46/04/26
مبحث الأوامر
الموضوع: مبحث الأوامر
الجهة الثالثة: هل بين الإرادتين ترابط أم استقلال؟ حيث ذكرنا أن في المقام إرادتين: إرادة فعلية قبل فعلية الشرط، وهي إرادة الغرض الأصلي على ما هو المختار، وإرادة الجزاء على فرض حصول الشرط، فما هو وجه الربط بين الإرادتين؟
الصحيح أن الإرادة الثانية امتداد للإرادة الأولى، وليست إرادةً مستقلة، وبيان ذلك: أن المولى حيث أراد تحقيق غرضه كما لو فرضنا أن المولى قال: (إذا زرت الحسين عليه السلام فقبل الضريح) فإن لديه إرادة فعلية قبل فعلية الشرط، وهي إرادة استمداد البركة من ضريح سيد الشهداء عليه السلام، وهذه الإرادة الفعلية المتعلقة بالغرض هي التي اقتضت أن تنبثق منها إرادة وهي إرادة تقبيل الضريح عند زيارة الحسين عليه السلام، فالإرادة الثانية ليست مستقلة عن الأولى، بل هي امتدادٌ وتطور - كما عبر به السيد الصدر قدس سره - للإرادة الأولى، وذلك لأن المولى عندما أراد الزيارة تحقيقاً لغرضه الأصلي - وهو استمداد بركة الإمام الحسين عليه السلام - فإنه ما أراد الزيارة على نحو الموضوعية، وإنما أرادها على نحو الطريقية المحضة للتوصل بها إلى ما هو الغرض الأصلي وهو استمداد البركة، فبما أن الإرادة إرادة طريقية ففي الواقع ما هو المراد ليس الزيارة وإنما المراد الاستطراق بالزيارة لتحقيق الغرض الأصلي، فمصب الإرادة هو الاستطراق والتوصل، فبما أن مصب الإرادة هو الاستطراق والتوصل فهذا يعني أن إرادة تقبيل الضريح عند حصول الزيارة ليست إلا تكاملا للإرادة الأولى .
وخلاصة ما سبق في بحث الواجب المشروط: أنه لا إشكال في الاشتراط من ناحية الملاك، لأن الملاك مشروط بوقوع الزيارة، ولا إشكال في الاشتراط بحسب عالم الجعل، لأن المجعول مشروط، فوجوب تقبيل الضريح إنما هو في فرض حصول الزيارة، وإنما البحث كله في الإرادة وهو أن إرادة تقبيل الضريح على فرض زيارة الحسين عليه السلام هل هي فعلية قبل فعلية الشرط أم لا؟ والبحث في الإرادة في مقامين: الثبوت والإثبات.
المقام الثبوتي: وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في فعليتها قبل فعلية الشرط.
المطلب الثاني: في ثمرة البحث وهي وجوب المقدمات المفوتة.
المطلب الثالث: في تصوير الإرادة المشروطة.
أما المطلب الأول فإن المولى إذا قال: (يجب الحج على المستطيع) فهل إن إرادته للحج فعلية قبل فعلية الاستطاعة أم لا؟ قد ذهب الشيخ الأعظم قدس سره ومن تبعه إلى فعلية الإرادة للجزاء قبل فعلية الشرط، وأقيم على ذلك وجهان وجه وجداني ووجه برهاني لإثبات فعلية إرادة الجزاء قبل فعلية الشرط، وناقشنا في كلا الوجهين وأنه لا إرادة للجزاء قبل فعلية الشرط.
وأما المطلب الثاني فهو عن الثمرة في البحث، وذكرنا أن الثمرة - وهي لزوم المقدمات المفوتة - تبتني على أنه على فرض أن لا إرادة للجزاء قبل فعلية الشرط، ولكن هل توجد إرادة أخرى قبل فعلية الشرط تترتب عليها الثمرة؟
وفي هذا المطلب ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: من قال أنه لا موضوع للبحث أصلا، وهو مسلك سيدنا الخوئي قدس سره لأنه لا يرى وجود إرادة في عالم الأحكام أصلا بل لا يوجد إلا العلم بالملاك والجعل وليس هناك إرادة كي يبحث في ثمرة وجودها.
الاتجاه الثاني: مسلك سيدنا الأستاذ مد ظله الشريف من أنه حتى لو فرض وجود إرادة فعلية قبل فعلية الشرط سواء أتعلقت بالغرض أم بالجامع، فإنه لا ثمرة لهذه الإرادة أصلا ما لم يكن هناك خطابٌ وبيان، فالمدار على الخطاب لا على الإرادة.
الاتجاه الثالث: ما هو المختار من أن هناك إرادة وأن لهذه الإرادة ثمرة مقابل ما بنى عليه نابغة الأصول السيد الروحاني قدس سره الشريف في المنتقى من أنه لا توجد إرادة فعلية قبل فعلية الشرط لا للجزاء ولا للغرض، فلا ثمرة، حيث إن مقتضى الوجدان العقلائي ترتب الثمرة، وهي لزوم المقدمات المفوتة شرعا، فإن العبد إذا علم بوجود مقدمات وأنه ما لم يحققها لن يتمكن من الإتيان بالجزاء عند فعلية الشرط فيجب عليه أن يأتي بالمقدمات لأن للمولى إرادة فعلية قبل فعلية الشرط، نعم هنا فرقٌ بين مسلك العراقي ومسلك السيد الصدر قدس سرهما، فإن مسلك المحقق العراقي أن الإرادة الفعلية قبل فعلية الشرط هي الحكم وتمامه، وإنما الجعل والاعتبار مجرد مبرز محض لا أكثر، بينما ذهب السيد الصدر قدس سره إلى أن هذه الإرادة هي روح الحكم، فإن الحكم يحتاج إلى عنصر آخر وهو عنصر الجعل والاعتبار لا لأجل الصياغة التنظيمية بل لتحديد موطن حق الطاعة.
كما أن الاختلاف بين مسلكنا ومسلك السيد الصدر قدس سره أن السيد الصدر قدس سره يرى أن الإرادة الفعلية التي سبقت فعلية الشرط هي إرادة الجامع، والمختار أنها إرادة الغرض الأصلي التي تنبثق منها إرادة الغرض الإعدادي كما شرحنا ذلك.
وأما المطلب الثالث وهو تصوير الإرادة المشروطة، وفيه ثلاث جهات:
الجهة الأولى: أن المحقق النائيني ادعى - بحسب ما نقل عنه في أجود التقريرات - أن للإرادة وجودا تقديريا، وقلنا بأن هذا غير معقول.
الجهة الثانية: أن السيد الصدر قدس سره يرى أن الإرادة فعلية قبل فعلية الشرط ولكنها تتعلق بالجامع، وقلنا بأن بعض الأجلة من تلامذته رحمه الله أشكل عليه بثلاث إشكالات ذكرناها وقبلنا بعضها وتأملنا في بعضها.
الجهة الثالثة: في بيان الربط بين الإرادتين الإرادة الفعلية قبل فعلية الشرط والإرادة عند حصول الشرط، وقلنا بأن الإرادة الثانية سراية وامتداد للأولى.
وبذلك تم البحث، وخلاصته أن هناك إرادة فعلية قبل فعلية الشرط، لكنها ليست إرادة الجزاء كما ذهب إليه الشيخ الأعظم ولا هي متعلقة بالجامع كما ذهب إليه السيد الصدر، وإنما هي إرادة نحو الغرض الأصلي الذي تنبثق منه إرادة الغرض الإعدادي، ولهذه الإرادة ثمرة وهي وجوب المقدمات المفوتة.
تم الكلام في المقام الثبوتي، ويقع الكلام في المقام الإثباتي، وهو أنه هل يعقل تقييد الوجوب بالشرط بحسب عالم الدلالة والإثبات أم لا؟ فإذا قال المولى: (يجب الحج على المكلف إذا استطاع) فهذا القيد يرجع للوجوب أم للواجب؟ وبعبارة أخرى هل هو قيد للهيأة أم قيد للمادة؟ فلو قال المولى: (حج إن استطعت) فإن لـ(حج) هيئة ومادة، فهل القيد يرجع إلى الهيئة أم يرجع إلى المادة؟ ذهب الشيخ الأعظم إلى رجوع القيد للمادة، وذهب المحقق النائيني إلى رجوع القيد للمادة المنتسبة، وذهب الأعلام إلى رجوع القيد للهيأة، والإشكال كله في أن معنى الهيأة معنى حرفي، فهل يقبل المعنى الحرفي التقييد أم لا؟ حيث ادعي أن المعنى الحرفي لا يقبل التقييد إما لأن المعنى الحرفي جزئي والجزئي لا يقبل التقييد، أو لأنه معنى آلي والآلي لا يقبل التقييد لأن التقييد فرع أن يكون المقيد ملحوظا على نحو الاستقلال والمعنى الحرفي لا يقبل اللحاظ الاستقلالي فلا يقبل التقييد.