« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

تقسيم المقدمة إلى متقدمة ومقارنة ومتأخرة

مدخل:

وهو يتضمن ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن مقدمة الصحة أو الشرط الشرعي قد يكون متقدما وقد يكون مقارنا وقد يكون متأخرا، سواء أكان شرطا للوجوب أو للواجب، مثلا: الاستطاعة شرطٌ لوجوب الحج في اليوم التاسع من ذي الحجة، والشرط هو عبارة عن سبق الاستطاعة، أي: متى حصلت الاستطاعة قبل التاسع من ذي الحجة وجب الحج وإن لم تبق الاستطاعة الى اليوم التاسع، فهي شرط متقدم للوجوب، وكذلك سبق الظهر شرطٌ في صحة صلاة العصر، حيث لا تصح العصر إلا بسبق الظهر فهي شرط متقدم للواجب .

وأما الشرط المقارن فمثاله في الوجوب البلوغ والعقل، حيث يشترط في الوجوب البلوغ والعقل بنحو الشرط المقارن، ومثاله في الواجب اشتراط الصلاة بالوقت والطهارة، فإنه شرط مقارن للواجب أي: لصحة الواجب.

وأما الشرط المتأخر فمثاله في الوجوب ما بنى عليه سيدنا الخوئي قدس سره من أن وجوب الصوم حين رؤية الهلال مشروطٌ ببقاء الإنسان حيا حاضرا غير مسافر سليما غير مريض إلى طلوع الفجر، فإذا حصل ذلك تبين أن وجوب الصوم ثابت من حين رؤية الهلال، ومثاله في الواجب ما ذكره الأعلام من غسل المستحاضة، فإن صحة الصوم من المستحاضة مشروط بإيقاع الغسل للعشاءين في الليل التالي لنهار الصوم.

الأمر الثاني: ما هي ثمرة البحث في الشرط المتأخر؟

إن للشرط المتأخر عدة ثمرات في الفقه، ولكن ركز الأعلام في ثمرة البحث على تأثير الشرط المتأخر في الحكم الوضعي وذلك من خلال البحث حول إجازة عقد الفضولي، وهو أنه لو باع الفضولي دار زيد عن زيد ثم التفت زيد إلى البيع فأجازه ولو بعد سنة صح البيع، وهنا مطلبان

الأول: أن الصحة منوطة بالإجازة

الثاني: أن الإجازة المتأخرة هل هي ناقلة أم كاشفة؟

أما المطلب الأول - وهو إناطة صحة البيع بالإجازة - فلأن ظاهر قوله تعالى (أوفوا بالعقود) أن موضوع الأمر بالوفاء العقد المنتسب لمالك التصرف في العين ، فمرجع (أوفوا بالعقود) الى : أوفوا بعقودكم، لا بأي عقد، إذ لا معنى عرفا لمخاطبة الإنسان بالوفاء بعقد غيره، وبما أن موضوع الأمر بالوفاء العقد المنتسب إلى المالك فلا يتحقق الانتساب إلا بالإجازة، فإن المالك إذا أجاز البيع السابق انتسب البيع إليه فقيل: هذا عقده، فيشمله (أوفوا بالعقود)، فلذلك لا يمكن تصحيح العقد الفضولي إلا بانتسابه إلى المالك، وانتسابه للمالك فرع الإجازة، فلا بد من الإجازة.

وأما المطلب الثاني فهو البحث في أن الإجازة ناقلة أم كاشفة؟ وعلى فرض الكشف فهل هو كشف حقيقي أم كشف انقلابي أم كشف حكمي؟

وبيان ذلك: أنه إذا أجاز المالك بيع الفضولي فتارة نقول: لا ملك ولا أثر للملك إلا حين الإجازة، وهذا هو القول بأن الإجازة ناقلة، وتارة نقول: إن جعل الملك من حين العقد وليس من حين الإجازة، أي: أن حكم المشرع بأن البيع نافذ وتترتب عليه آثار الملك من حين البيع، ولكن مشروطا بتحقق الإجازة في ظرفها ، فالإجازة متى حصلت كانت كاشفة عن ترتب الملك وآثاره على البيع من حين وقوعه، وهنا تظهر ثمرة القول بإمكان الشرط المتأخر وعدمه، وثالثةً نقول: إنه قبل الإجازة لاجعل للملك، ولكن حينما حصلت الإجازة حكم الشارع بالملك من حين العقد، أي أن الحكم متأخر، ولكن المحكوم به متقدم، وهو عبارة عن أوسعية المجعول من الجعل ، حيث إن الجعل صار فعليا بالإجازة الا أن المجعول به هو الملك الممتد زمنا من يوم الإجازة إلى حين العقد وهذا ما يعبر عنه بالكشف الانقلابي بلحاظ أن الملكية للعين في الزمن المتخلل بين البيع والإجازة كانت للبائع وبالإجازة حدث انقلاب في وعاء الاعتبار بحيث صارت العين ملكا للمشتري في نفس الفترة ، وقد اختاره سيدنا الخوئي قدس سره والسيد السيستاني مد ظله وغيرهما من الفقهاء جمعا بين الأدلة.

والمصير الى القول بالكشف الانقلابي ليس ثمرة البحث في إمكان الشرط المتأخر، فإنه على هذا القول لا تكون الإجازة شرطا متأخرا لا للجعل ولا للمجعول فكلاهما قد حصل حين الإجازة، إلا أن المجعول - وهو الملك - فرض منبسطا على الزمان المتقدم أيضا، خلافا للمحقق العراقي في نهاية الأفكار[1] حيث ادعى أن ثمرة البحث في إمكان الشرط المتأخر في الأحكام الوضعية تظهر في القول بالكشف الانقلابي، فإن الصحيح ظهور الثمرة في القول بالكشف الحقيقي لا الانقلابي، أي بناء على الجعل والمجعول - أي الملك - من حين العقد.

ورابعة نقول: إن الإجازة غير كاشفة عن الملك من حين العقد وإنما رتب الشارع آثار الملك من حين العقد كملكية المشتري للنماء، وهذا ما يسمى بالكشف الحكمي، بمعنى أنه لا ملك من حين العقد، ولكن لما حصلت الإجازة حكم الشارع تعبدا بترتب آثار الملك من حين العقد ، فهو في حكم الكشف وليس كشفا حقيقيا .

فالنتيجة أن ثمرة البحث في إمكان الشرط المتأخر في الحكم الوضعي تظهر بالقول بالكشف الحقيقي لا القول بالنقل أو الكشف الانقلابي أو الكشف الحكمي.

الأمر الثالث: ما هو وجه الإشكال في الشرط المتأخر؟

إن الإشكال في الشرط المتأخر هو عبارة عن تأثير المعدوم في الموجود، أو محذور الخلف، مثلا: إذا قلنا بأن الملك قد حصل من حين العقد ولكن المؤثر في حصول الملك من حين العقد هو الإجازة المتأخرة، مع أن الإجازة حين العقد معدومة، فلازم تأثير الإجازة في حصول الملك من حين العقد تأثير المعدوم في الموجود، فإن الملك وجود حين العقد، والمؤثر فيه – وهو الإجازة – مما لا يوجد إلا بعد سنة مثلا، وتأثير المعدوم في الموجود غير معقول.

أو يقال بأن المحذور هو الخلف، لأن الملك متقدم والإجازة متأخرة، وتأثير المتأخر – بما هو متأخر – في المتقدم بما هو متقدم خلف، فإنه إذا فرض متقدما فكيف يجتمع ذلك مع فرض أن وجوده منوط بوجود المتأخر؟! فهذا هو الخلف.

إذا اتضح ذلك فإن البحث في الشرط المتأخر تارة في شرط الحكم وأخرى في شرط الواجب، والبحث في شرط الحكم تارة من جهة تأثير الشرط المتأخر في الحكم وأخرى من جهة تأثير الشرط المتأخر في الملاك.


[1] ج1ص286.
logo