47/06/07
لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل
ثمّ، إنّ صاحب العروة (قده)[1] ذكر أنّ الحكم المذكور في المقام، وهو العدول من التمتّع إلى الإفراد لضيق الوقت عن إتمام عمرة التمتّع، لا يختصّ بالحجّ الواجب، بل يشمل الحجّ المندوب أيضاً؛ وذلك لإطلاق الروايات، وعدم تقييدها بالحجّ الواجب، فقد ورد في صحيحة أبان: «أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتّعاً، وإلّا كنت حاجّاً»[2] ، فإنّ إطلاقها يشمل حجّ التمتّع الواجب والمندوب.
وعليه، فلا فرق في جواز العدول إلى حجّ الإفراد لضيق الوقت، بين كون حجّ التمتّع واجباً أو مندوباً. فكلّ مَن أهلّ بإحرام عمرة التمتّع، سواء كان حجّه التمتّعي واجباً أو مستحباً، إذا ضاق وقته عن إتمام العمرة، بحيث لو أتمّها خشي فوات الركن من الوقوف بعرفة، جاز له العدول من التمتّع إلى الإفراد.
ولكن يقع الكلام في وجوب العمرة المفردة بعد العدول إلى حجّ الإفراد وإتمام مناسكه، فهل تجب العمرة أم لا؟
وقد ذهب المصنّف (قده) إلى عدم وجوب العمرة المفردة إذا كان حجّ التمتّع مندوباً، ووجوبها إذا كان حجّ التمتّع واجباً.
وهذا هو الصحيح، فإذا كان حجّ التمتّع واجباً، وعدل المكلّف منه إلى حجّ الإفراد، وجبت العمرة المفردة على المكلّف بعد حجّ الإفراد؛ لأنّ حجّ الإفراد في هذه الصورة يكون عدلاً لحجّ التمتّع، أمّا إذا كان حجّ التمتّع مندوباً، فلا تجب العمرة المفردة بعد حجّ الإفراد؛ لأنّ حجّ الإفراد في هذه الصورة لا يكون عدلاً لحجّ التمتّع، فلا تجب العمرة المفردة لعدم ارتباط حجّ الإفراد بالعمرة المفردة، بل هو واجب مستقلّ في نفسه.
وبناء على ذلك، فإنّ العمرة المفردة بعد حجّ الإفراد إنّما تجب على مَن وجب عليه حجّ التمتّع، ثمّ عدل منه إلى حجّ الإفراد لضيق الوقت.
فالروايات تبيّن أنّ حجّ الإفراد هو عدل لحجّ التمتّع في صورة كون حجّ التمتّع واجباً، إلّا أنّ حجّ التمتّع يتألّف من الإهلال بالعمرة ثمّ الإهلال بالحجّ، بينما حجّ الإفراد يتألّف من الإهلال بالحجّ ثمّ الإهلال بالعمرة. أمّا إذا لم يكن حجّ التمتّع واجباً، بل كان مستحبّا، فلا يكون حجّ الإفراد عدلاً لحجّ التمتّ
إذن، يصحّ ما ذهب إليه المصنّف (قده).
ثمّ، ذكر المصنّف (قده) فرعاً آخر، وهو أنّ المكلّف الذي وظيفته التمتّع إذا علم بضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل الإحرام بعمرة التمتّع، فهل يجوز له من البداية أن يعدل إلى حجّ الإفراد؟
وهذا الفرع يختلف عمّا تقدّم، فإنّ البحث في الفرع السابق كان فيمَن أحرم بعمرة التمتّع، ثمّ علم أو احتمل أنّ إتمام العمرة يؤدّي إلى فوات الركن من الوقوف بعرفة، فيجوز له حينئذ العدول إلى حجّ الإفراد، أمّا هنا فالكلام في المكلّف الذي لا يزال في الميقات ولم يحرم بعمرة التمتّع، ولكنّه يعلم أنّه إذا شرع في إحرام العمرة لا يتمكّن من إدراك الركن من الوقوف بعرفة، فهل يجوز له من البداية أن يعدل إلى حجّ الإفراد؟
قد استشكل المصنّف (قده) في جواز هذا العدول، ثمّ استظهر الجواز، فوسّع الحكم من مورده المنصوص ـ وهو مَن دخل في إحرام عمرة التمتّع ثمّ خشي فوات الركن من عرفة لو أتمّها ـ إلى هذا الفرع الجديد الذي لا يدخل المكلّف في إحرام العمرة ولكنّه يعلم أنّ شروعه في العمرة سيؤدّي إلى فوات الركن، ووجه هذه التوسعة عنده أنّ الدخول في الإحرام لا خصوصيّة له في جواز العدول، فكما يجوز العدول بعد الإحرام بعمرة التمتّع عند الخوف من فوات الركن، كذلك يجوز العدول قبله؛ إذ لا فرق بين مَن أحرم وخشي الفوات، وبين مَن لم يُحرم ولكنّه علم بالفوات لو أحرم.
وقد ذهب السيّد الحكيم (قده)[3] إلى إمكان استفادة الحكم (جواز العدول قبل الإحرام بعمرة التمتّع) بالأولويّة، فإنّه إذا جاز للمكلّف العدول إلى حجّ الإفراد بعد الإحرام بعمرة التمتّع عند الخوف من فوات الركن، فيجوز له ذلك قبل الإحرام أيضاً بطريق أُولى لو علم بالفوات.
وعليه، فإنّ التوسعة تثبت إمّا بإلغاء الخصوصيّة، أو بالأولويّة.
ولكن ناقش المحقّق الخوئي (قده)[4] هذه التوسعة، فذهب إلى أنّه لا دليل على العدول فيما لو علم المكلّف بضيق الوقت قبل الدخول في عمرة التمتّع؛ وذلك لأنّ الروايات الواردة في العدول كلّها ناظرة إلى مورد خاص، وهو جواز العدول من التمتّع إلى الإفراد بعد الإحرام بعمرة التمتّع وفي أثناءها، ولا يوجد ما يدلّ على إلغاء خصوصية الإحرام بعمرة التمتّع في هذه النصوص حتّى يعمّم الحكم من مورده المنصوص إلى غيره.
وعليه، فإنّ الروايات كلّها تأمر بالعدول فيما إذا أحرم المكلّف بعمرة التمتّع ثمّ خشي فوات الركن بعرفة، فيجب الالتزام بهذه الروايات في موردها المنصوص فقط، ولا يجوز التعدّي منه إلى غيره؛ وذلك لأنّ العدول هنا على خلاف القاعدة، فإنّ المكلّف لو أحرم بعمرة التمتّع ثمّ لم يتمكّن من إدراك الركن من الوقوف بعرفة، فالقاعدة تقتضي عدم وجوب الحجّ عليه، ولكن دلّ الدليل على انقلاب حجّه إلى حجّ الإفراد، وحيث إنّ هذا الحكم يخالف القاعدة، يجب الاقتصار عليه، ولا يُتعدّى من المورد المنصوص الذي هو على خلاف القاعدة، إلى مورد آخر لم يرد فيه نص.
كما أنّ دعوى الأولويّة في المقام غير تامّة؛ لأنّ المكلّف لو أحرم بعمرة التمتّع ثمّ ضاق عليه الوقت، بحيث لو أتمّها خشي فوات الركن من الوقوف بعرفة، فإنّ إحرامه الذي أحرمه لحجّ التمتّع ينقلب إحراماً لحجّ الإفراد حسب النصوص الخاصة. وأمّا إذا علم المكلّف بضيق الوقت قبل أن يدخل في إحرام عمرة التمتّع، وعلم أنّه إن أحرم بها فاته الركن من الوقوف، فإن كان قد أخّر حجّ التمتّع عمداً حتّى ضاق الوقت، وكان ذلك بسوء اختياره، فقد استقرّ عليه الحجّ، ويلزمه الإتيان بحجّ التمتّع في السنة القادمة، وأمّا إذا لم يكن التأخير مستنداً إلى سوء اختياره ولم يكن متمكّناً من البداية إلى أن ضاق الوقت، فلا يجب عليه الحجّ أصلاً؛ لأنّه غير قادر لإتيان الحجّ.