« قائمة الدروس
الأستاذ السید منیر الخباز
بحث الأصول

46/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 مبحث الأوامر

الموضوع: مبحث الأوامر

 

انقسام المقدمة إلى مقدمة خارجية ومقدمة داخلية

إن مقدمة الواجب تنقسم الى مقدمة خارجية وداخلية، فالمقدمة الخارجية متقومة بتعدد الوجود وتوقف إحدهما على الآخر، نظير العلاقة بين الحج والسفر إليه حيث إن وجود الحج متوقف على وجود الاستطاعة، والمقدمة الداخلية عبارة عن كون المقدمة بعضا من وجود ذي المقدمة.

وقد وقع البحث حول المقدمة الداخلية في جهتين:

الأولى: في انطباق مناط المقدمية عليها.

الثانية: في تعلق الوجوب الغيري بها.

الجهة الأولى: في صدق الموضو

قد يقال - كما في الكفاية - أن الأجزاء لها جهتان واقعيتان وإحداهما مترتبة على الأخرى، فإن في كل جزء جهة ذاته وجهة اجتماعه مع غيره من الأجزاء، وجهة الذات متقدمة على جهة اجتماعه مع غيره تقدم المعروض على العارض، ويمكن التعبير عن الفرق بين الأجزاء والكل بأن الجزء ما لوحظ لا بشرط والكل ما لوحظ بشرط شيء.

ولكن قد يلاحظ على ذلك بأن المتصف بالمقدمية هل هو ذات الجزء في رتبة سابقة على اجتماعه بغيره أم الجزء بما هو جزء؟ فإن كان المتصف بالمقدمية هو ذات الجزء فهو مقدمة خارجية لا داخلية لتعدد الوجود وإن لم يمكن التمييز بينهما بالإشارة الحسية، فمثلا: الجسم حال المشي قائما وإن كان بالنظر العرفي ذا وجود واحد لكنه بالنظر العقلي الدقي وجودات، فهناك وجود الجوهر وهو الوجود بإزاء الجسم، ووجود العرض من مقولة الكيف وهو القيام، ووجود العرض من مقولة الفعل وهو المشي، ونظير المقام أيضا الفرق بين المقدمة الموصلة وذي المقدمة كمقدمية آخر خطوة من السلم لأول خطوة من الصعود على السطح، فإنهما وجودان مع عدم التمايز بينهما حسا، وكذلك الحال في المقام فإن للركوع مثلا وجودا بإزاءه وكون الركوع عن قيام وجود عارض عليه، فإن للاتصال بالسبق واللحوق في الأجزاء التدريجية وجودا مقوليا غير وجود ذات الأجزاء وإن توقف عليها، وإن كان المتصف بالمقدمية الجزء بما هو جزء - وهو المناسب لعبارة الكفاية في إنكار الوجوب الغيري للجزء بدعوى وحدة الوجود - فمن الواضح أن الكلية والجزئية وصفان انتزاعيان متضايفان والمتضايفان متكافئان قوة وفعلا، وبالتالي فهذا الوجود الواحد الاتصالي له لحاظان: لحاظ الكثرات وهي الأجزاء حال الاتصال وينتزع بهذا اللحاظ عنوان الجزئية، ولحاظ الوحدة وهي اندراج الأجزاء تحت المسمى الواحد لاشتراكها في غرض واحد وبه ينتزع عنوان الكلية، فهنا عنوانان انتزاعيان من وجود واحد، وليس أحدهما متقدما على الآخر لا زمانا ولارتبة، بل هو وجود واحد ينتزع منه الوصفان في عرض واحد، فالصحيح عدم اتصاف الأجزاء بالمقدمية حقيقة وان اتصفت بها اعتبارا، لكن موضوع البحث في الوجوب الغيري المقدمية الواقعية .

الجهة الثانية: على فرض صدق المقدمية الحقيقية على الأجزاء فالظاهر عدم تعلق الوجوب الغيري بها لأحد وجهين:

الأول: فقد المقتضي.

وبيانه أن الوجوب الغيري المبحوث عنه ليس هو مدرك العقل النظري - وهو إدراك العقل اللابدية بمعنى توقف وجود ذي المقدمة على وجود المقدمة - ولا حكم العقل العملي - وهو حكم العقل بعد إدراكه المقدمية بلزوم الإتيان بالمقدمة من أجل تحقيق الامتثال للأمر بذي المقدمة - ولا الوجوب المولوي الغيري القهري المعبر عنه بالترشح والتولد، فإن الوجوب الغيري سواء كان من مقولة الإعتبار أو من مقولة الإرادة الآمرية فعل اختياري، فلا يعقل ترشحه قهرا من فعل اختياري آخر وهو جعل وجوب ذي المقدمة، وإنما هو أحد نحوين: الأول: الوجوب الارتكازي أي: الوجوب المولوي المجعول على المقدمة ارتكازا وشأنا بحيث لو التفت اليها لطلبها. الثاني: الوجوب الناشئ عن الملازمة بين الوجوبين، ومدرك الملازمة إما حكم العقل بمناط الحكمة وحاصله: أن مقتضى الحكمة في المولى المقنن أنه اذا أوجب ذا المقدمة أن يوجب المقدمة من باب حفظ الغرض ، أو أن المرتكز العقلائي قائم على جعل وجوب للمقدمة عند جعل وجوب لذيها، ومن الواضح أن موضوع الوجوب الإرتكازي أو الملازمة فرض تعدد الوجود لا مطلقا، إذ لا مقتضي لإيجاب ارتكازي أو فعلي لنفس ما جعل له الوجوب النفسي.

الثاني: وجود المانع.

وبيانه بحسب ما في منتقى الأصول[1] أنه إذا فرض ترشح الوجوب الغيري عن الوجوب النفسي مقارنا لوجوده فإما أن يكون لكل من الوجوبين وجود مستقل ولازمه اجتماع المثلين وهو محال، وإما أن يندك كل منهما في الآخر فينعدم الوجوب المؤكد، لأن نسبة الوجوب النفسي للغيري كنسبة العلة للمعلول ووجود المعلول ببقاء علته ، فلو اتحد الوجودان انعدم وجود العلة بحده ولازمه انعدام وجود المعلول فلزم من تأكد الوجوبين عدمهما .

وأجيب عن ذلك:

أولا: لا تضاد ولا تماثل في الاعتباريات لأن الإعتبار سهل المؤنة.

وثانيا: أن امتناع اجتماع المثلين كامتناع اجتماع الضدين عبارة عن قصور الوجود الواحد عن الاتصاف بهما معا، نحو اتصاف وجود الجسم بالقيام والقعود في آن واحد وهو المعبر عنه باجتماع الضدين، أو اتصاف الوجود الواحد للجسم بالقيامين في آن واحد وهو المعبر عنه باجتماع المثلين، وأما اجتماع الوجودين في موضوع واحد نظير كون الجسم في آن واحد موضوعا لعدة مقولات غير متضادة فلا مانع منه، وكذلك الأمر في المقام فإن اجتماع الوجوبين النفسي والغيري في موضوع واحد وهو الأجزاء مما لا مانع منه.

وثالثا: أن المحذور إنما يرد لو كانت المقدمية حيثية تعليلية، والمعروض للوجوبين واحد، وأما لو كانت المقدمية حيثية تقييدية فموضوع الوجوب الغيري مختلف عن موضوع الوجوب النفسي فلا اجتماع لهما أصلا.

و مما يهون الخطب أن لا ثمرة عملية لهذا البحث .


[1] ج٢ ص105.
logo