46/05/23
المعاملات // كتاب البيع // بيع الثِّمار
الموضوع: المعاملات // كتاب البيع // بيع الثِّمار
قول الماتن: كتاب السَّلم والسَّلف
وهو العقد على مضمون في الذِّمّة موصوف بمال معلوم مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم
اِعلم أنَّ السَّلم -بفتح السَّين واللَّام- والسَّلف، بمعنى واحد، يُقال: أسلف وسلَّف وأسلم.
وقد عرَّفه المصنِّف (رحمه الله): بأنَّه عقد على مضمون في الذِّمّة موصوف بمال معلوم مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم.
والمراد من قوله (مضمون): أي كلِّيّ في الذِّمّة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- الكلام بالتَّفصيل حول هذا التَّعريف وبيان شرائطه؛ إذ من المعلوم اشتراط كون المثمن -وهو ما يعبَّر عنه بالمسلَم فيه- ديناً، فلا ينعقد في عين.
وبالجملة، فإنَّ هناك شرائط ستَّة أُخذت في التَّعريف، سيأتي بيانها مفصّلاً عند تعرُّض المصنِّف (رحمه الله) لها:
منها: أن يكون المسلَم فيه -أي المثمن- إلى أجل معلوم.
ولكن سيأتي من المصنِّف (رحمه الله)، وجملة من الأعلام، أنَّه لا يشترط الأجل في السَّلم، فيصحُّ السَّلم في الحال.
لكن اشترط بعض أن يصرِّح بالحلول.
وعليه، فكان على المصنِّف (رحمه الله) أن لا يذكر في التَّعريف إلى أجل معلوم.
نعم، هذا الشَّرط ذكره المشهور، وسيأتي بيانه مفصَّلاً.
وقدِ اتَّضح من هذا التَّعريف أنَّ بيع السَّلف والسَّلم مقابل لبيع النَّسيئة، فإنَّ في بيع النَّسيئة يكون المثمن مقبوضاً، والثَّمن مؤجَّلاً إلى وقت معلوم.
وفي بيع السَّلم يكون الثَّمن مقبوضاً في المجلس، والمثمن مؤجّلاً إلى وقت معلوم.
ثمَّ إنَّه يُقال للمشتري: المسلِم بكسر اللَّام، وللبائع المسلَم إليه بفتح اللَّام، وللثَّمن المسلَم بفتح اللَّام، وللمبيع المسلَم فيه بفتح اللام أيضاً.
قول الماتن: (وشرعيَّته إجماع، وآية الدَّين نزلت فيه عند ابن عبَّاس، وعليه النَّصّ)
قال صاحب الجواهر (رحمه الله): (قد أجمع المسلمون على جوازه، كما أنَّ السُّنة قد تواترت فيه، بل عن ابن عبَّاس أشهد أنَّ السَّلف المضمون إلى أجل مُسمّى قد أحلَّه الله في كتابه، أي في قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾، ولعلَّه لعموم اللَّفظ...)[1]
أقول: هناك تسالم بين جميع المسلمين قديماً وحديثاً على جواز هذا القسم من البيع -وهو بيع السَّلم والسَّلف- بل هي من الواضحات المستغنية عن الاستدلال، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.
وأمَّا ما حُكي عن ابن عباس من أنَّ آية الدَّين تشمل بيع السَّلف، فقوله غير حجَّةٍ، والآية ظاهرة في الدَّين المتعارف.
- الرِّوايات في المقام
وأمَّا الرِّوايات الواردة فيه، فهي فوق حدِّ التَّواتر، وورد ذلك عن العامَّة والخاصَّة.
أمَّا عن العامَّة، فقد رَوَوْا (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدم المدينة، وهم يسلِّفون في التَّمر السَّنة والسَّنتَيْن، وربَّما قال: والثَّلاث، فقال: مَنْ سلف، فَلْيسلِّف في كيل معلوم بوزن معلوم، وأجل معلوم)[2]
ولكنَّها ضعيفة، كما لا يخفى.
وأمَّا من طريق الخاصَّة:
فمنها: حسنة جميل بن درَّاج عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: لا بأس بالسَّلم في المتاع إذا وصفت الطُّول والعرض)[3]
ورواها الشَّيخ (رحمه الله) بإسناده عن عليِّ بن إبراهيم مثله، إلَّا أنَّه نقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذا غيرها من الرِّوايات الَّتي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- .
قول الماتن: وصيغة الإيجاب في السَّلم: أسلمت إليك، أو أسلفتك كذا في كذا إلى كذا، والقبول من المُسلَم إليه: قبلت، وشبهه
قد عرفت أنَّ السَّلَم نوع من البيع بلا إشكال، فيترتَّب عليه أنَّه لابُدّ من الإيجاب والقبول، ومن خواصّ السَّلم -وكذا الصُّلح كما سيأتي إن شاء الله تعالى- أنَّه يصحُّ الإيجاب من كلّ من المتعاقدَيْن، فيقول المسلم -وهو المشتري-: أسلمتُ إليك، وأسلفتك كذا -أي الثَّمن- في كذا -أي المبيع- إلى كذا -أي إلى أجل معلوم- فيقول المُسلَم إليه -وهو البائع-: قبلت، وشبهه.
وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع عليه...).
أقول: بل هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً على صحَّة الإيجاب فيه من المشتري والقبول من البائع، وقد عرفت أنَّ هذا من جملة أحكامه المختصَّة به، وقد شاركه بذلك الصُّلح، وبعض العقود الأُخرى على رأي بعضهم.
- هل يجوز الإيجاب من المشتري؟
ثمَّ إنَّه أيضاً يصحّ الإيجاب من المسلم، وهو المشتري، بلفظ سلّفتك بالتَّضعيف، وأمَّا الإيجاب بلفظ: سلَّمت، أي سلمتك.
فقال العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة: (ويجيء سلَّمت، إلَّا أنَّ الفقهاء لم يستعملوه، وينبغي القول: بجوازه؛ لدلالته صريحاً على المقصود، ووروده لغةً فيه...).
أقول: هذا هو الإنصاف؛ إذ يجوز الإيجاب بكلِّ ما أدّى معنى ذلك، وإن كان مجازاً إذا كان اللَّفظ ظاهراً فيه، ولو بسبب القرينة، فإذا كان اللَّفظ ظاهراً في المعنى المجازيّ، فيكون حجّةً، ولا خصوصيَّة للاستعمال في المعنى الحقيقيّ.
هذا كلُّه فيما لو كان الإيجاب من المشتري.
قول الماتن: (والإيجاب من المُسلَم إليه بالبيع، والتَّمليك، أوِ استلمت منك كذا)
أمَّا الإيجاب من المسلَم إليه، وهو البائع، فيكون بلفظ: بعتك، وملَّكتك، واستلمت منك كذا.
فإذا قال المسلَم إليه -وهو البائع-: بعتك كذا، وصفته كذا، بثمن كذا، إلى أجل كذا، فيقول المُسلِم -وهو المشتري-: قبلتُ، ودفع الثَّمن في المجلس، فينعقد البيع سلماً لا بيعاً، مجرّداً عن كونه سلماً، ولا يعتبر قصد السَّلميَّة في صيرورته سلماً بعد أن كان مورده متشخِّصاً في نفسه؛ إذ ظاهر الرِّوايات تحقُّق مُسمّاه بذلك من دون اعتبار شرط آخر.
قول الماتن: (وينعقد البيع بلفظ السَّلم على الأقرب)
ذكر جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف والشَّهيد الثَّاني (رحمهما الله)، والمحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والعلَّامة (رحمه الله) في جملة من كتبه، أنَّه ينعقد البيع بلفظ السَّلم، كأن يقول المشتري: أسلمتُ إليك هذا الدِّينار في هذا الكتاب.
ومثله ما لو قال البائع: أسلمتُ إليك هذا الثَّوب في هذا الدِّينار، بل ذكر الشَّهيد (رحمه الله) في المسالك أنَّه مذهب الأكثر.
وبالجملة، فقد ذهب هؤلاء إلى الصِّحّة اعتباراً بقصد المتعاقدين، وإن لم يكن اللَّفظ حقيقةً فيه.
- الأدلَّة على جواز لفظ السَّلم في البيع
وقدِ استُدلّ للصِّحّة: بأنَّ السَّلم نوع من البيع قطعاً اعتبره الشَّارع في نقل الملك مجازاً استعماله في الجنس الَّذي هو البيع مجازاً تابعاً للقصد.
واستُدلّ أيضاً: بأنَّه إذا جاز استعماله لما في الذِّمّة المحتمل للغرر كان مع المشاهدة أدخل؛ لأنَّه أبعد من الغرر؛ إذ مع المشاهدة يحصل العلم أكثر من الوصف، والحلول يتيقَّن معه إمكان التَّسليم والانتفاع، بخلاف الأجل، فكان أولى بالصِّحّة.