46/03/10
بصائر تمهيديةعامةالبصيرة الأولى
موضوع:بصائر تمهيدية عامة
البصيرة الأولى :
قد يعيش الفرد تحت المنابر سنين، لكنه عاجز عن بيان ما سمعه خلال فترة حضوره تحت هذه المنابر. مما يعني أنَّنا لا يجب أن نكتفي فقط بالحضور والسماع، بل علينا لكي نستطيع التعبير عمّا سمعناه أن نلجأ إلى الكتابة. وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (ص) ( قيدوا العلم، قيل: وما تقييده؟ قال: كتابته )[1]
وورد في حديث آخر أنه قال عن النبي (ص) عليه السلام (قيدوا العلم بالكتاب)[2]
بالإضافة إلى أن من وسائل فهم المعلومات التي يسمعها الإنسان هي نقلها ونشرها، وهذا يعني أن من تعلّم فإنما يستفيد علماً واحداً، ومن علّم فإنه يستفيد أربع مرات أو أربعة علوم.
البصيرة الثانية: إن اختيار مبحث العقل ليس لأننا لا نملك عقولاً أو أنها ضعيفة أو ما شابه، ولكن لكي نبلغ بهذه العقول الذروة في حياتنا.، والسبب في ذلك أن العقل هو ركيزة الإنسان الأساسية، وهو أول مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع) قال: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، ولا اكملك إلا فيمن أحب أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أثيب) [3]
ولو فقد الإنسان عقله، فإنه بالتالي يفقد إنسانيته مما يعني أنه ليس فقط يترتب علينا من خلال هذا البحث أن نعرف عقولنا، بل علينا الوصول بعقولنا إلى أعلى الدرجات في الدنيا وكذلك أعلى الدرجات في الآخرة
البصيرة الثالثة: كيف يمكننا تنمية عقولنا؟ الإنسان مهما فتّش عن أمور لكي يفهم بها عقله، فإنه بالتالي لا يمكنه فهم عقله إلا بعقله ويتم ذلك بتوجيه العقل بالرؤى الوحي وبصائره. لذلك ورد في الحديث الشريف: عن الإمام الصادق (ع) (اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا)[4]
مما يعني أن معرفة العقل وجنوده والجهل وجنوده تمكّن الإنسان من التمييز بين ما يصدر عنه من العقل وما يصدر عنه من الهوى ومن النكراء. لأن النكراء تشبه العقل، كما ورد في الحديث قد تلبس الحق بالباطل وتقدمه للناس على أنه هو الحق ولكن السؤال هو: كيف نعرف العقل بجنوده وجنود ما يقابله؟ المعرفة هنا ليس المقصود بها معرفة التعليم فقط، بل هي معرفة تثقيف الذات، معرفة استكفاه الذات، والغوص في أعماق الإنسان نفسه. هذه العملية مع صعوبتها إلا أنه يجب علينا أن نقتحم الصعاب. أما من يبحث عن السهولة ومجالس البطالين ، فإنه كما قيل "يمجُّ من عقله". والفرق بين المجلسين، بين مجالس الذكر التي يذكر فيها الله، ومجالس البطالين، هو الزيادة في مجال الذكر والنقصان في مجالس البطالين.
البصيرة الرابعة: سيتم الحديث في الأيام القادمة ان شاء اللهعن مجموعة من البحوث ضمن سبعة فصول.، الفصل الأول فيه نتحدث فيه عن البديهيات، وهي الحقائق الواضحة جداً. حيثالعقل كلما تشبّع بالبديهيات، كلما شعَّ أكثر، وكلما ازدادت استثارته كلما شعَّ أكثر. الفصل الثاني سنتحدث عن الأمور التي يصل اليها العقل بعد التفكر والتأمل. الفصل الثالث سنتحدث فيه عن الجهل وعلاماته. والفصل الرابع سنتحدث فيه عن أولي الألباب.
الفصل الخامس: سنتحدث فيه عن كيف يميز العقل بين الانسان المخلص وبين الإنسان المنافق. الفصل السادس سنتحدث فيه عن عاقبة الجهلة الذين هم كالأنعام. أما الفصل السابع والأخير، فسيكون الحديث فيه عن بيان عاقبة الجاهلين بالدنيا.
واليك الأن مقاطع من وصية موسى بن جعفر (عليهما السلام) لهشام بن الحكم وصفته للعقل.حيث نجد فيها اضاءات في صفة العقل قال (عليه السلام)
يا هشام بن الحكم إنّ الله عزّ وجل أكمل للناس الحجج بالعقول ، وأفضى إليهم بالبيان ، ودلّهم على ربوبيته بالأدلاّء ، فقال : ﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[5]
يا هشام : قد جعل الله عزّ وجل ذلك دليلاً على معرفته ، بأنّ لهم مدبّراً ، فقال : ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.[6]
يا هشام : ثمّ وعّظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة ، فقال : ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾[7] .
يا هشام : ثمّ خوَّف الذين لا يعقلون عذابه ، فقال عزّ وجل ﴿: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[8] )[9]
بصائر من الرواية
1. أن هذه الوصية المباركة والعظيمة، وصية الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم، وتلاوة ايات من القرآن وفي نفس الوقت ذكر للروايات، وكذلك هي تطبيق على واقعنا المعاش.
2. والإمام عليه السلام في هذه الوصية جمع آيات من سياقات مختلفة حول العقل، وهذا يشبه التدبر الموضوعي أو التفسير الموضوعي.
3. كما نجد أن الإمام الكاظم عليه السلام في طريقة النشر التي كان يتبعها آباؤه للعلوم ، اختلف عنهم لتثقيف الناس وبيان الدين في تثقيف الناس وتعليمهم وانته انتقل من الحالة العامة إلى حالة الوصايا
4. هذه الوصايا تدلنا على نقطة مهمة جداً وهي أن الإنسان إذا وجد شخصاً يحمل علماً، فلا يستصغره ولا يستصغر قدره.