« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

الإيراد الثاني: أن مقتضى تعلق الإرادة بالجامع أن يكون في الجامع مصلحة تقتضي تعلق الإرادة التشريعية بها، أو أن يكون في كلا الفردين من الجامع مصلحتان متساويتان، ونتيجة تساوي المصلحتين في كلا الفردين تعلق إرادة المولى بالجامع، ولكن هذا المعنى إن كان متصورا في التكوينيات فليس متصورا على نحو الاطراد في التشريعيات، فإن هناك كثيرا من المصاديق - إن لم تكن هي الأغلب - التي لا يرى وجود مصلحة في الجامع أو في كلا الفردين بنحو التساوي، مثلا: إذا كان المولى يريد الحج في فرض الاستطاعة فهل يتصور في المقام مصلحة في الجامع؟ سواء بالصياغة التي أفادها وهي الإرادة المتعلقة بإعدام المجموع، مثلا إذا قال المولى: (إذا زرت الحسين عليه السلام فصل ركعتين) فإن الإرادة الفعلية تعلقت بإعدام المجموع، أي: أن المولى لا يريد زيارةً لا صلاة فيها، وبالتالي بناء على هذا البيان فهل يتصور أن للمولى مصلحة في إعدام هذا المجموع؟ وبعبارة أخرى أن للمولى مفسدة في الزيارة التي لا صلاة معها، فهذا مما لا يحتمل بحسب المرتكزات المتشرعية، أو بالصياغة التي أفادها في مورد آخر حيث أفاد أن الإرادة الفعلية هي المتعلقة بالجامع بين عدم الشرط وفعلية الجزاء عند فعلية الشرط، فإذا قال: (يجب عليك الحج إذا استطعت) فالمطلوب إما أن لا يستطيع المكلف أو إذا استطاع فعليه الحج، فهل يتصور مصلحة في نفس عدم الاستطاعة ومصلحة في الحج على فرض الاستطاعة؟! وهذا منبه على خطأ المبنى وهو دعوى أن هناك إرادة فعلية تتعلق بالجامع قبل فعلية الشرط .

وهذا الإشكال وارد على ما ذكره السيد قدس سره من تعلق إرادة بالجامع بما هو جامع وإن لم يكن الشرط فعليا.

الإيراد الثالث: أنه يمكن أن نصوغ برهانا على بطلان تعلق الإرادة بالجامع، وبيانه بذكر مقدمتين:

المقدمة الأولى: إذا تعلقت الإرادة بالجامع وفرض أن أحد فردي الجامع مبغوض لدى المولى فلا محالة تنصب الإرادة على الفرد الآخر وتنقلب الإرادة من إرادة الجامع إلى إرادة الفرد، مثلا: إذا قال المولى: (أكرم أحد الرجلين زيدا وعمرا) ثم أصبح زيد عدوا له بحيث يبغض إكرامه، فلا محالة سوف تنصب إرادة إكرام الجامع على إكرام عمرو.

المقدمة الثانية: تطبيق ذلك على التشريعيات أنه في بعض الموارد يكون عدم الشرط مبغوضا لا محبوبا، وذلك في حال كون الشرط في نفسه واجبا من الواجبات، كما إذا قال المولى: (إذا حججت فطف طواف النساء) وفرض أن الحج واجب، فهنا لا يتصور في عدم الحج لكونه عدم الشرط أن يكون ذا مصلحة ومرادا ومحبوبا، لأن الحج واجب، فإذا كان الشرط واجبا فقد انقلبت إرادة عدمه إلى إرادة وجوده،و محبوبية عدمه إلى مبغوضية عدمه، ومقتضى انقلاب الإرادة في الشرط انقلابها في المشروط، فبعد أن كان الجزاء قضية مشروطة أصبح قضية مطلقة، لأن المفروض أن شرطه مراد على كل حال، فلا معنى لاشتراط الجزاء به، بل يكون الجزاء والشرط مطلوبا، وانقلاب القضية المشروطة إلى قضية مطلقة واضح البطلان .

فهذا برهانٌ كاشف عن خطأ المبنى، وهو تعلق الإرادة بالجامع في التشريعيات.

ولكن يمكن الملاحظة على ما أفيد في كلتا المقدمتين :

أما بالنسبة للمقدمة الأولى فإن هناك فرقا بين الجامع الحقيقي والجامع الانتزاعي، ففي الجامع الانتزاعي - وهو عنوان الأحد في نحو (أكرم أحد الرجلين) - فإن العنوان مجرد مشير إلى الفردين وليس له موضوعية، فإذا تبين أن أحد الفردين مبغوض اتجهت الإرادة للفرد الآخر، وأما إذا كان الجامع حقيقيا كما هو مدعى السيد الصدر قدس سره حيث يدعي أن في التشريعيات إرادة متعلقة بالجامع الحقيقي على نحو القضية الكلية، وهذا يعني أنه حتى لو انحصر الجامع في فردين خارجا وكان أحدهما مبغوضا لا تتحول الإرادة من إرادة الجامع إلى إرادة الفرد الآخر لأن المفروض أن الجامع حقيقي وقد تعلقت الإرادة به على نحو القضية الحقيقية، كما لو قال المولى: (أكرم الفقيه الصيني إذا استبصر) وهذا كاشف عن أن متعلق الإرادة النفسية لدى المولى جامع حقيقي على نحو القضية الحقيقية، فإذا افترض أن عنوان العالم الصيني المستبصر منحصر في فردين أحدهما مبغوض إكرامه، فهذا لا يعني انصباب الإرادة على الفرد الآخر وتحولها من إرادة الجامع إلى إرادة الفرد، وأما بالنسبة للمقدمة الثانية، فلو فرض أن الشرط قد أصبح مرادا، فهل تنقلب الإرادة من كونها قضية مشروطة إلى كونها قضية مطلقة؟

والصحيح عدم الإنقلاب بحسب عالم الإرادة ، والسر في ذلك أن الإرادة - بحسب كلمات السيد الشهيد قدس سره - وإن كانت مرتبة من الشوق الا أن المقصود بها ليس الشوق الطبعي العفوي، بل المقصود بها الشوق العقلاني المبني على التبصر والعقل، أو الإرادة العقلانية أو الشوق المؤكد المحرك للمولى نحو حفظ المقدمات المفوتة حفظا تشريعيا - على اختلاف العبارات الواردة في تقريري بحثه - وبالتالي فتعلقها بالجامع الحقيقي لملاك فيه لا يقتضي تعلقها بالفرد لمجرد مبغوضية الفرد الآخر، كما أن تعلقها بالجزاء في ظرف حصول الشرط لملاك في ذلك لا يقتضي تعلقها بالجزاء على نحو اللابشرط في ظرف تعلقها بالشرط أيضا لملاك يقتضي ذلك، إذ للمولى أن يقول: إن المورد الذي يكون فيه الشرط مرادا أيضا - كالحج - فإنما هو لمصلحة في الشرط نفسه، وفي نفس الوقت ليست إرادته لطواف النساء على نحو اللابشرط، فإنه خلف علمه بالملاك الذي اقتضى تعلق الإرادة به في ظرف الشرط، فإرادة طواف النساء إنما هي في فرض الحج وإن كان الحج مرادا على كل حال، وكون الحج مرادا على كل حال لا يوجب انقلاب إرادة الجزاء إلى إرادة مطلقة باعتبار أن الإرادة تابعة للملاك، وحيث إن الملاك مشروط فلا يعقل حتى في عالم الإرادة - الشوق العقلاني - أن تنقلب الإرادة المتعلقة بالجزاء من كونها قضية مشروطة إلى كونها قضية مطلقة .

فتلخص من جميع ما ذكرناه أن الصحيح: أن هناك إرادة فعلية قبل فعلية الجزاء، ولكنها ليست متعلقة بالجزاء كما ذهب إليه الشيخ الأعظم والمحقق الإيرواني قدس سرهما ومن وافقهما، وليست متعلقة بالجامع كما أفاده السيد الصدر قدس سره لورود بعض الإشكالات السابقة عليه، وإنما الإرادة الفعلية هي الإرادة المتلعقة بالغرض الأصلي الذي انبثقت منه إرادة نحو الغرض الإعدادي الذي يكون الفعل بالنسبة إليه مقتضيا ومعدا لحصوله.

logo