46/08/19
/ الدَّرس (77)/الصَّوم(210)
الموضوع: الصَّوم(210) / الدَّرس (77)/
وقد يُستفاد عدم الوجوب أيضاً من صحيحة الحلبيّ المتقدِّمة، حيث ورد في الذَّيل (يتصدَّق بما يجزي عنه طعام مسكين لكلّ يوم)[1]
فإنَّ التَّعبير بالإجزاء كاشف عن عدم الحاجة للصَّوم، ومثلها حسنة عبد الله بن سنان[2]
ويستفاد عدم الوجوب أيضاً من الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ.﴾
حيث قسَّمت المكلَّفين إلى ثلاثة أقسام:
قسم منهم يجب عليه أداء الصَّوم، وهو الحاضر غير المريض، وغير المسافر.
وقسم آخر: يقضي الصَّوم، وهو المريض أو المسافر.
وقسم ثالث: وهو الَّذي يطيق الصَّوم، وهو الَّذي يتمكَّن منه مع المشقَّة الشَّديدة، فلا يجب عليه الصَّوم، لا أداءً ولا قضاءً، وإنَّما يتصدَّق فقط.
والتَّفصيل قاطع للشَّركة، كما هو مقرِّر في محلِّه، أي هذه الأقسام الثَّلاثة للمكلَّفين لا تشترك في الحكم، بل كلّ واحدٍ منها له حكم خاصّ به، والله العالم.
الأمر الثَّاني: في حكم ذي العُطاش.
والمعروف بين الأعلام أنَّ ذي العطاش -وهو بالضّمّ داء لا يُروى صاحبه- يجوز له الإفطار إذا شقّ عليه الصَّوم مشقَّة لا تتحمَّل عادةً، كما أنَّه يجب عليه التَّكفير عن كلّ يومٍ بمُدّ.
كما أنَّ المشهور بينهم وجوب القضاء مع البُرء.
وقيل: إنَّه إن كان مرجوّ الزَّوال يجب على صاحبه القضاء بعد البُرء، ولا كفَّار، وإن كان مَنْ لا يُرجى زواله وجبت الكفَّارة خاصَّة دون القضاء، واختاره العلَّامة (رحمه الله) في جملة من كتبه.
قال في المختلف: (ذو العُطاش الذي يرجى برؤه ويتوقّع زواله يفطر، ويقضي مع البُرء، وهل تجب الكفارة؟ قال الشَّيخ: نعم، وبه قال سلَّار، وابن البرَّاج، وابن حمزة، وقال المفيد، والسّيِّد المرتضى، وابن إدريس: لا يجب، وهو الأقرب، لنا: الأصل براءة الذِّمّة، ولأنَّه مريض فلا يجب عليه كفَّارة مع القضاء كغيره -إلى أن قال:- مسألة: لو كان العُطاش مما لا يُرجى بُرؤه، قال الشَّيخ: يفطر ولا قضاء عليه، وتجب الكفَّارة، وبه قال ابن بابويه، والسّيِّد المرتضى، وابن الجنيد، والمفيد، وابن إدريس، وابن البرَّاج، وقال سلَّار: لا تجب الكفَّارة...)[3]
أقول: ما ذكرناه بالنِّسبة للشَّيخ والشَّيخة يأتي هنا؛ لأنَّ المستند واحد.
وبالنَّتيجة: يجوز الإفطار له، وتجب الفدية، ولا قضاء عليه، مع البُرء.
وأمَّا ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) في المختلف، وكذا غيره من الأعلام، من (أنَّه لا تجب الكفَّارة؛ لأنَّ الأصل براءة الذِّمّة، ولأنَّه مريض، فلا تجب عليه كفَّارة مع القضاء كغيره...).
فيرد عليه: أنَّه لا مكان للأصل مع وجود الدَّليل، وهو صحيحتا مُحمّد بن مسلم المتقدِّمتَيْن، وغيرهما أيضاً من الرِّوايات.
كما أنَّه لا يدخل ذو العُطاش بعنوان المريض، بل هو عنوان مستقلّ مقابل للمريض.
وتدلُّ على ذلك: صحيحة مُحمّد بن مسلم الثَّانية (وفي قول الله عزَّوجلّ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قَاْل: الشَّيخ الكبير، والَّذي يأخذه العُطاش، وعن قوله عزَّوجلّ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾، قَاْل: من مرض أو عطاش)[4]
ووجه الاستدلال بها من جهتَيْن:
الأُولى: حيث فسَّر الَّذين يطيقونه بالشَّيخ الكبير، والذي يأخذه العُطاش.
وقد عرفت أنَّ الَّذين يطيقونه يقابل المريض المذكور في الآية الكريمة، فكيف يكون داخلاً فيه؟!
الجهة الثَّانية: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾، (قال: مَنْ مرض أو عُطاش)، حيث عطف العُطاش على المرض، فيكون مقابلاً له.
ويؤيِّد كون ذي العُطاش مقابلاً للمريض، وليس داخلاً فيه: رواية داود بن فرقد عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- (فيمَنْ ترك صوم ثلاثة أيامٍ في كلِّ شهرٍ، فقال: إن كان من مرض فإذا برأ فَلْيقضه، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يومٍ مُدّ)[5]
حيث جعل فيها العطش مقابلاً للمريض، وإنَّما جعلناها مؤيِّدة، وليست دليلاً لضعفها سنداً بعدم وثاقة والد داود بن فرقد.
ثمَّ لو سلمنا أنَّ ذي العُطاش داخلاً في عنوان المريض، إلَّا أنَّه خارج عنه حكماً لصحيحة مُحمّد بن مسلم الأُولى المتقدِّمة، فتكون هذه الصَّحيحة مخصِّصة للآية الكريمة.
والخلاصة: أنَّ حكم ذي العُطاش هو حكم الشَّيخ والشَّيخة، فيجوز لهم الإفطار للمشقَّة الشَّديدة التي لا تتحمَّل عادةً، وتجب الفدية، ولا قضاء عليهم، والله العالم.
قول الماتن: (وظاهر عليّ بن بابوَيْه وجوب الفدية، وسقوط القضاء، عن حامل تخاف على ولدها، ورواية مُحمّد بن مسلم بخلافه)
ذكرنا هذه المسألة عند الكلام عن الحامل المُقرب، والمرضعة القليل اللَّبن؛ وذلك في الأمر الثَّاني من الأمور الثَّلاثة، وقلنا: إنَّه يجب عليها القضاء، فراجع، فإنَّه مهمّ.
قول الماتن: (والفدية: مدّ -لا مُدّان- للقادر على الأصحّ)
المشهور بين الأعلام أنَّ التّصدّق إنَّما هو بمُدّ من طعام على مسكين، والرِّوايات الواردة بذلك مستفيضة:
ومنها: صحيحة مُحمّد بن مسلم الأُولى.
ولكن في رواية أُخرى لمُحمّد بن مسلم، وهي صحيحة أنَّه يتصدَّق عن كلِّ يومٍ بمُدَّيْن من طعام (قَاْل: سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول: وذكر مثله، إلَّا أنَّه قَاْل: ويتصدَّق كلّ واحدٍ منهما في كلِّ يومٍ بمُدَّيْن من طعام)[6]
وقد جمع بينهما الشَّيخ بجمعَيْن:
أحدهما: في التَّهذيب: (أنَّه مَنْ أطاق إطعام مُدَّيْن يلزمه ذلك، ومَنْ لم يطق إلَّا إطعام مُدّ فعليه ذلك).
ثانيهما: في الاستبصار: (أي يحمل إطعام المدَّيْن على الاستحباب).
أقول: هذا هو الصَّحيح؛ وذلك للجمع العرفيّ.
وأمَّا الأوَّل المذكور في التَّهذيب، فهو جمع تبرّعي، وليس عرفيّاً، فلا يقبل.