« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

وتقريب المطلب بذكر أمور:

الأمر الأول: أن هناك فرقا بين الإمكان الذاتي وبين الاستعداد، فالإمكان الذاتي عبارةٌ عن أمر انتزاعي عارضٍ على الماهية، فيقال مثلا: إن الإنسان ممكن الوجود، كما يقال : شريك الباري ممتنع، ونحو ذلك، بلحاظ أن الإمكان الذاتي عبارة عن تساوي الماهية من حيث الطرفين طرف الوجود وطرف العدم، وأما الاستعداد كما إذا قيل : إن الشجرة ذات استعداد للإثمار والنمو، فإنه صفةٌ وجودية في المادة قابلة للشدة والضعف والقرب والبعد، مثلا: يقال: إن الشجرة الحضرية أقوى من الشجرة البرية من حيث الاستعداد للإثمار، ويقال: إن النطفة إذا علقت بالرحم فهي أقرب لأن تتحول إنسانا من النطفة التي لم تعلق بالرحم بعد، وهذا يعني أن استعداد الشجرة للإثمار أو استعداد النطفة لأن تتحول إنسانا هو صفة وجودية قائمة بالمادة قابلة للشدة والضعف والقرب والبعد من عالم الفعلية وعالم التحقق.

الأمر الثاني: إن الاستعداد جامع بين الفعل والقوة، فهو بلحاظ المستعد فعلٌ، وبلحاظ المستعد له قوةٌ، مثلا: استعداد النطفة لأن تكون إنسانا، بلحاظ المستعد - وهو مادة النطفة - وجود فعلي، ولكنه بلحاظ المستعد له - وهو وجود الإنسان - وجود بالقوة، ولذلك جاء في كلماتهم الفرق بين الاستعداد والإمكان الاستعدادي، قال صاحب المنظومة:

ويوصف الإمكان باستعدادي ... وهو بعرفهم سوى استعداد

فالاستعداد بلحاظ المستعد أمر موجود بالفعل، والإمكان الاستعدادي ما كان بلحاظ المستعد له، فإذا قيل: إن النطفة يمكن أن تكون إنسانا فهو عبارة عن وجود صفة بالفعل وهي الاستعداد، وأما إذا قيل إن الإنسان يمكن أن يخرج من النطفة فهو عبارة عن وجود بالقوة، وهو المعبر عنه بالإمكان الاستعدادي.

وبناء على ذلك أفيد: أن الشرط قد يكون مؤثرا وقد يكون معدا كما سبق ، والمقصود بالمعد هو الشيء الذي يحقق أثرا استعداديا موجودا بالفعل وإن كان هذا الاستعداد بلحاظ المستعد له وجودا بالقوة، مثلا : إذا أراد شخص الوصول إلى الحرم الشريف فإن الخطوة التي يخطوها وهو ماش معد، ومعنى أنها معد أن هذه الخطوة بلحاظ أثرها - وهي أنها تعطي الجسم استعدادا للوصول إلى الحرم -علة مؤثرة، لأنها تعطي أثرا وجوديا بالفعل وهو الاستعداد في الجسم لأن يصل إلى الحرم، ولكن هذا الاستعداد نفسه الذي حصل عليه الجسم ببركة الخطوة هو وجود بالقوة للوصول إلى الحرم، ولذلك يتحول من صفة الاستعداد الى صيرورة الخطوة وصولا للمقصد، فمعنى أن الشرط معد أنه بلحاظ أثره يعطي وجودا بالفعل وبلحاظ المعد له يكون وجودا بالقوة.

الأمر الثالث: سبق أن المعد مقرب للمعلول أو مقرب للأثر من عالم الفعلية، ومعنى مقربيته ليس عدم مؤثريته، فالمعد مؤثر ومقرب باختلاف اللحاظ والجهة، لا أن المعد مجرد مقرب فقط، بل هو جامع لجهتي التأثير والتقريب، فالخطوة من أجل الوصول إلى الحرم لها أثر وجودي بالفعل وهو الاستعداد الذي تعطيه للجسم، ولكنها بلحاظ الغاية - وهي المعد له والوصول إلى المحرم - مقربة لا مؤثرة، أي أنها مقربة للمعلول إلى عالم التحقق، إذ لولا هذه الخطوات لما كان هذا الأثر قريبا من التحقق وعالم الفعلية.

الأمر الرابع: أن ما ذكرناه من وصف المعد ينطبق على الشرط المتقدم بنحو واضح، فمثلا: إذا قلنا أن شرب الدواء مشروطٌ بسبق الغذاء، فالغذاء بالنسبة إلى شرب الدواء شرطٌ متقدم، إلا أن هذا الشرط المتقدم بلحاظ أثره علة مؤثرة، وهو بلحاظ أثر شرب الدواء يكون مقربا، حيث إن الغذاء يعطي الجسم استعدادا لتلقي شرب الدواء، وهذا الاستعداد أثرٌ بالفعل يبقى إلى حين شرب الدواء، فنسبة الغذاء إلى الاستعداد نسبة المؤثر، ولكن نسبته إلى المعد له - وهو أثر شرب الدواء - نسبة المقرب، لأن الاستعداد إذا بقي في الجسم إلى أن شرب المريض الدواء فببركة الاستعداد وشرب الدواء يترتب على الدواء أثره الفعلي، فهذا الأثر كان موجودا بالقوة حين الغذاء، أي: كان قريبا من الفعلية ببركة الغذاء، وبما أن المعد بلحاظ المعد له مقرب فلا تعتبر مقارنته زمانا مع المعد له، لعدم تأثيره فيه ، وإنما يعتبر مقارنته زمانا مع أثره وهو الاستعداد.

وأما بالنسبة للشرط المتأخر فقد أفاد السيد الصدر قدس سره[1] تطبيق الاستعداد على الشرط المتأخر ولكن بالعكس، بمعنى أن الشرط هو المقتضي والمقتضي هو الشرط، وأن ما هو مشروط هو المعد وما هو شرط هو المشروط، وبيان ذلك: أنه إذا لم يكن شرب الدواء مؤثرا في العلاج إلا إذا تعقبه المشي فالمشي بالنسبة إلى شرب الدواء شرط متأخر بحسب الظاهر ، لكنه في الواقع وبحسب عالم الأثر ليس كذلك ، ففي الواقع أن الشرط هو شرب الدواء والمقتضي المشروط هو المشي، بمعنى أن الإنسان إذا شرب الدواء أعطاه شرب الدواء استعدادا، وهذا الاستعداد يبقى إلى أن يتحقق منه المشي فإذا تحقق منه المشي كان المشي ببركة الاستعداد موجبا لتحقق العلاج والشفاء، فالمقتضي لتحقق الشفاء هو المشي، والشرط في ذلك سبقه بشرب الدواء وشرب الدواء هو المعد والمشي هو المعد له، أي أن شرب الدواء هو الشرط والمشي هو المشروط المقتضي، فما نراه شرطا متأخرا هوشرط متقدم .

والنتيجة من كل ذلك أن الاستعداد إن لوحظ سببه فهو شرط متقدم و إن لوحظ أثره فهو شرط مقارن، مثلا سبق الغذاء شرط متقدم ولكن أثره - وهو الاستعداد - شرط مقارن لأنه يبقى إلى حين شرب الدواء فيكون شرب الدواء مؤثرا ببركة اقترانه بالاستعداد.

وببيان هذه الأمور الأربعة لمعنى الاستعداد والإمكان الاستعدادي والفرق بينهما يتبين وجه المناقشة فيما ذكره السيد الصدر قدس سره في[2] حيث أورد على المحقق الإصفهاني قدس سره بقوله: وهذاالكلام رغم اشتهاره لا يرجع الى معنى محصل عندنا، فإنه بعد بيان هذه الأمور التي اتضح بها معنى الاستعداد ومدى تأثيره يتضح أن المطلب له معنى محصل.

فتلخص من بحث الشرط المتأخر كله أن الشرط المتأخر معقول فقط فيما إذا كان شرطا للحكم أو شرطا للمأمور به، باعتبار أن الحكم أمر اعتباري ومتعلق الحكم الذي هو المأمور به أيضا أمر اعتباري، وبما أن الأمور الاعتبارية ليست خاضعة للتأثير والتأثر فلا إشكال في ربطها بالشرط المتأخر كربطها بالشرط المتقدم إذ لا يلزم من ذلك تأثير المعدوم في الموجود، وأما كون المتأخر شرطا في الملاك فإن كان الملاك أمرا اعتباريا عقلائيا - كحفظ النظام أوالحسن والقبح بناء على أنهما من الإعتبارات العقلائية - فلامانع من ربطه بالشرط المتأخر ، وإن كان من الأمور التكوينية فلا يعقل أن يكون الوجود المتأخر شرطا في الملاك التكويني، وما ظاهره أنه شرط متأخر أو متقدم فمرجعه إلى المعد الذي هو بلحاظ أثره شرط مقارن لا متقدم ولا متأخر.


[1] بحوث في علم الأصول ج2 ص183.
[2] بحوث في علم الأصول ج2 ص185.
logo