« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الاوامر

الموضوع: مبحث الاوامر

 

كان الكلام في الملاحظة الثالثة، وحاصل هذه الملاحظة التشكيك في الصغرى، وهي أهمية الملاك بحدٍ يلزم بحفظه .

وبيان ذلك أن السيد الصدر قدس سره[1] أفاد بأن المولى تارةً يكون متمكنا من الواجب المعلق أو الواجب المشروط بالشرط المتأخر،وأخرى لا يكون متمكنا منهما ،فإذا كان متمكنا من أحد هذين الجعلين ومع ذلك لم يجعلهما بل جعل الوجوب بنحو المشروط بالشرط المقارن فقال: (يجب الصوم عند طلوع الفجر) لم يحكم العقل بوجوب حفظ الملاك عن طريق المقدمة، لأنه كان بإمكان المولى حفظه بنحو الواجب المعلق أو بنحو الواجب المشروط بالشرط المتأخرفلم يفعل، وأما لو لم يكن المولى متمكنا من الواجب المعلق والواجب المشروط بالشرط المتأخر - كما هو محل البحث - حيث إن المحقق النائيني قدس سره يدعي استحالتهما، فليس أمام المولى حينئذ طريق لإبراز الملاك إلا الواجب المشروط بالشرط المقارن، وهو أن يقول: (يجب الصوم عند طلوع الفجر)، فإذا ضم لذلك أن الملاك غير مشروط بالقدرة، أو أن الشرط هو طبيعي القدرة، والمفروض أن القدرة حاصلة قبل طلوع الفجر بالإتيان بالمقدمة ، فمقتضى ذلك وجوب المقدمة عقلا ولزوم فعلها شرعا، لكن المناقشة مع السيد قدس سره في تقريره لمطلب النائيني قدس سره صغروية، وهي منع استكشاف أهمية الملاك بحيث يتعين حفظه، والوجه في ذلك: أنه حتى مع فرض عدم تمكن المولى من حفظ ملاكه بالواجب المشروط أو الواجب المعلق، إلا أنه متمكن من حفظ ملاكه بنحو آخر، وحكم العقل بلزوم حفظ الملاك إنما يتم في حال ما إذا تصدى المولى لإبرازه بالقدر الممكن، حيث يكشف تصدي المولى لإبرازه عن أهميته وضرورة حفظه، فإذا لم يصدر من المولى إلا الخطاب المشروط بالشرط المقارن مع تمكنه من حفظ ملاكه بواسطة الإخبار عن أهمية ملاكه ولو بجملة خبرية، لم يدرك العقل أهمية الملاك كي يتعين بنظره حفظه، لعدم إبراز الملاك بالقدر الممكن بالنسبة للمولى، فترك المقدمة وإن كان تفويتا لملاك هو على نحو اللابشرط من جهة القدرة، إلا أن كون الملاك مهما بنحو يتعين حفظه منوط بإبرازه بما يؤدي ذلك عرفا ولم يحصل.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

الجهة الثانية: إذا وجبت المقدمة المفوتة عقلا، فهل يستكشف من ذلك أنها تجب شرعا أم لا؟ فهنا وجهان لبيان مطلب المحقق النائيني أعلى الله مقامه:

الوجه الأول: ما فهمه السيد الخوئي قدس سره من كلامه وبنى نقاشه عليه في تعليقته[2] حيث فهم السيد الخوئي أن المحقق النائيني يدعي الملازمة بين ما حكم به العقل وحكم به الشرع، وبما أن العقل قد حكم بوجوب المقدمة حكم الشرع بوجوب المقدمة، فأشكل عليه بأن هناك فرقاً بين إدراك العقل في سلسلة العلل وإدراك العقل في سلسلة المعلولات، فإذا كان ما أدركه العقل في سلسلة العلل كما لو أدرك العقل النظري أن في العمل الفلاني - كالتدخين مثلا - مفسدة تامة تقتضي النهي عنه، فهنا يلزم من إدراك العقل حكم الشرع على طبقه، لكونه في سلسلة العلل للحكم، أي: ماكان في رتبة سابقة على الحكم. وأما إذا كان حكم العقل العملي في سلسلة المعلولات، أي: بعد وجود الحكم الشرعي تقرر حكم العقل لا في رتبة سابقة على الحكم، كما لو قال المشرع (أقم الصلاة)، فإنه يحكم العقل العملي بلزوم الانقياد إلى المولى، لأن للمولى حق الطاعة، فحكم العقل العملي في طول وجود حكم شرعي وهو ما يسمى بسلسلة المعلولات، وهذا لا يستلزم حكماً شرعيا على طبقه، بل جعل الأمر الشرعي على طبقه لغو، لأنه إما أن يكون أمر الشارع - كقوله:( أقم الصلاة ) - بواسطة حكم العقل كافيا في المحركية فجعل حكم شرعي بأن يقال: (أطع أمر المولى شرعا) لغو لأن حكم الشارع الأول كافٍ في المحركية، وإن لم يكن الحكم الشرعي الأول كافيا في المحركية فألف حكم شرعي بعده لا يكفي في المحركية، والمقام من هذا القبيل لأننا فرضنا أن هناك جعلا شرعيا وهو قوله: (يجب الصوم عند طلوع الفجر) وفي طول هذا الجعل الشرعي حكم العقل العملي بوجوب المقدمة، فهذا الحكم العقلي في سلسلة المعلولات، وبعد أن حكم العقل بوجوب المقدمة فإما أن يكون ذلك كافيا في المحركية أو لا، فإن كفى فجعل الوجوب الشرعي للمقدمة لغو وإن لم يكف فألف جعل لا يجدي في المحركية، وسيأتي هذا البحث في أصل وجوب مقدمة الواجب ، وسنذكر فيه هناك تأملين:

التأمل الأول: أن المسلك المختار عدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، فلا ملازمة بين إدراك العقل النظري للمصلحة أو المفسدة التامة وبين الجعل المولوي، لا في سلسلة العلل ولا في سلسلة المعلولات، ولا بلحاظ العقل النظري ولا العقل العملي.

التأمل الثاني: أن هذا المطلب مبني على أن للعقل العملي شأن الباعثية والمحركية، فلذلك لا مجال لحكم الشارع على طبقه للغويته، وهذا المدعى أول الكلام.


[1] بحوث في علم الأصول ج2 ص205 وص206.
[2] أجود التقريرات ج1 ص221.
logo