« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

47/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الاعتكاف (25)

الموضوع: الاعتكاف (25)

 

قول الماتن: (وإن كان في الواجب المعيَّن فكذلك، وإن كان غير معيّنٍ ففي وجوب القضاء نظر، وقطع في المعتبر بوجوبه)

 

إذا كان الاعتكاف واجباً، فذكر الأعلام أنَّ هناك ثمانية صور.

قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: (ثمَّ الاعتكاف المنذور ينقسم باعتبار الشَّرط وعدمه ثمانية أقسام: لأنَّه إمَّا أن يكون متعيّناً بزمان أو لا.

و على التَّقديرَيْن: إمَّا أن يشترط فيه التَّتابع لفظاً أو لا.

وعلى التَّقادير الأربعة: إمَّا أن يشترط على ربِّه الرُّجوع إن عرض له عارض أو لا.

فالأقسام ثمانية، وقد عرفت حكم الأربعة الَّتي لم يشترط فيها، وأمَّا مع الشَّرط فله الرُّجوع مع العارض.

ثمَّ ان كان الزَّمان متعيّناً لم يجب قضاء ما فات في زمن العارض، سواء اشترط التَّتابع أم لا، وإن كان مطلقاً، ولم يشترط التَّتابع ففي وجوب قضاء ما فات أو الجميع إن نقض ما فعله عن ثلاثة قولان: أجودهما القضاء، وفاقاً للمصنِّف في المعتبر، ولو شرط التَّتابع فالوجهان)[1] ، انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول: أمَّا حكم الأقسام الأربعة الَّتي لم يشترط فيها على ربِّه الرُّجوع، فقد تقدَّم حكمها، ولا حاجة للإعادة.

وإنَّما الكلام في الأقسام الأربعة الَّتي اشترط فيها الرُّجوع.

والإنصاف: أنَّه لا قضاء فيها مع التَّعيين، ولا استئناف مع الإطلاق؛ وذلك لأنَّه قد أتى بما هو المطلوب منه، ولم يخالف النَّذر في رجوعه على الاعتكاف.

وبعبارة أخرى: القضاء موضوعه الفَوْت، ولم يتحقّق الفَوْت؛ لأنَّه أتى بالاعتكاف وإن كان ناقصاً؛ لأنَّ خروجه كان على حسب مقتضى الشَّرط، ولا فرق في ذلك بين اشتراط التَّتابع وعدمه.

وممَّا ذكرنا يتَّضح لك عدم الاستئناف فيما لو كان الاعتكاف مطلقاً غير مقيدٍ بزمان معيَّن؛ لأنَّه قد وفى بنذره، وإن كان الاعتكاف ناقصاً؛ لأنَّه عمل على حسب مقتضى الشَّرط، فلا موجب للاستئناف.

وعليه، فما عن المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، والعلَّامة (رحمه الله) في المنتهى في التَّذكرة من وجوب الاستئناف ليس تامّاً.

 

قول الماتن: (وقال ابن إدريس: إذا شرط التَّتابع، ولم يعيِّن الزَّمان، وشرط على ربِّه، فخرج، فله البناء والإتمام دون الاستئناف، وإن لم يشترط‌ استأنف. ولعلَّه أراد أنَّه شرط على ربِّه في التَّتابع لا في أصل الاعتكاف)

 

قال ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر: (إذا لم يكن اعتكافه ونذره، مقيّداً بزمان بعينه، بل شرط فيه التَّتابع، فإن شرط على ربِّه تعالى فيه، فله البناء والإتمام، دون الاستئناف، وإن لم يشرط، وعرض العارض، فيجب عليه استئنافه، دون البناء عليه، ولا يجب عليه كفَّارة..)[2]

ظاهر كلام ابن إدريس (رحمه الله) أنَّ الاشتراط في أصل الاعتكاف.

وعلى هذا، فالحكم إمَّا السُّقوط -كما هو الأقوى-، أو الاستئناف، كما عن بعضهم، والحكم بالبناء والإتمام لا وجه له.

وعليه، فقد أشار المصنِّف (رحمه الله) إلى توجيه كلامه، حيث قال: (ولعلَّه أراد أنَّه شرط على ربِّه في التَّتابع لا في أصل الاعتكاف)؛ إذ على هذا إذا خرج للعارض لا يلزمه تدارك التَّتابع لأجل الشَّرط، ويلزمه الإكمال للنَّذر.

 

قول الماتن: (ولو شرط فعل المنافي بطل رأساً)

 

هذا هو الأمر السَّابع، كما لو شرط فعل المنافي، كالجماع أو البيع والشِّراء، أو الأكل والشُّرب بالنَّهار في اعتكافه، بطل الشَّرط؛ لأنَّه من اشتراط منافيات الاعتكاف.

وهل يبطل به الاعتكاف، نظير الشَّرط الفاسد في العقد؟

ذهب المصنِّف (رحمه الله) وجماعة من الأعلام إلى بطلان الشَّرط والمشروط أيضاً.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ المشروط لا يبطل ببطلان الشَّرط، كما ذكرنا في محلِّه، والله العالم.

 

قول الماتن: (ويُفسِد الاعتكافَ نهاراً مُفسِدُ الصَّوم)

 

اِتّفق الأعلام على أنَّ كلّ ما يفسد الصَّوم يفسد الاعتكاف؛ لما عرفت من أنَّ الاعتكاف مشروط بالصَّوم، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه.

 

قول الماتن: (ومطلقاً الاستمتاع بالنِّساء، والخروج من المسجد)

 

ويفسده مطلقاً -أي ليلاً ونهاراً- الاستمتاع بالنِّساء المحرم عليه، والخروج من المسجد.

أقول: إنَّ الأمور المحرّمة على المعتكف -من الجماع واللَّمس والتَّقبيل بشهوة، والخروج من المسجد اختياراً بدون الاشتراط، والطِّيب، والرَّيحان، والبيع والشِّراء، والمماراة- هل المراد من حرمتها هي الحرمة التَّكليفيّة فقط، دون الوضعيَّة، أي الإفساد، أو أنَّ المراد منها الحرمة الوضعيَّة فقط، أي الإفساد، دون الحرمة التَّكليفيّة، أو المراد منها التَّكليفيّة والوضعيَّة معاً؟

ذكرنا في علم الأصول أنَّ النَّواهي الواردة في باب المركّبات من العبادات والمعاملات -أي العقود والإيقاعات- ظاهرةٌ في الإرشاد إلى المانعيَّة والشَّرطيّة.

فقوله (عليه السلام): (لا تبع ما ليس عندك) ظاهر في اشتراط الملكيَّة في صحَّة البيع.

وأيضاً ما ورد من نهي النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، فإنَّه ظاهر في كون الغرر مانعاً من صحَّة البيع.

وقوله (عليه السلام): (لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه) ظاهر في كون غير مأكول اللَّحم مانعاً من صحَّة الصَّلاة.

وهكذا الحال في الأوامر الواردة في باب العبادات والمعاملات المركَّبة، فإنَّها ظاهرة في الإرشاد إلى الشَّرطيّة أو الجزئيَّة.

فقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: (لا صلاة إلَّا إلى القبلة)، ظاهر في كون استقبال الكعبة شرطاً في صحَّة الصَّلاة.

وقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة أيضاً (لا صلاة إلَّا بطهور) ظاهر في كون الطَّهارة الحدثيَّة شرطاً في صحَّة الصَّلاة.

وقوله (عليه السلام): (لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب)، ظاهرٌ في كون الفاتحة جُزءاً من الصَّلاة، وهكذا.

والخلاصة: أنَّ الأوامر والنَّواهي الواردة في العبادات والمعاملات المركَّبة ظاهرة في الإرشاد إلى الجزئيَّة والشَّرطيّة أو المانعيَّة، ولا يراد منها الحكم التَّكليفيّ.

وعليه، فالنَّواهي في باب الاعتكاف يراد منها الحرمة الوضعيَّة، أي البطلان فقط، دون الحرمة التَّكليفيّة، إلَّا الجماع حال الاعتكاف، فهو محرَّم تكليفاً ووضعاً؛ لدليل آخر دلّ على الحرمة التَّكليفيّة.

وهو ما ورد في موثَّقة سماعة (قال: سألتُ أباعبد الله (عليه‌السلام) عن معتكف واقع أهله؟ قال: هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان)

وكذا غيرها.

فإنَّ عموم التَّنزيل فيها يقتضي ثبوت الحرمة الوضعيَّة والتَّكليفيّة، فكما أنَّ الإفطار في نهار شهر رمضان محرَّم، ومبطل، فكذا في الاعتكاف.

وأيضاً اجتمعت الحرمة التكليفيَّة والوضعيَّة في اليوم الثَّالث من الاعتكاف، حيث دلَّ دليل خارجيّ على حرمة الإبطال.

وفي غير ذلك، فالحرمة كلّها وضعيَّة لا تكليفيَّة.

 

قول الماتن: (أمّا البيع والشِّراء والمِراء والسِّباب فمنافياتٍ عند ابن إدريس، خلافاً للشَّيخ)

 

قد عرفت أنَّ كلّ محرّمات الاعتكاف يراد منها الحرمة الوضعيَّة إلَّا الجماع.

وما يحدث في اليوم الثَّالث من الاعتكاف من الأمور المنهيّ عنها فإنَّه حرام وضعاً وتكليفاً.

فما ذكره ابن إدريس (رحمه الله) هو الصَّحيح.

قول الماتن: (ثمّ إن أفسده وكان متعيّناً، ولو بمضيّ يومَيْن، كفَّر إن كان بجماع)

 

لا إشكال في أنَّه إذا أفسد الاعتكاف الواجب المعيَّن، ولو بمضيّ يومَيْن، بالجماع ولو ليلاً، وجبت الكفَّارة، سواء كان الجماع قُبلاً أو دُبراً، سواء أنزل أم لا.

قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (تجب الكفَّارة بالجماع على المعتكف، سواء جامع ليلاً أو نهاراً، ذهب إليه علماؤنا)[3]

وفي الجواهر: (لا أجد خلافاً في ثبوتها به، والنُّصوص به مستفيضة، وفيها الصَّحيح وغيره...)[4]


[1] المسالك: ج2، ص107و108.
[2] السَّرائر: ج1، ص423.
[3] المنتهى: ج2، ص640.
[4] الجواهر: ج17، ص208.
logo