورد والبنفسج من المختلطة؛ لأنَّ تزويجه بالمجاورة
ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ دهن الورد والبنفسج ليس فيهما خليط؛ لأنَّ الرَّائحة جاءت بالمجاورة.
وعليه، فلا إشكال في السَّلم فيهما.
ولكن يبقى الإشكال في المقام، وهو أنَّ العرض -وهو الرَّائحة- كيف ينتقل بدون الجوهر؟
ويمكن جوابه: أنَّه بحسب الدِّقّة العقليَّة لا يمكن أن ينتقل بدون الجوهر، كما حرِّر ذلك عند أهل المعقول.
نعم، عرفاً لا ينظر إلى الجوهر؛ لخفائه، فلا يرون إلَّا الرَّائحة، والله العالم.
قول الماتن: ولنذكر ممَّا يعمّ البلوى به ثلاثة عشر
قد عرفت أنَّ الضَّابط في الأوصاف، وفي بيانها هو العرف، فإنَّ العاميّ ربّما يكون أعرف من الفقيه في ذلك.
وقدِ اعترف المصنِّف (رحمه الله) أيضاً بذلك، حيث قال -بعد ذكر الأمر الثَّالث عشر-: (ومدار الباب على الأمور العرفيَّة، وربَّما كان العوام أعرف بها من الفقهاء، وحظُّ الفقيه البيان الإجماليّ)[1]
ثمَّ إنَّه قد أطال في بيان هذه الأمور الثَّلاثة عشر، وليته اقتصر على المهمّ منها، حيث لا فائدة في بيانها في هذه الأيام، وبالأخصّ أن عُرفْهم غير عُرْفنا الآن.
ولكن ما لا يُدرك كلّه لا يُترك كلّه، فنحن نقتصر على بعض الأمثلة الَّتي ذكرها المصنِّف (رحمه الله) تيمّناً وتبرُّكاً، لاسيَّما الَّتي وقع فيها الكلام بينهم.
قول الماتن: أحدها: الرَّقيق، فيذكر فيه الذُّكورة والأنوثة، والنَّوع واللَّون والسِّنّ والقدّ، كالطَّويل والقصير والرَّبْعة، ولو قدّر بالأشبار، كالخمسة أو الستّة احتمل المنع، لإفضائه إلى العُسْر.
ويحتمل: وجوب ذكر الكُحل والدّعج
الدَّعج: شدَّة سواد العين مع سعتها، والزَّجج: دقّة في الحاجبَيْن، وتكلثم الوجه: كثرة لحم الخدَّيْن.
قول الماتن: والزَّجج، وتكلثم الوجه في الجارية، وكونها خميصةً ريّانة اللَّمس، ثقيلة الرَّدف، أو أضداد ذلك؛ لتفاوت الثَّمن به، وعدم عزّته، والأقرب: وجوب تعيين البكارة أو الثَّيبوبة في الأمة، فلو أطلق بطل
اِختلف الأعلام في وجوب التّعرُّض في الجارية للبكارة والثَّيبوبة، قال في المبسوط: (وأمَّا الذُّكورية والأُنوثية فإنَّ الأغراض تختلف فيها، والثَّمن يختلف لأجلهما فلا بُدّ من ذكر واحد منهما)[2]
وقال العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة: (يجب التّعرُّض إذا كان الاختلاف بيّناً).
وقال المصنِّف (رحمه الله) هنا: (أنَّ الأقرب: وجوب تعيين البكارة أو الثَّيبوبة)
نعم، العلَّامة (رحمه الله) في التَّحرير استشكل في وجوب التّعرُّض، وكذا المحقِّق الثَّاني (رحمه الله) في جامع المقاصد.
ولكنَّ الإنصاف: هو ما ذكره الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والمصنِّف (رحمه الله)؛ لأنَّه في عدم التّعرُّض لهما يلزم الغرر المانع من الصِّحّة.
قول الماتن: ولا يشترط ذكر الملاحة، فلو ذكرها رُوعي العرف، ويُحمل على أقلّ درجة، ويحتمل البطلان؛ لعدم انضباطها، فإنّ مرجعها إلى الاستحسان والشُّهرة المختلفين باختلاف الطِّباع
مقتضى الإنصاف: عدم وجوب التّعرُّض للملاحة، أي الحسن؛ لأنَّه أمر عرفيّ، وعدم الانضباط مغتفر عند العرف؛ لأنَّه لا يؤدِّي إلى الغرر.
وعليه، فيحمل الحسن على أقلّ درجاته، وهو غير خفيٍّ لدى العرف.