« قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

/شروط صحة العقد /

 

الموضوع: /شروط صحة العقد /

 

الإيراد الثالث - على مبنى سيدنا الخوئي (قدس سره ) –: ومحصله: أنّ الخيار بحسب المرتكز العقلائي هو صلاحية فسخ العقد القابل في نفسه للبقاء والاستدامة لولا الفسخ، ولذلك أفيد في كلماته (قدس سره) أن مرجع الاشتراط في قوله: (بعتُكَ الكتاب بكذا بشرط أن تخيط لي ثوباً) إلى جعل الخيار، أي جعل الجواز الحقي كما عُبر عنه في كلمات المحقق النائيني (قدس سره ) مقابل الجواز الحكمي، حيث إنّ جواز العقد - أي تزلزل المِلكية- تارةً يكون بحكم الشارع كما في الهبة والبيع حال خيار المجلس وهو المعبر عنه بالجواز الحكمي، وتارةً يكون بجعلٍ مِن قِبل المتعاملين أو أحدهما وهو العقد المشتمل على جعل الخيار وهو المعبر عنه بالجواز الحقي.

فرجوع اشتراط شيء إلى جعل الخيار هو بنفسه مُنبه على كون الخيار حق فسخ العقد، مما يعني أنه في رتبة متأخرة عن تحقق المُنشأ العقدي فكيف يكون الخيار مع ذلك حداً للمُنشأ العقدي بحيث يكون مرجع قوله: (بعتُكَ الكتاب بكذا وجعلت لنفسي الخيار) إلى تحديد المِلكية المُنشأة بما قبل الفسخ، وهل ذلك إلا نوع تهافت بأخذ المتأخر رتبة حداً للمتقدم، بل ما أبرمه البائع هو المُنشأ العقدي لا بشرط، غاية ما في الباب أنّه جعل لنفسه الخيار إما بالمباشرة أو بواسطة شرط شيء.

ومما يؤكد ذلك: أنّه لو كان الخيار حداً للمُنشأ العقدي - سواء كان المُنشأ العقدي مِلكيةً أو حقيةً - لكان عندنا أقسام ثلاثة:

القسم الأول: مِلكية لازمة دائمة.

القسم الثاني: مِلكية متزلزلة.

القسم الثالث: مِلكية مؤقتة.

مع أنّه بحسب المرتكزات العقلائية لا توجد مِلكية مؤقتة، لا في الأعيان ولا في المنافع ولا في الحقوق، بل الِملكية في تمام مواردها لا بشرط من حيث الزمن.

كما أنّ لازم المسلك المذكور: أنّه لو فُرض أنّ أحد طرفيّ النكاح كالزوجة قد جعل لنفسه الخيار في عقد النكاح - بناءً على كون عقد النكاح مما يقبل الخيار - أنْ تكون هناك زوجية لا هي دائمة ولا هي مؤقتة بوقت معين - كالزواج المنقطع -، بل زوجية مؤقتة بما قبل الفسخ، وهو مستهجن لدى العقلاء والمتشرعة، وكل ذلك مُنبهٌ على أنّ كون الخيار حداً للمُنشأ بحيث يكون المُنشأ مِلكيةً أو زوجيةً أو حقيةً مؤقتة بما قبل الفسخ مصادمٌ للمرتكزات العقلائية.

هذا تمام الكلام في المسلك الرابع، وهو ما ذكره سيدنا الخوئي (قدس سره) في بحوثه، وتبين بما مضى أنّ الإيراد الوارد عليه هو الإيراد الثالث، وهو منع كون الخيار حدا للمِلكية.

المسلك الخامس: وهو ظاهر كلام المحقق الأصفهاني (قدس سره) [1] [حاشيته على المكاسب، ج1، ص72 – 73]، وتقريب مطلبه في حقيقة عُلقة العقد بالشرط: أنّ العقد المتضمن للشرط هو عقدٌ متضمنٌ للتعليق، ولكن في التعليق محتملات:

المحتمل الأول: أنْ يكون المُعلق إنشاء المُبادلة بين المثمن والثمن، أو بين المنفعة والأُجرة.

وهذا غير معقول؛ لأنّ الإنشاء من سنخ الوجود، والوجود لا يعقل أنْ يكون أمراً معلقاً؛ بل هو مساوقٌ للتنجز والتعين، فلا يعقل أنْ يكون معلقاً على الشرط، بل يدور أمره بين الوجود والعدم.

المحتمل الثاني: أنّ الُمعلق على الوجود الخارجي للشرط، كالوجود الخارجي للخياطة - مثلاً - هو المُنشأ لا الإنشاء، بلحاظ ما سبق بيانه مِن أنَّ العقد هو عبارة عن ارتباطٍ بين الإيجاب والقبول بنحوٍ يُوجد عُلقةً وضعيةً، سواء كانت تلك العُلقة الوضعية مِلكية أو زوجية أو حقية، فالمُعلق هو تلك العُلقة الوضعية بوجودها الاعتباري- أي عالم ترتيب الآثار العقلائية -، لا بوجودها الإنشائي؛ حيث إنّ وجودها الإنشائي يتحقق بنفس الإنشاء.

وهذا المحتمل باطلٌ؛ باعتبار أنّ لازمه التعليق في العقود المشتملة على الشروط، فإنّ من أوضح مصاديق التعليق في العقود تعليق المُنشأ على أمر خارجي محتمل الحصول وعدمه.

المحتمل الثالث: أنّ المُعلق هو المُنشأ بوجوده الاعتباري العقلائي، لكن المُعلق عليه ليس الوجود الخارجي للشرط - وهو الخياطة -؛ بل المُعلق عليه هو الالتزام بالشرط.

وهذا ما ذهب إليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره)، فكأنّ قول البائع: (بعتُكَ الكتاب بشرط الخياطة) هو أنْ لا مِلكية إلا في فرض التزامك بالخياطة.

فإنْ كان الالتزام الفعلي موجوداً تحققت المِلكية في وعاء الاعتبار، وإنْ لم يكن موجوداً فلا مِلكية في وعاء الاعتبار، فالمُعلق عليه هو الالتزام النفسي بالشرط لا نفس الوجود الخارجي للشرط، كي يكون من التعليق المبطل.

ولكن هذا المحتمل منافٍ للمرتكزات العقلائية؛ فإنّ ظاهرها أنّ القابل لو لم يقبل الاشتراط فإنّ العقد قد تحقق، غاية ما في الأمر أنّه ليس بنافذٍ بالفعل.

المحتمل الرابع: أنّ المعلق على الوجود الخارجي للشرط هو الالتزام بالعقد، وهذا أحد مسلكي السيد الخوئي (قدس سره الشريف) الذي ذكره[2] وحاصله: أنّ المُعلق على الوجود الخارجي للشرط ليس هو المُنشأ كي يلزم من ذلك التعليق المبطل للعقد؛ وإنما المُعلق هو الالتزام بالعقد، فكأنّ مضمون قول البائع: (بعتُكَ الكتاب بشرط الخياطة) أنْ لا التزام لي ولا ثبات لي على العقد إلا في فرض وجود الخياطة.

إلا أنّ السيد الخوئي (قدس سره) قد تراجع عن ذلك في بحوثه الأُخرى، وبنى على أنّ تعليق الالتزام على الوجود الخارجي للشرط ليس مطرداً في جميع الشروط، فإنّ للشروط أنحاء تختلف باختلاف الموارد لاختلاف الأغراض العقلائية المقتضية له، وهو الصحيح.

المحتمل الخامس: وهو ما بنى عليه المحقق الأصفهاني (قدس سره) أنّ المُعلق هو الرضا، والمُعلق عليه هو قبول الشرط، بحيث تكون نسبة الرضا للعقد نسبة الإجازة للعقد الفضولي.

فكما أنّ نسبة الإجازة للعقد الفضولي نسبة المصحح، لا المقوم، أي أنّ العقد الصادر من الفضولي عقدٌ تامٌ وقابلٌ في نفسه للتأثير والنفوذ، غاية ما في الباب أنّ الإجازة شرطٌ في النفوذ، لا مقومٌ للعقد.

فكذا نسبة الرضا للعقد المشروط نسبة المصحح، لا الركن المقوم، والمُعلق عليه الرضا هو الالتزام بالشرط، فإذا قال البائع: (بعتُكَ الكتاب بكذا بشرط الخياطة) فقال القابل: (قبلتُ بلا شرط) فالعقد قد تحقق معلقاً ينتظر الرضا، لا أنّه باطلٌ، فإنْ لحقه الرضا بعد ذلك إما لتنازل المشترط عن شرطه، أو لسبب آخر صار نافذاً.

وهذه حالةٌ وسطى بين المحتمل الثالث والمحتمل الرابع.

إذ على ضوء المحتمل الثالث إنْ لم يقبل المشتري بالشرط فلا عقد، فلو تنازل المشترط عن شرطه فلا بُدَّ أن يستأنف العقد.

وعلى ضوء المحتمل الرابع فالعقد صحيح مؤثر، لكن المِلكية الحاصلة به مِلكية متزلزلة؛ لأن مرجع الاشتراط إلى جعل الخيار.

بينما مسلك المحقق الأصفهاني (قدس سره الشريف) حالة وسطى في فرض عدم قبول الشرط، لا أنّ العقد لم يتحقق، ولا أنّه عقد صحيح ذو ملكية متزلزلة؛ بل العقد قد تحقق لكن تأثيره ونفوذه منوطٌ بقبول المشتري أو المُستأجِر للشرط أو تنازل المشترط.

ويستثنى من ذلك موردان:

المورد الأول: ما يظهر من عبارة السيد الصدر (قدس سره) [3] ، قال في الهامش: (إلا إذا كان مرجع عدم التطابق إلى التنازل) ممن له الشرط (عن الشرط كما إذا قال: (بعتُكَ هذا الفرس بدرهمٍ بشرطٍ لك عليَّ وهو أن أخيطَ لك ثوبك) وليس على أن تخيط لي ثوباً (فقال المشتري: (اشتريت الفرس بدِرهمٍ بلا شرط) فيصحّ في مثل ذلك).

ففي هذا المورد قد حصل التطابق بين الإيجاب والقبول؛ باعتبار أنّ تنازل المشروط له - لا المشروط عليه - عن شرطه محقق للتطابق بين الإيجاب والقبول، لأنّ القبول بدون الشرط مِن قِبل مَن له الشرط يتضمن القبول بلا شرط، كما هو واضح.

إلا أنّ هذا الاستثناء من قبيل التخصص لا التخصيص، فإنّ محل الكلام في حكم العقد في فرض استلزام عدم قبول الشرط لعدم التطابق، وأما لو ترتب على عدم قبول الشرط تمامية التطابق بين الإيجاب والقبول لكون عدم القبول تنازلاً من المشروط له فلا محذور، إذ المحذور الذي يحتاج للعلاج هو المحذور الموجب لخللٍ في الرضا وما لا يوجب خللاً فيه فصحة العقد في ظرفه على طبق القاعدة.

 


[1] حاشیة کتاب المکاسب، الغروي الإصفهاني، الشیخ محمد حسین، ج1، ص72-73.
[3] كتاب منهاج الصالحين، قسم المعاملات، للمرحوم السيد محسن الحكيم (قدس سره)، وبهامشه التعليق عليه للسيد الصدر (قدس سره)، الفصل الأول، في شروط العقد، ص30، مسألة4، طبعة مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهد الصدر.
logo