46/04/04
مبحث الأوامر
الموضوع: مبحث الأوامر
المقدمة الثالثة: أن الاعتبار في مقام الجعل يفتقر إلى عنصر مقوم وعنصر مصحح، أما العنصر المقوم فهو أصل وجود المعتبَر، إذ لا يعقل اعتبار من دون متعلق له في وعاء الجعل، فكما أن العلم لا يعقل إلا بمعلوم بالذات والشوق لا يعقل إلا بمشتاق إليه بالذات فكذلك لا يعقل وجود اعتبار من دون متعلق في نفس أفق الاعتبار.
وأما العنصر المصحح فهوتعلق الإعتبار بطرفٍ خاص تقتضي المصلحة التعلق به ، وبيان ذلك أن اعتبار الملكية كما يفتقر الى متعلق بأن تعتبر الملكية لشيء ما ، فإنه يفتقر الى متعلق معين ، إذ لو لم يكن محددا لم يكن الاعتبار اعتبارا صحيحا، لأن اعتبار الملكية لكل أحد لغو، واعتبارها لبعض دون بعض من دون مرجح ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص، فالمتعين اعتبارها لطرفٍ معين تقتضي المصلحة النظامية اعتبار الملكية له، إذ المفروض أن الغاية من الاعتبار أن يكون اعتبار الملكية حافظا للنظام، فإذا كانت الغاية من الاعتبار أن يكون اعتبار الملكية حافظا للنظام فلا بد من تحديد ما هو الطرف الذي إذا اعتبرت الملكية له كان الاعتبار حافظا للنظام، وهذا الطرف له موردان:
المورد الأول: اعتبار مالكية المتعاقدين عن تراضٍ، حيث إن اعتبار الملكية لهما محقق للنظام، سواء أكان التعاقد بالمباشرة أو تسبيبا أو إمضاءً، إذ تارةً يتعاقد المالكان على البيع بالمباشرة ، وتارة يتعاقد الوكيلان وهو تعاقد تسبيبي للمالكين، وتارة يتعاقد الفضوليان ويمضي المالكان البيع فهو تعاقد إمضائي، فالمولى يرى المصلحة في اعتبار الملكية للمتعاقدين بهذه الأنحاء الثلاثة.
المورد الثاني: أن المولى يعتبر المالكية لمن عقد له بحيث يمضي العقد في مابعد ، كما لو بيع كتاب الشخص بدون إذنه أو زوجت المرأة دون إذنها، فإن من عقد له صنفان صنف لا يمضي العقد ولا مصلحة في اعتبار الملكية له، وصنف يمضي العقد وهو ذو المصلحة، ومقتضى ذلك صياغة الاعتبار بهذا النحو، وهو اعتبار المالكية لمن عقد له بحيث يمضيه في مابعد ، مما يعني اعتبار الملكية من حين العقد له بشرط متأخر وهو الإمضاء ، فإذا أمضى العقد كشف ذلك عن حصول الملكية من حين العقد، وهذا ما تقتضيه المصلحة النظامية .
المقدمة الرابعة: في انطباق مافي عالم الجعل على ما في الخارج.
وتوضيحه : أن المولى إذا اعتبر المالكية للمتعاقدين عن تراضٍ واعتبر المالكية لمن عقد له إذا كان يمضي العقد فهو لم يأخذ العناوين على نحو الموضوعية وإنما أخذها على نحو الطريقية أي على نحو فناء العنوان في المعنون، إذ لا معنى لاعتبار المالكية للعناوين كعنوان المتعاقدين أو عنوان من عقد له بحيث يمضيه، فكأن المولى اعتبر الملكية لكل متعاقدين خارجا وكل من عقد له بحيث يمضي العقدفي مابعد، فمقتضى اعتبار الملكية للعنوان على نحو الطريقية للمعنون أن يكون المتحقق خارجا على طبق ما اعتبره المولى، وإلا للزم تخلف مرحلة فعلية الموضوع عن مرحلة الجعل ، مثلا بما أن المولى اعتبر الملكية في المورد الثاني بحد معين ، وهو مالكية من عقد له إذا كان يمضي العقد فلا يتوقف حصوله خارجا إلا على فعلية مايطابق هذا الحد سواء كان الإمضاء مقارنا أم متأخرا ، فلو صدر عقد فضولي فهو مورد لاعتبار الملكية لمن عقد له من حين العقد إذا كان بحيث يمضيه ولو متأخرا ، لأن المصلحة النظامية بهذا الحد
فالنتيجة من هذه المقدمات أن المحذور في الشرط المتأخر غير وارد، لأن المحذور في الشرط المتأخر أحد إشكالين إما استلزام تأثير الشرط المتأخر في المشروط تأثير المعدوم في الموجود وهو محال، وقد أجبب عنه بأن الشرط المتأخر ليس دخيلا في الاعتبار ولا في ملاك الاعتبار لاختلاف الأفق بينهما، فالشرط - وهو الإجازة - صادر من المكلف والاعتبار صادر من المولى فكيف يكون الشرط مؤثرا في الاعتبار؟ فإشكال تأثير المعدوم في الموجود ممالا موضوع له في المقام، لأن الإجازة ليست دخيلة في اعتبار المولى ولا في ملاك الاعتبار، بلحاظ أن ملاكه مصلحة مترتبة على نفس اعتبار المولى، من دون حاجة لتحقق إجازة في الخارج.
وإما محذور الخلف، وهو أنه بما أن المشروط تابع لشرطه تبعية المعلول للعلة ففرضه فعليا قبل شرطه خلف التبعية، والجواب عن ذلك أن الخلف في عكس ذلك، فإن المولى حيث يرى أن المصلحة النظامية تقتضي أن يصوغ الاعتبار بهذا النحو، وهو اعتبار المالكية لمن عقد له إذا كان يمضيه، فإذا اقتضت المصلحة النظامية أن يصوغ المولى الاعتبار بهذا الحد وهذه الكيفية فلو لزم كون الشرط - وهو الإجازة - فعليا قبل فعلية المشروط لكان ذلك خلف مقام الاعتبار، مع أن المصلحة النظامية في الاعتبار اقتضت ذلك، فمقتضى محذور الخلف أن لا يكون الشرط فعليا قبل فعلية المشروط ، وظهر بذلك عدم ورود محاذير الشرط المتأخر في الأحكام الوضعية.