« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

47/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

فصل في المواقيت وهي المواضع المعيّنة للإحرام.../فصل في المواقيت /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في المواقيت /فصل في المواقيت وهي المواضع المعيّنة للإحرام...

 

وتدلّ على ذلك أيضاً جملة من الروايات، فمنها: صحيحة زرارة قال: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين، فقال: ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتين وقد قضت الطواف»[1] .

ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت ثمّ حاضت قبل أن تسعى؟ قال: تسعى. قال: وسألته عن امرأة سعت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما؟ قال: تتمّ سعيها»[2] ، فإنّ موردها وإن كان حدوث الحيض قبل السعي، إلّا أنّ إطلاقها يشمل ما لو حدث الحيض بعد إتمام الطواف وقبل الإتيان بصلاته.

ملحوظة: أقول هذه الصورة هي في حالة ما إذا بقت إلى أن تطهر فتفوتها عرفات، أمّا في سعة الوقت بحيث لو بقيت على إحرامها إلى أن تطهر ثمّ تأتي بركعتي الطواف ثمّ السعي ثمّ التقصير، فلا يجوز لها أن تسعى وتقصّر ثمّ تأتي بركعتي الطواف بعد الطهر، وهذا هو مقتضى القاعدة؛ لأنّه مع سعة الوقت وإمكان رعاية الترتيب بعد الطهر والاغتسال لا وجه لرفع اليد عن مقتضى دليل الترتيب. نعم، مع ضيق الوقت دلّ الدليل على عدم لزوم رعاية الترتيب، فنقتصر علىه، فلاحظ.

ثمّ، إنّنا نقول: إنّ هذه التفصيلات كلّها تعدّ من خصائص المدرسة الإماميّة؛ وذلك لأنّهم يرجعون في مثل هذه المسألة إلى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، ويعتقدون أنّهم حفظة السنّة ومبلّغوها، فما يصدر عنهم يعدّ سنّة لا اجتهاداً، أمّا عند أهل السنّة، فإنّ الأئمّة (عليهم السلام) فقهاء مجتهدون، ولذلك يعتقدون أنّ أقوالهم آراء فقهيّة لا نصوص تشريعيّة.

ومن ثمّ، ذهب مشهور أهل السنّة إلى أنّ المرأة الحائض إذا دخلت في عمرة التمتّع ثمّ حاضت بحيث لو انتظرت الطهر خشيت فوات الحجّ، فإنّ حجّها ينقلب إلى حجّ القران، فتقرن نيّة الحجّ إلى نيّة عمرة التمتّع، فإنّ القران عندهم أن يجمع المكلّف بين نيّة العمرة ونيّة الحجّ بإحرام واحد، فتصبح المرأة بذلك قارنة، أي: قد جمعت بين النيّتين من دون أن تأتي بأعمال عمرة التمتّ وهذا رأي مالك، والأوزاعي، والشافعي، وكثير من علماء أهل السنّة.

أمّا أبو حنيفة فقد خالف ذلك فقال: تبطل عمرتها وينقلب حجّها إلى حجّ الإفراد. واستدلّ على ذلك بما روي عن عائشة قالت: إنّي أهللت بعمرة، فقدمت مكّة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلّي بالحجّ، ودعي العمرة، قالت: ففعلت، فلمّا قضيت حجّتي، أرسلني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت. وهذا ظاهر في أنّ حجّها انقلب إلى حجّ الإفراد.

أمّا القائلون بالقول الأوّل، فإنّهم لا يروون هذه القضية كذلك، وإنّما يروونها بصورة أُخرى توافق رأيهم، فيقولون: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لها بعد أن أهلّت بالحجّ وأدّت المناسك: قد حللتي من حجّك وعمرتك. وهو ظاهر في أنّها قرنت بين نيّة العمرة ونيّة الحجّ.

والخلاصة: إنّ ما ذهب إليه الإماميّة من التفاصيل المذكورة في هذه المسألة، يختلف عمّا ذهب إليه أهل السنّة.

فصل في المواقيت

فصل في المواقيت، وهي المواضع المعيّنة للإحرام، أطلقت عليها مجازاً، أو حقيقة متشرعيّة، والمذكور منها في جملة من الأخبار خمسة، وفي بعضها ستّة، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أنّ المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة :

أحدها: ذو الحليفة، وهي ميقات أهل المدينة ومَن يمرّ على طريقهم.

وهل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان، وفي جملة من الأخبار أنّه هو الشجرة، وفي بعضها أنّه مسجد الشجرة، وعلى أيّ حال فالأحوط الاقتصار على المسجد؛ إذ مع كونه هو المسجد فواضح، ومع كونه مكاناً فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيّد، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد ولو اختياراً، وإن قلنا: إنّ ذا الحليفة هو المسجد؛ وذلك لأنّه مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفاً؛ إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد، أو بالإحرام فيه. هذا مع إمكان دعوى أنّ المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته، وإن شئت فقل المحاذاة كافية ولو مع القرب من الميقات[3] .

أمّا الكلام في معنى «الميقات»، فهل المراد منه الزمان أو المكان؟

فقد ذكر صاحب مصباح المنير وصاحب النهاية الأثيريّة أنّ «الميقات» مشتقّ من «الوقت»، وأنّ الوقت مقدار من الزمان، وكلّ شيء قدّرت له زماناً فقد وقّته توقيتاً، وكذا ما قدّرت له غاية، والجمع أوقات، والميقات الوقت، والجمع مواقيت، فأصل وضع الميقات للزمان دون المكان، وإطلاق الميقات على المواضع المعيّنة للإحرام إنّما هو بطريق الاستعارة والمجاز، حيث استعيرت هذه اللفظة من الوقت إلى المكان، فصارت «مواقيت الحجّ» بمعنى المواضع المعيّنة التي يبتدأ منها الإحرام. وهذا هو أحد الأقوال.

والقول الآخر ما ذكره صاحب الصحاح، وهو أنّ الميقات موضوع للزمان والمكان، فيقال: «هذا ميقات أهل الشام»، أي: موضع إحرامهم، وكذلك في القامو وعليه، فإنّ إطلاق الميقات على المكان على نحو الحقيقة، لا على وجه الاستعارة والمجا وقد يقال على المبنى القائلين بالقول الأوّل أنّ إطلاقه على المكان من قبيل الحقيقة المتشرّعية، لا الحقيقة اللغويّة.

ولهذا ذكر المصنّف (قده) أنّ المواقيت هي المواضع المعيّنة للإحرام، وقد إطلق عليها هذا اللفظ إمّا مجازاً، أو حقيقة مشترّعية. وقد نقول: إنّ الميقات يُطلق على الموضع حقيقة ولغة؛ لأنّ بعض أهل اللغة قالوا: إنّ الميقات يُطلق على الموضع، كما في الصحاح والقاموس، مثل مقتل، فإنّه وقت للقتل وموضع له.

ثمّ، إنّ المذكور في جملة من الأخبار أنّ المواقيت خمسة، وفي بعضها ستّة، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أنّ المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة.

فمن الروايات ما تدلّ على أنّ المواقيت خمسة: ذو الحليفة (وهو مسجد الشجرة)، والجحفة، والعقيق، وقرن المنازل، ويلملم، وهي التي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لكلّ مَن يريد الحجّ. وفي روايات أُخرى ذُكر ميقات سادس، وهو كلّ مَن كان منزله خلف هذه المواقيت إلى مكّة، أي: مَن كان منزله أقرب من هذه المواقيت إلى مكّة. ومَن ذهب إلى عدّ المواقيت سبعة أضاف مكّة نفسها، باعتبارها ميقاتاً لأهلها ولمن أراد الإحرام لحجّ التمتّع وهو فيها. كما يمكن أن يُعدّ ميقاتاً آخر لمن أراد الإحرام بعمرة مفردة من داخل مكّة، وهو أدنى الحلّ كمسجد التنعيم، أو عرفات، أو إضاءة لبن. وهناك ميقاتان آخران، الأوّل: فخّ، وهو ميقات الصبيان، والآخر ميقات عاشر وهو المحاذي لأحد المواقيت.

 


logo