46/07/05
مبحث الأوامر
الموضوع: مبحث الأوامر
الإشكال الثاني: ما ذكره سيدنا الخوئي قدس سره[1] وبيانه: أن وجوب المقدمة المفوتة عقلاً مرجعه إلى وجوب حفظ الغرض والملاك اللزومي، وهذا يتوقف على انكشاف الملاك اللزومي، ولا كاشف عن الملاك اللزومي إلا التكليف الفعلي، فإذا كان التكليف فعليا كان كاشفا عن ملاكٍ لزومي في البين، فيجب على المكلف عقلاً حفظه، ويقبح تفويته، وأما إذا لم يكن فعليا فلا كاشف عن وجود ملاكٍ أو غرضٍ لزومي كي يجب عقلا على المكلف حفظه، والمقام من هذا القبيل، فإن المكلف إذا ترك المقدمات فعجز عن الواجب في ظرفه بسبب ذلك فلا خطاب فعلي في حقه أبدا، لا قبل تحقق الشرط إذ المفروض أن الوجوب مشروط بشرطٍ ولم يتحقق كما في وجوب الصوم قبل طلوع الفجر، ولا بعد تحقق الشرط إذ المفروض عجز المكلف عن امتثاله، ومقتضى اشتراط التكليف بالقدرة عدم فعليته، والتكليف غير الفعلي لا كاشفية له عن الغرض، فمن أين يستفاد أن في البين غرضاً لزوميا للمولى بحيث يجب حفظه؟
وإشكاله قدس سره يختلف عن إشكال المحقق العراقي قدس سره، فإن الإشكال الأول من قبل المحقق العراقي قدس سره إشكال كبروي ثبوتي، وهو أنه لا يعقل تنجز ما ليس فعليا، فلا يعقل وجوب المقدمة المفوتة، بينما إشكال سيدنا الخوئي قدس سره إشكالٌ إثباتي، وحاصله: التسليم بالكبرى وهي وجوب حفظ الغرض اللزومي للمولى عقلاً، وإنما الإشكال في إثبات الصغرى، وهي أن في البين غرضاً لزوميا للمولى، حيث لا كاشف عن وجود غرضٍ لزومي للمولى إلا التكليف الفعلي، وهو غير متحقق بحسب الفرض.
وهنا ملاحظتان:
الملاحظة الأولى: وهي ملاحظة إثباتية: وحاصلها: أنه لا ريب أن خطاب التكليف في حد ذاته له ثلاثة ظهورات:
الظهور الأول: إثبات أن هناك تكليفاً قانونيا من قبل المولى، أي: ظهور الخطاب في تشريع القانون، فإذا قال المولى: (لله على الناس حج البيت) فظاهر الخطاب وجود تكليف مولوي بحج البيت في وعاء التشريع على نحو القضية الحقيقية.
الظهور الثاني: بما أن الخطاب لم يقيد بالقدرة فظاهره أن القدرة لا دخل لها في الملاك، وأن الملاك ثابتٌ حتى في حق العاجز، مما يعني أن التكليف مشروط بالقدرة عقلاً لا خطاباً، بل مقتضى احتفاف الخطاب بالبناء العقلائي على عدم ارتباط القدرة بالملاكات والمصالح العقلائية عادةً - وإن اتفق ذلك في بعض الموارد -، مما يوجب ظهوره في تمامية ملاكه من دون دخل للقدرة فيه.
الظهور الثالث: أن التكليف فعلي، وهذا الظهور وإن لم ينعقد في مثل (صم إذا طلع الفجر)، لأن معناه أن لا فعلية للصوم إلا بطلوع الفجر، الا أن الظهورين الأولين قد انعقدا وإن لم يكن الخطاب فعليا لعدم فعلية قيده، ومقتضى الظهور الثاني أن الملاك أوسع من القدرة، لعدم دخلها فيه، فلا وجه لدعوى عدم دلالة الخطاب على ثبوت الملاك اللزومي في حق من ترك المقدمة المفوتة فعجز عن الواجب في ظرفه، لا قبل الشرط لعدم فعليته ولا بعد تحقق الشرط لعجزه، لدلالته من قبل تحقق الشرط - ببركة عدم تقييده بالقدرة - على تمامية الملاك اللزومي.
الملاحظة الثانية: ما يمكن أن يكون جوابا مشتركا عن إشكالي السيد الخوئي والمحقق العراقي قدس سرهما، وإن كان الإشكالان مختلفين في النكتة.
وبيانه: أنه قد يقال: إن الجواب الذي طرح ردا على المحقق العراقي قده مصادرة ومن باب مقابلة الدعوى بالدعوى، حيث كان مبنى الرد على إشكال العراقي قده أن النكتة العقلية في تنجز الخطاب - وهي حق المولوية - تقتضي كون التنجز أوسع دائرة من الفعلية، أي أن العلم بالخطاب وإن لم يكن فعليا موجب لتنجزه ما دام لتنجزه أثرٌ وهو وجوب المقدمات المفوتة، ولكن قد تقابل هذه الدعوى بدعوى أخرى، وهي أن هذه النكتة - وهي اقتضاء حق المولوية لتنجز الخطاب المعلوم - قاصرة في نفسها عن الشمول لتكليف ليس بفعلي، ولا شاهد على تمامية الجواب المذكور مقابل مدعى المحقق العراقي قدس سره إلا دعوى الوجدان على اقتضاء نكتة المنجزية لسعتها للخطاب المعلوم وإن لم يكن فعليا.
إلا أنه يمكن الجواب عن إشكالي العلمين: العراقي والخوئي قدس سرهما، بنحو آخر مبني على فكرة التبعض في الفعلية، وتصوير ذلك أنه في باب الأقل والأكثر الارتباطيين، قد أفيد بأن عدم مسؤولية المكلف عن الأكثر المجعول هل هو من التبعض في التنجيز أو التبعض في الفعلية.
وبيان ذلك: أنه لو فرض أن التكليف الواقعي في حق المكلف مثلا هو الأمر بصلاةٍ مؤلفة من أحد عشر جزءاً، ومنها جلسة الاستراحة بعد السجدتين، ولكن المكلف لم يعلم إلا بعشرة أجزاء، فالتكليف الواقعي الذي هو أمر واحد بمركب واحد مكون من أحد عشر جزءًا لم يصل للمكلف منه إلا عشرة أجزاء، مما يتصور فيه مسلكان:
المسلك الأول: التبعض في الفعلية بمعنى أن التكليف الواحد بمركب واحد مع أنه غير متبعض واقعا، إلا أنه فعلي في حق المكلف من حيث عشرة أجزاء وليس فعليا من حيث أحد عشر جزءاً، أي أنه فعلي بمقدار ما وصل بناءً على أخذ العلم بالجعل شرطا في فعلية المجعول.
المسلك الآخر: التبعض في التنجيز كما هو مسلك السيد الخوئي قدس سره، وحاصله: أن التكليف الواحد بأحد عشر جزءًا فعلي في حق الجاهل والعالم، فلا تبعض في الفعلية، وإنما التبعض في التنجيز بمعنى أن التكليف الواحد متنجز بمقدار ما وصل، فهو متنجز في عشرة أجزاء وغير متنجز في الحادي عشر.
وليس الغرض من ذكر باب الأقل والأكثر الارتباطيين قياس المقام عليه، وإنما الغرض تصوير فكرة التبعض في الفعلية والتنجيز، بأن يقال في المقام: هل أن التكليف بالصوم قبل طلوع الفجر فعلي من حيثٍ وغير فعلي من حيث آخر؟ فهو فعلي من حيث المقدمات المفوتة وليس فعليا من حيث المأمور به؟ فهو متبعض من حيث الفعلية، أو يقال: إن التكليف متبعض من حيث المنجزية، أي أنه متنجز بالنسبة إلى وجوب المقدمات المفوتة وليس متنجزاً بالنسبة إلى نفس المأمور به.
والتحقيق: أنه يمكن البناء على الأول.
وبيان ذلك: أن فاعلية التكليف تعتمد على ثلاثة أركان:
الركن الأول: أن المأمور به ما هو إلا طريق للغرض والملاك، أي أن المولى عندما يقول: (صم عند طلوع الفجر) فالمطلوب بالأصالة هو الغرض والملاك، والأمر بالصوم ليس إلا طريقا لتحصيل الملاك اللزومي للمولى.