« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الاعتكاف (5)

الموضوع: الاعتكاف (5)

 

قول الماتن: (ويمرّن عليه الصَّبيّ)

 

قد ذكرنا سابقاً أنَّ عبادة الصَّبيّ شرعيّةً، وليست تمرينيّةً.

وعليه، فالاعتكاف من الصَّبيّ يكون شرعيّاً، وليس تمرينيّاً.

 

قول الماتن: (ويجوز جعله في صيام مستحقّ)

 

المعروف بين الأعلام: أنَّه يجوز جعل الاعتكاف في صيام مستحقّ للإتيان به، مع قطع النَّظر عن الاعتكاف، كما لو اعتكف في شهر رمضان، أو كان عليه صيام كفَّارةٍ، فيعتكف ويصوم ما وجب عليه بالكفَّارة.

وكما لو نذر الصِّيام، فيعتكف ويصوم الصَّوم المنذور.

وبالجملة، فإنَّ المعتبر كون المعتكف صائماً لأيِّ سببٍ من الأسباب كان الصَّوم، ولم يعتبر الصَّوم لأجل الاعتكاف.

ومن هنا، ثبت مواظبة النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) على الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان، مع أنَّ الصَّوم كان لأجل شهر رمضان.

ويدلّ عليه أيضاً: تنكير لفظ الصَّوم الواقع في الرِّوايات المتقدِّمة (لا اعتكاف إلَّا بصوم).

وبالجملة، فيكفي في صحَّة الاعتكاف وقوعه مع الصَّوم، وإن لم يكن له، سواء كان الصَّوم واجباً أو ندباً، رمضان كان أو غيره.

وفي المعتبر أنَّ عليه فتوى علمائنا.

 

قول الماتن: (وإن كان قد نذر الاعتكاف على قول)

 

لما عرفت أنَّ نذر الاعتكاف لا يتعلَّق بالصَّوم، فلو نذر الاعتكاف، وأتى بالصَّوم المستحبّ، أو كان الصَّوم واجباً عليه لأجل شهر رمضان، فيجزي حينئذٍ، ويكون قد وفى بنذره.

ولكن قال العلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة: (فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيامٍ مثلاً وجب الصَّوم بالنَّذر؛ لأنَّ ما لا يتمّ الواجب إلَّا به يكون واجباً...)[1] .

وأشكل عليه بعض الأعلام، ومنهم صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث قال: (وهو مشكل على إطلاقه؛ لأنَّ المنذور المطلق يصحّ إيقاعه في صوم شهر رمضان أو واجب غيره، فلا يكون نذر الاعتكاف مقتضياً لوجوب الصَّوم، كما أنَّ مَنْ نذر الصَّلاة فاتَّفق كونه متطهِّراً في الوقت الَّذي تعلَّق به النَّذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة...)[2] .

أقول: لعلّ مراد العلَّامة (رحمه الله) من وجوب الصَّوم بالنَّذر هو أنَّه يشترط في صحَّته الصَّوم، وليس المراد وجوب إيقاعه لأجل الاعتكاف.

ومن هنا، قال العلَّامة (رحمه الله) في موضع آخر: (وكذا لو نذر اعتكافاً وأطلق، فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبّاً جاز...)[3] .

وهذا يؤيِّد ما ذكرناه، وإلَّا كان هذا الكلام بظاهره ينافي ما ذكره أوَّلاً من أنَّ نذر الاعتكاف يقتضي وجوب الصَّوم.

وقال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: (لا يصحُّ جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوباً؛ للتَّنافي بين وجوب المضيّ على الاعتكاف الواجب، وجواز قطع الصَّوم المندوب...)[4] .

وفيه: ما لا يخفى.

أمَّا أوَّلاً: فلمنع وجوب المضيّ على الاعتكاف الواجب بالنَّذر المطلق.

وأمَّا ثانياً: فلأنَّه لا منافاة بين الاستحباب الذَّاتيّ والوجوب الغيريّ.

وبعبارة أخرى: فإنَّ عدم جواز قطع الصَّوم باعتبار استلزامه للخروج عن الاعتكاف الواجب لا يقتضي وجوب أصل الصَّوم بحسب الشَّرع، والله العالم.

 

قول الماتن: (ويشترط النِّيّة في ابتدائه، وهو قبل طلوع الفجر)

 

من جملة الشَّرائط النِّيّة، ولا إشكال في اشتراطها في الاعتكاف؛ لأنَّه عبادة مفتقرة إلى النِّيّة.

وتكون النَّتيجة في ابتداء الاعتكاف، كما لا يخفى، كغيره من العبادات.

وهل الابتداء هنا يكون قبل طلوع الفجر؟

إذا أردت المزيد من التَّوضيح، فراجع ما ذكرناه في ابتداء النِّيّة في الصَّوم، فالكلام هو الكلام.

ثمَّ إنَّ الكلام عن حقيقة النِّيّة، واعتبار قصد الوجه، وغير ذلك من مباحثها قد تقدَّم سابقاً، وبالأخصّ في مبحث الوضوء، فراجع.

 

قول الماتن: (فيكون في الأيَّام الثَّلاثة ليلتان)

 

من جملة الشُّروط أنَّه لا يصحّ الاعتكاف إلَّا ثلاثة أيامٍ، أي أنَّ أقلَّه ثلاثة أيام.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف: (دليلنا: إجماع الفرقة، على أنَّه لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام...)[5] .

وقال المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر: (قد أجمع فقهائنا: أنَّه لا يصحّ أقلّ من ثلاثة أيام بليلتَيْن، وأطبق الجمهور على خلاف ذلك)[6] .

وقال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (لا يجوز الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيامٍ بليلتَيْن، وهو مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السَّلام)، والجمهور كافَّة على خلافه)[7] .

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسمَيْه عليه...)[8] .

أقول: هذه المسألة من المسلَّمات عند الأعلام قديماً وحديثاً، ولم يخالف في ذلك متفقِّه، فضلاً عن فقيه.

ومع ذلك تدلّ عليه جملة من الرِّوايات بلغت حدَّ الاستفاضة:

منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام...)[9] .

ومنها: موثَّقة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيامٍ)[10] .

وابن الزُّبير القُرشيّ الواقع في إسناد الشَّيخ إلى ابن فضَّال، وإن لم يوثَّق بالخصوص، إلَّا أنَّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته.

ومنها: رواية داود بن سرحان (قال: بدأني أبو عبد الله (عليه‌السلام) من غير أن أسأله، فقال: الاعتكاف ثلاثة أيامٍ -يعني: السُّنّة- إن شاء الله)[11] .

ولكنَّها ضعيفة بسهل بن زياد.

وكذا غيرها من الرِّوايات.

ثمَّ إنَّه لا حدّ لأكثره، وتدلّ عليه إطلاقات أدلَّة مشروعيَّة الاعتكاف، فإنَّها على كثرتها لا يوجد فيها تحديد، إلَّا من حيث القلَّة دون الكثرة.

وسيأتي المزيد من ذلك -إن شاء الله تعالى- عند تعرُّض المصنِّف (رحمه الله) للزِّيادة.


[1] التَّذكرة: ج6، ص249.
[2] المدارك: ج6، ص315.
[3] التَّذكرة: ج6، ص249.
[4] المسالك: ج2، ص93.
[5] الخلاف: ج2، ص233.
[6] المعتبر: ج2، ص728.
[7] المنتهى -ط قديمة-: ج2، ص630.
[8] الجواهر: ج17، ص166.
[9] الوسائل باب4 من أبواب الاعتكاف ح2.
[10] الوسائل باب4 من أبواب الاعتكاف ح5.
[11] الوسائل باب4 من أبواب الاعتكاف ح4.
logo