« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 بيع الثِّمار 29// كتاب البيع

الموضوع: كتاب البيع // بيع الثِّمار 29

 

إذا عرفت ذلك، فقد ذهب جماعة من الأعلام، بل هو المشهور بينهم، إلى أنَّ أصالة الصِّحّة تجري في الصُّور الثَّلاث المُتقدِّمة، ومنهم صاحب الجواهر

 

وذهب بعض الأعلام إلى أنَّها لا تجري في جميع الصُّور الثَّلاث، بل تجري في الصُّورة الأخيرة، وهي فيما لو كان الشَّكّ من جهة احتمال عدم الشَّرط أو وجود المانع، مع إحراز قابليَّة الفاعل والمورد.

ومنهم المحقِّق الثَّاني (رحمه الله) في جامع المقاصد، والسّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله).

 

وهو الإنصاف عندنا؛ وذلك لأنَّ أصالة الصِّحّة في العقود والإيقاعات دليلها لُبيٌّ -وهو سيرة المسلمين على حمل الفعل على الصِّحّة- والدَّليل اللُّبيّ يقتصر فيه على القدر المتيقَّن، والقدر المتيقَّن من جريانها هو ما لو كان الشَّكّ في الصُّورة الأخيرة.

وعليه، ففي مقامنا هذا يكون الأصل عدم النَّقل والانتقال، أي الأصل بقاء الملك.

وبعبارة أخرى: الأصل هنا مع مدَّعي الفساد مع يمينه، فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحُرّ أو العبد حلف منكر وقوع العقد على العبد، وقِسّ عليه فعلل وتفعلل.

 

قول الماتن: ولو ادَّعى الصِّغر أو السَّفر أو الجنون، وقد كان موصوفاً بهما، احتمل إحلافه؛ لأنَّه أعرف، وإحلاف الآخر؛ ترجيحاً للصِّحّة

 

لو قال: بعتك، وأنا صبيّ، أو سفيه، أو مجنون -وقد كان موصوفاً بهما

احتُمل: تقديم قول البائع؛ لأصالة بقاء الصَّبْوة أو السَّفه أو الجنون -لأنَّه كان متَّصفاً بهذه الأمور

واحتُمل: تقديم قول مدَّعي الصِّحّة مع يمينه، وهو المشتري.

وقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) الاحتمالَيْن من دون ترجيحٍ، وكذا العلَّامة (رحمه الله) ذكر الاحتمالَيْن في بعض كتبه من دون ترجيحٍ.

وذكر بعض الأعلام أنَّ تقديم قول البائع في غاية الضَّعف؛ لأنَّ أصالة بقاء الصَّبْوة والسَّفه والجنون، مندفعةٌ بالإقرار بالبيع المحمول على البيع الصَّحيح شرعاً، فإنَّ صحَّته تقتضي عدم بقاء الصَّبْوة والسَّفه والجنون، فلا تعدُّ أصالة البقاء معارضةً لأصالة الصِّحّة.

إن قلت: أصلان قد تعارضا؛ للقطع بثبوت وَصْف الصَّبْوة والسَّفاهة والجنون سابقاً.

قلتُ: قدِ انقطع هذا الأصل بالاعتراف بصدور البيع المحمول على الصِّحّة، كما يحكم بانقطاع أصالة بقاء ملك البائع بالاعتراف بصدور البيع لو اختلفا في صحَّته وفساده.

والإنصاف أن يُقال: إنَّ أصالة الصِّحّة لا تجري فيما نحن فيه؛ لأنَّ الشَّكّ في أهليَّة التّصرُّف ترجع إلى الشَّكّ في قابليَّة الفاعل.

وقد عرفت سابقاً أنَّ أصالة الصِّحّة دليلها لُبيّ يقتصر فيه على القدر المتيقَّن، وهو فيما لو كان الشَّكّ في الصِّحّة من جهة احتمال وجود المانع، أو فَقْد شرطٍ مع إحراز قابليَّة الفاعل والمورد، وهنا لم نحرز قابليَّة الفاعل.

والخلاصة: أنَّ قول البائع مع يمينه هو المقدَّم.

 

قول الماتن: (ولو كان مدَّعي النَّقص الآخر، فإحلاف مدَّعي الصِّحّة هنا أوجه، كما لو قال المشتري للبائع: بعتني في صغرك، وادَّعى البائع البلوغ)

 

ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ مدَّعي الصِّحّة هنا أوجه.

ووجه كونه أوجه: أنَّ مدَّعي الصِّحّة هو البائع، وهو أعرف بحاله، فاجتمعت أصالة الصِّحّة مع كونه أعرف بحاله.

ولكنَّك عرفت ما هو الصَّحيح، وأنَّ أصالة الصِّحّة لا تجري هنا؛ لكون الشَّكّ في أهليَّة الفاعل.

وعليه، فأصالة عدم الفعل والانتقال جارية، فيبقى الملك على حاله.

وبالنَّتيجة، فيكون قول المشتري هو المقدَّم مع يمينه، والله العالم.

logo