« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

والحاصل: أن مرجع كلام المحقق العراقي قده في إثبات إمكان الشرط المتأخر في التكوينيات فضلا عن الإعتباريات إلى أمور:

الأمر الأول: هو العنصر السلبي، وبيانه: أن السر في إمكان الشرط المتأخر - سواء أكان شرطا للحكم أم شرطا للمأمور به - أن الشرط في عالم التكوين لا دخل له في التأثير والتأثر أصلا، فمثلا: إن الشرط في إحراق النار اقتراب الجسم منها، ولكن الاقتراب لا دخل له في التأثير والتأثر، لا في تأثير النار في الإحراق ولا في تأثر الجسم بالنار، وبما أن الشرط لا دخل له في التأثير والتأثر فلا يرد الإشكال المذكور في الشرط المتأخر، وهو تأثير المعدوم في الموجود، فإن هذا الإشكال إنما يتصور إذا كان للشرط دخل في التأثير.

الأمر الثاني: في العنصر الإيجابي وهو حصر المؤثر في المقتضي وهو المشروط دون الشرط، وذلك لأن حقيقة الشرط كونه طرفا للإضافة في المشروط، ومعنى ذلك أن وجود الشرط ملازم لثبوت خصوصية في المشروط، وتلك الخصوصية موجبة لكون المشروط حصةً خاصة، وهذه الحصة هي المؤثر لا غير.

وبيان ذلك بالمثال أن يقال: إن الشرط في تأثير النار في الإحراق هو اقتراب الجسم من النار، فالاقتراب ملازم لثبوت خصوصيةٍ في النار، واتصاف النار بتلك الخصوصية هو المؤثر الفعلي ، فإن ذات النار وإن كان من شأنها الإحراق لكن المؤثر الفعلي حصة من النار وهي ذات الإضافة للشرط وهو اقتراب الجسم .

الأمر الثالث: في العلاقة بين الشرط والخصوصية، وليس بين الشرط والخصوصية علية ومعلولية، بمعنى أن الشرط والخصوصية وإن كان متلازمين في التعقل لكن ليس الشرط موجدا للخصوصية والخصوصية موجدة للحصة والحصة هي المؤثر.

وتقريب ذلك بالمثال - وإن لم يكن مثالا للشرط - أن الذهن متى لاحظ السبت والأحد يرى تلازمهما في الخصوصية، وهي اتصاف السبت بالقبلية والأحد بالبعدية، لا أن وجود الأحد قد أعطى السبت خصوصية وتلك الخصوصية جعلت السبت حصة خاصة وهي السبت السابق ، بل متى أضيف السبت للأحد يرى أن في كليهما خصوصية وهاتان الخصوصيتان متلازمتان في التعقل .

ولذلك لا يرد إشكال تأثير المعدوم في الموجود أي تأثير الشرط المتأخر في وجود الخصوصية قبله، مثلا: إذا أضيفت الصلاة للتعقيب الواقع بعدها كان ذلك منشأ لتعقل الذهن خصوصية في الصلاة ، وهي الصلاة ذات الإضافة للتعقيب، ومن الواضح أن التعقيب وخصوصية الإضافة إليه من المتلازمين تعقلا .

الأمر الرابع: في الفرق بين دور الشرط في تتميم القابلية ودوره في التأثير ، وبيان ذلك: أنه تارة تلاحظ القابلية بالنسبة للأثر وتارة تلاحظ القابلية بالنسبة للمشروط المؤثر، مثلا: إذا وضعت بذرة شجرة التفاح في الأرض فإن وجود السماد والتراب والشمس والماء والهواء عوامل في اتصاف الإثمار بكونه ذا شأنية للتحقق، إلا أن الشأنية المعبر عنها بالقابلية ليست وجودا فعليا كي تكون العوامل السابقة دخيلة في فعلية الإثمار أي التأثير والتأثر، فإن غاية تلك العوامل أن من شأن الإثمار أن يتحقق لو وجد السماد والشمس والهواء والماء، فهي دخيلة في قابلية وجود الأثر لا في فعليته، هذا إذا لوحظت بالنسبة للأثر، وكذلك إذا لوحظت العوامل بالنسبة للمؤثر - وهي نفس البذرة - فإن البذرة في حد ذاتها لها اقتضاء الإثمار، لكن تمامية هذا الاقتضاء بالسمادٍ والشمس والماء، فهذه العوامل ليست دخيلة في إثمار البذرة بالفعل ، وإنما هي دخيلة في التتميم، أي: في اكتمال قابلية البذرة للتأثير.

وهذا النحو من الدخل في القابلية هو عين دخالة الشرط في الأثر أو في المشروط، حيث لادخل له أصلا في فعلية التأثير والتأثر، وإنما له دخل في القابلية سواء نسبنا القابلية للأثر أم نسبناها للمؤثر، ومعنى القابلية أنها وجود شأني لا وجود فعلي كي يكون للشرط نصيب في فعلية الأثر أو نصيب في فعلية التأثير.

الأمر الخامس: في حقيقة دخل الخصوصية في القابلية، وقد تبين مما سبق أن المؤثر الفعلي هو المشروط المتصف بالخصوصية ، لكن ذلك لا يعني استناد التأثير إلى المشروط والخصوصية معا، بل مصدر التأثير الحصة أي: المشروط بما هو ذو الإضافة والخصوصية، وهي خصوصية كون البذرة مثلا في التراب - ودخل الخصوصية في قابلية البذرة للإثمار ليس بجعل جاعل، بل هو من الأمور الذاتية ، أعني ذاتي باب البرهان، أي: ما يثبت للشيء لا بالواسطة بينهما، كثبوت التعجب للإنسان لأنه إنسان لا بجعل جاعل وراء جعل وجود الإنسان، فكذلك دخل الخصوصية في قابلية البذرة للإثمار لا بجعل جاعل وراء جعل وجود البذرة بل هو ذاتي لها .

فظهر بذلك أن الشرط ملازم لوجود خصوصية في المشروط، وإذا اتصف بها المشروط كان له مقام التأثير فلاوجه للإشكال بأن الخصوصية غير صالحة للتأثير فلابد أن يكون المنشأ لها وهو الشرط هو المؤثر ، إذ المؤثر هو المشروط ذو الخصوصية لاغير .

هذا تمام توضيح كلامه زيد في علو مقامه.

وقد وقع البحث في حقيقة نسبة الخصوصية للشرط، فهل الخصوصية من الأمور الاعتبارية؟ أم من الأعراض النسبية؟ أم من الأمور الانتزاعية؟ فهذه محتملات ثلاثة.

المحتمل الأول: أن الخصوصية الملازمة لوجود الشرط في ظرفه من الأمور الاعتبارية، نظير ما ذكره صاحب الكفاية والمحقق الإصفهاني قدس سرهما في عنونة الحكم بالعنوان الحسن، مثلا: عندما يأمر المولى بفعل ذي صلاح كأن يأمر المولى بالصدقة مثلا فإنه يتصف الأمر بخصوصية اعتبارية وهو كونه داعيا للخير، واتصاف الأمر المتعلق بفعل ذي صلاح بهذه الصفة أمرٌ اعتباري وليس أمرا تكوينيا، فإن دعوة الأمر للخير مجرد صفة اعتبارية عقلائية وليست صفة تكوينية، فهل مراد المحقق العراقي قدس سره من كون وجود الشرط ملازما لخصوصية في المشروط أن الخصوصية خصوصية اعتبارية؟

والظاهر أن هذا المحتمل لا ينسجم مع مجموع كلامه، إذ لو كانت خصوصية اعتبارية فكيف يكون لها دخل في اكتمال قابلية المشروط للتأثير؟ فإن اتصاف المشروط بأمر اعتباري لا يحقق التأثير التكويني، وكلامه قدس سره في تحقيق دور الشرط في عالم التكوينيات لا الاعتباريات، وأن الشرط في التكوينيات ملازم لخصوصية في المشروط واتصاف المشروط بتلك الخصوصية مؤثر تكوينا، فلا يعقل أن تكون هذه الخصوصية خصوصية اعتبارية ومع ذلك يكون اتصاف المشروط بها مؤثرا تكوينا.

المحتمل الثاني: أن الخصوصية من الأعراض النسبية، المشار لها في منظومة السبزواري :

هيئة كون الشيء في المكان ... أين متى الهيئة في الزمان

أي: للشيء نسبة لمكانه ونسبته لزمانه، فنسبة الشيء لمكانه محققة لهيئة تسمى بالأين، ونسبة الشيء لزمانه محققة لهيئة تسمى بالمتى، فالأين والمتى من الأعراض النسبية، بمعنى أنهما هيئة تنتزع من نسبة الشيء إلى ما خرج عنه من مكان أو زمان، فهل المدعى أنه إذا نسب المشروط للشرط انتزع من النسبة هيئةٌ، وهذه الهيئة من الأعراض النسبية وهذا العرض النسبي هو الدخيل في تحقيق القابلية ؟

وهذا بعيد عن مقالة المحقق العراقي قدس سره، لأن الأعراض النسبية لا تحقق لها إلا بتحقق طرفيها في آن واحد، كالأين فإنه هيئة لا تتحقق إلا مع وجود طرفين في آن واحد وهما الشيء ومكانه، وكذلك المتى لا يتحقق إلا بوجود طرفين في آن واحد وهما الشيء وزمانه، بينما المحقق العراقي قدس سره يرى تحقق الخصوصية قبل الشرط المتأخر فوجود الخصوصية في المشروط لا يتوقف على وجود الشرط في حال وجود الخصوصية، فهذا يعني أن الخصوصية ليست من الأعراض النسبية كهيئة الأين والمتى.

فالأقرب في كلماته هو المحتمل الثالث، وهو كون الخصوصية أمرا انتزاعيا لا من الأعراض النسبية ولا من الخصوصيات الاعتبارية بل هو أمر انتزاعي، ودخل الشرط في تحقق الخصوصية كدخل منشأ الاعتبار في الأمر الإعتباري .

logo