« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

 الدرس 75// الصوم 186

 

الموضوع: الصوم 186 // الدرس 75

 

قوله: الثَّاني: لوِ اختلف الشَّاهدان في صفة الهلال بالاستقامة والانحراف، فالأقرب: البطلان

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يشترط توافق الشَّاهدَيْن في صفة الهلال، فلو اختلفا فيها فلا يقبل قولهما؛ لأنَّ موضوع دليل حجيَّة البيَّنة الخبران الحاكيان عن خارجيّ واحد.

وعليه، فالاختلاف بالأوصاف المتضادَّة يمنع من الحكاية عن خارجيّ واحد، كما لو أخبر أحدهما بأنَّ الهلال مستقيم، والآخر بأنَّه منحرف، أو أخبر أحدهما بأنَّ فتحة الهلال إلى الأرض، وأخبر الآخر بأنَّ فتحة الهلال إلى السَّماء، فإنَّ كلّاً منهما يكذب الآخر بالدَّلالة الالتزاميَّة، فالمدلول الالتزاميّ للأوَّل أنَّ الهلال غير منحرفٍ، أو أنَّ الهلال فتحته ليست إلى السَّماء، والمدلول الالتزاميّ للآخر أنَّ الهلال غير مستقيمٍ، أو أنَّ الهلال فتحته ليست إلى الأرض.

والخلاصة: أنَّ كلَّ واحدٍ يحكي عن وجود غير ما يحكيه الآخر، فلم تكن حكايتهما عن وجود خارجيٍّ واحدٍ، وهذا بخلاف ما لو كان الاختلاف في غير صفة الهلال، كما لو أخبر أحدهما بأنَّ فتحة الهلال إلى السَّماء وبجنبه نجمة صغيرة، وأخبر الآخر بأنَّ فتحته إلى السَّماء وبجنبه نجمة كبيرة، فإنَّ ذلك لا يضرّ بصحَّة البيّنة وحجيّتها؛ لأنَّهما يحكيان عن وجود خارجيٍّ واحدٍ.

 

قول الماتن: بخلاف ما لو اختلفا في زمان الرُّؤية مع اتِّحاد اللَّيلة

 

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يعتبر اتِّحادهما في زمان الرُّؤية مع اتِّحاد اللَّيلة، فلو أخبر أحدهما برؤيته ليلة الأحد بعد الغروب بعشر دقائق، وأخبر الآخر برؤيته ليلة الأحد بعد الغروب بعشرين دقيقة، فلا إشكال من هذه الجهة؛ لاشتراكهما في الحكاية عن أمر خارجيٍّ واحدٍ، فلا تكاذب بين الخبرَيْن.

وأمَّا لو اختلفا في اللَّيلة، بأن أخبر أحدهما أنَّه رآه ليلة الأحد، وأخبر الآخر أنَّه رآه ليلة الإثنَيْن، فلا يقبل قولهما؛ لعدم اشتراكهما في الحكاية عن أمر خارجيٍّ واحدٍ، بل كلٌّ منهما يحكي عن أمر يغاير ما يحكيه الآخر.

نعم، يتّحدان في المدلول الالتزاميّ لكلٍّ منهما، فإنَّ مدلول الالتزاميّ للأوَّل أنَّ يوم الإثنَيْن من الشَّهر، كما أنَّ مدلول الالتزاميّ للثَّاني أنَّ يوم الإثنين من الشَّهر، فيشتركان من هذه الجهة، ويتحقَّق موضوع الحجيَّة، وهو الإخبار عن وجود خارجيٍّ واحد بالدَّلالة الالتزاميَّة اللَّفظيّة.

ولكن ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ الدَّلالة المطابقيَّة إذا سقطت عن الحجّيَّة للمعارضة، أو لسبب من الأسباب تسقط معها الدَّلالة الالتزاميَّة، فهي تابعة للدَّلالة المطابقيَّة ثبوتاً وحجيَّةً.

خلافاً للميرزا النَّائينيّ (رحمه الله)، حيث ذهب إلى أنَّ الدَّلالة المطابقيَّة إذا سقطت عن الحجيَّة تبقى الدَّلالة الالتزاميَّة.

وقد ذكرنا في علم الأصول الدَّليل على سقوط الدَّلالة الالتزاميَّة عن الحجيَّة فيما إذا سقطت الدَّلالة المطابقيَّة عنها للمعارضة، ونحو ذلك، فلا حاجة لإعادتها.

 

قول الماتن: ولو شهد أحدهما برؤية شعبان الأربعاء، وشهد الآخر برؤية رمضان الجمعة، احتمل القبول

 

لو شهد عدل برؤية هلال شعبان ليلة الإثنَيْن، وشهد آخر برؤية هلال شهر رمضان ليلة الأربعاء بعد ثلاثين ليلةً، فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله)، وجماعة كثيرة من الأعلام، أنَّه يحتمل القبول؛ لاتِّفاقهما في المعنى.

ويحتمل عدمه؛ لأنَّ كلّ واحدٍ يخالف الآخر في شهادته، ولم يثبت أحدهما.

ولكنَّ الإنصاف: هو عدم قبول شهادتهما؛ وذلك لأنَّ الأوَّل، وإن دلّ -بالدَّلالة الالتزاميَّة-، على أنَّ يوم الأربعاء من شهر رمضان، كما أنَّ شهادة الثَّاني برؤيته ليلة الأربعاء يدلّ بالدَّلالة الالتزاميَّة على أنَّ الأربعاء من شهر رمضان، فتكون حكايتهما بالالتزام عن وجود خارجيٍّ واحدٍ، إلَّا أنَّ الدَّلالة الالتزاميَّة ساقطةٌ عن الحجيَّة بسقوط الدَّلالة المطابقيَّة عنها.

ووجه سقوط الدَّلالة المطابقيَّة: هو أنَّ خبر الواحد ليس حجّةً في إثبات الشَّهر، وقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ الدَّلالة الالتزاميَّة تتبع الدَّلالة المطابقيَّة ثبوتاً وحجيّةً.

 

قول الماتن: الثَّالث: لا يكفي قول الشَّاهد اليوم الصَّوم، أو الفطر؛ لجواز استناده إلى عقيدته، بل يجب على الحاكم استفساره

 

ذكر جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله)، أنَّه لا يكفي في حكم الحاكم، أو الوجوب على السَّامع، قول الشَّاهد اليوم الصَّوم أو الفطر؛ لجواز استناده إلى عقيدته مع مخالفتها لرأي الحاكم، أو من يقلّده السَّامع، كما لو رآه في اليوم قبل الزَّوال واعتقد اعتبارها، مع مخالفتهما فيه، بل يجب على الحاكم أو السَّامع استفساره، ثمَّ البناء على ما توجبه شهادته على عقيدة سامعها.

ومنهم صاحب المدارك (رحمه الله) أيضاً، حيث قال: فيجوز استناد الشَّاهد إلى سبب لا يوافق مذهب السَّامع، ثمَّ قال: نعم لو علمت الموافقة أجزأ الإطلاق، كما في الجرح والتَّعديل[1] .

أقول: مقتضى شاهدته كونه موافقاً لرأي الحاكم، أو مقلّد السَّامع في السَّبب.

ولذا، لم يجب استفصاله في الشَّهادة بالملك والغصب والنَّجاسة، ونحوها، ممَّا هي مختلفة الأسباب أيضاً، وكذلك الجرح والتَّعديل.

كما يشهد له: الاكتفاء بما يذكره علماء الرِّجال فيهما.

ومن هنا، كانت السِّيرة من العلماء على عدم استفصال الشَّاهد إذا شهد بالفسق أو العدالة، والله العالم.

 


[1] المدارك: ج6، ص170.
logo