« قائمة الدروس

الأستاذ السید منیر الخباز

بحث الفقه

45/10/07

بسم الله الرحمن الرحيم

/شروط صحة العقد /

 

الموضوع: /شروط صحة العقد /

 

من شروط صحة العقد: التطابق بين الإيجاب والقبول.

قد ذكر الشيخ الأعظم قدس سره[1] اشتراط صحة العقد بالتطابق بين الإيجاب والقبول، وأفاد المحقق النائيني قدس سره[2] أن اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول من القضايا التي قياساتها معها، ولكن هل التطابق معتبر مطلقاً في أركان العقد وتوابعه - من الشروط والأوصاف - أم هو خاص بأركان العقد؟ وهل التطابق في العقود المعاوضية كالبيع والإجارة في طرفي المعاملة - المالكين - من أركان العقد أم عدمه؟ وقد بنى جمع - منهم سيدنا الخوئي قدس سره - على عدم اعتبار التطابق في بعض تفاصيل العقد، لذلك اقتضى تحقيق المسألة عرض أنحاء الاختلاف بين الموجب والقابل ليعرف سعة اعتبار التطابق وضيقه.

وهنا عدة انحاء للاختلاف بين الإيجاب والقبول:

النحو الأول: الاختلاف في عنوان المعاملة، كما إذا قال الموجب: (بعتك الكتاب) وقال القابل: (قبلت الهبة، أو قبلت المضاربة أو الإجارة)، فإنه لا ريب حينئذ في أن هذا الاختلاف مانعٌ من نفوذ العقد.

وقد يستدل على ذلك بأحد وجوه:

1- قصور دليل ﴿أحل الله البيع﴾[3] أو دليل ﴿أوفوا بالعقود﴾[4] عن الشمول لمورد الاختلاف.

وفيه أن المانع أسبق رتبة من دعوى القصور أو الانصراف.

2- أن القبول هو عبارة عن المطاوعة والرضا والإمضاء للإيجاب، فلا يتصور له معنى ما لم يكن مطابقاً للإيجاب.

وهذا الوجه أيضاً قاصر عن إفادة اعتبار التطابق، حيث لم يقم دليل على اعتبار القبول بما يتضمنه من الإمضاء والمطاوعة في تحقق المعاوضة، فإنها قد تحصل بالاتفاق على المبادلة بين المالين في جهة الملكية أو الحقية وإن لم تكن مشتملة على إيجاب وقبول - بمعنى المطاوعة والإمضاء -، بينما اعتبار التطابق بين قراري طرفي العقد مطرد حتى لفرض كون القرارين في عرض واحد، مما يعني عدم بناء نتيجة المسألة على معنى القبول ولا على كونه في طول الإيجاب.

3- أن ماهية العقد متقومة بذلك، حيث إن العقد والمعاهدة بين طرفين هو عبارة عن الترابط بين قرارين، ولا يصدق الترابط بين القرارين إلا مع تطابق القبول والإيجاب، فعدم التطابق مانع من صدق عنوان العقد في نفسه بحيث ينتفي دليل النفوذ بانتفاء موضوعه.

النحو الثاني: الاختلاف في متعلق المعاملة كما إذا قال: (بعت الكتاب) فقال المشتري: (قبلت بيع السيارة) مثلاً، فإن المعاملة وإن كانت بيعاً إلا أن متعلق المعاملة مختلف.

والوجه في عدم النفوذ في هذا النحو هنا هو الوجه في النحو الأول، حيث لا يصدق العقد مع اختلاف متعلق المعاملة، وهذا من القضايا التي قياسها معها كما ذكر المحقق النائيني قدس سره.

وقد تبين بذلك أمور:

الأمر الأول: إن هناك فرقاً بين باب الخطأ في التطبيق وعدم التطابق بين القرارين، فمثلاً لو قال البائع: (بعتك الكتاب بكذا) وهو يقصد بيع السيارة، أو أشار في مقام التعاطي بينهما للكتاب، ولكن من باب الخطأ في التطبيق قال: (بعتك الكتاب) أو أشار إليه، فقال المشتري: (قبلت بيع السيارة) لوجود قرينة عهدية بينهما على بيع السيارة لم يكن ذلك ضائراً، وليس هذا من باب عدم التطابق بين الإيجاب والقبول، لأن المنظور في التطابق واقع القرارين لا المبرز لهما، والمفروض أن ما قصده البائع هو بيع السيارة وإن أخطأ في التطبيق، واعتبار التطابق بين المبرز والمقصود غاية ما يقتضي وضوح المقصود منه لدى طرف المعاملة ولو كان ذلك بواسطة القرينة العرفية على المراد منه.

الأمر الثاني: أن هناك فرقاً بين تعذر المتعلق وعدم التطابق بين الإيجاب والقبول، فلو فرض أن البائع قال: (أبيعك السيارة ذات المواصفات الكذائية) وقال المشتري: (قبلت ذلك) ولكن تعذر استلام المبيع، إما لأنه لا مصداق له أو لعدم القدرة على تسلم المشتري له، فالبيع هنا وإن كان باطلاً لكن لا من باب عدم التطابق بين الإيجاب والقبول المفضي لعدم صدق عنوان البيع والعقد، لحصول التطابق العقدي بينهما حين إبرام المعاملة، وإنما البطلان مستند لكون المبيع مما لا وجود له أو لعدم القدرة على تسلمه - بناءً على شرطية القدرة على التسلم في صحة البيع - لا من باب عدم التطابق بين الإيجاب والقبول.

الأمر الثالث: إنه لا فرق فيما ذكرنا بين الكلي والجزئي، أي سواءً اختلف الطرفان في الكلي كما إذا قال: (بعتك السيارة ذات المواصفات الكذائية) فقال: (قبلت بيع السيارة لا بالمواصفات) أو قال: (قبلت بيع السيارة بمواصفات أخرى)، أو اختلفا في الجزئي كما لو قال: (بعتك هذه السيارة المشار إليها) فقال: (قبلت بيع السيارة الأخرى )، فإن النكتة هي النكتة في عدم صدق عنوان العقد.

الأمر الرابع: اذا اختلف الطرفان في قيد المبيع الجزئي فقال البائع: (بعت هذه السيارة) وقال المشتري: (قبلت شراء هذه السيارة ذات الماركة الفلانية) ولم تكن السيارة كذلك، فإن كان مرجع الوصف للقيد المحصص فهو من الاختلاف في المبيع، وإن كان من الاختلاف في الشرط فهو من الاختلاف في توابع العقد الذي يأتي بحثه في النحو الثالث.


logo