47/05/26
لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل.../فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل...
كما ينبغي التنبيه على أنّ مفهوم الركن في باب الحجّ يختلف عن الركن في باب الصلاة، فإنّ الركن في الحجّ يساوق الجزئية والشرطية، وترك ذلك عمداً يوجب بطلان الحجّ، بخلاف الركن في الصلاة فهو أخص مفهوماً من الجزء والشرط. وعليه، فإنّ ترك المسمّى من الوقوف قبل الغروب عمداً يوجب بطلان الحجّ؛ لأنّ هذا المقدار هو الجزء الركني من الحجّ، وترك الجزء الركني عمداً يوجب البطلان. أمّا إذا ترك الوقوف ما بين الظهر والغروب من دون ترك الركن، كما لو أدرك شيئاً من الوقوف قبل الغروب، فيصحّ حجّه، ولكنّه آثم وعليه بدنة؛ لأنّه قد ترك واجباً ليس من أجزاء الحجّ. ونظير ذلك مَن ترك طواف النساء، فإنّ حجّه صحيح، وهو آثم؛ لأنّه ترك واجباً ليس من أجزاء الحجّ.
وأمّا القول الثالث، وهو الخوف من فوات الوقوف الاضطراري بعرفة في الليلة العاشرة من ذي الحجّة، فلا دليل عليه، ومع عدم الدليل يسقط هذا القول، ولا يُعتمد عليه.
والحاصل: إنّ القول الأوّل لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ الرواية التي استدلّوا بها أجنبيّة عمّا نحن فيه، وأمّا القول الثالث فلا نصّ عليه. وعليه، فإنّ الصحيح هو القول الثاني القائل بأنّ حدّ الضيق المسوّغ للعدول من التمتّع إلى الإفراد هو الخوف من فوات الركن من الوقوف الاختياري، وهو مسمّى الوقوف بعرفة، كدقيقتين أو ثلاث دقائق قبل الغروب.
وهناك أقوال مختلفة في تحديد الضيقّ الذي يسوّغ العدول، فتقول: إنّ حدّ الضيق يوم التروية، أو غروب يوم التروية، أو ليلة عرفة، حيث يستحبّ المبيت في منى هذه الليلة، ثمّ يتوجّه إلى عرفات، فلو أمكن للحاجّ إدراك الناس في منى ليلة عرفة أتى بعمرة التمتّع، وإلّا وجب عليه العدول إلى حجّ الإفراد، وقد وردت هنا روايات كثيرة[1] ، فمنها: خبر أبي بصير[2] ، وصحيحة شعيب العقرقوفي[3] ، وصحيحة محمّد بن مسلم[4] ، لكن رغم كثرة هذه الروايات لم يقل بمضمونها أحد، فتسقط عن الحجّية لإعراض الجميع عنها، مع أنّها معارضة بصحيحة جميل الدالّة على أنّ حدّ إتيان عمرة التمتّع هو عدم إدراك الركن من الوقوف بعرفة.
وجميع هذه النصوص التي جعلت حدّ إحرام عمرة التمتّع يوم التروية، أو غروب يوم التروية، أو ليلة عرفة، أو زوال يوم عرفة، تدلّ على أمر واحد، وهو أنّ المناط في إتمام عمرة التمتّع هو عدم الخوف من الوقوف بعرفة، وأنّ مناط العدول إلى حجّ الإفراد هو الخوف من فوت الوقوف بعرفة. وأمّا منشأ اختلاف الروايات في التحديد فهو اختلاف الناس في قدراتهم وأحوالهم، فإنّهم ليسوا على نسق واحد، فمنهم الشاب والشيخ، والصحيح والمريض، والرجال والنساء، وحتّى الأطفال الذين قد يؤدّون الحجّ. كما تختلف ظروفهم الزمانية أيضاً، فالفاصل الزمني بين ظهر يوم عرفة وغروبه قد يمتدّ أربع أو خمس ساعات تقريباً في الشتاء، وقد يصل إلى سبع ساعات في الصيف. وعليه، فإنّه بما أنّ الأشخاص مختلفون في قدراتهم وأحوالهم وأزمانهم، اختلفت الروايات تبعاً لهم؛ إذ كان الإمام (عليه السلام) يجيب كلّ سائل وفق حالته الخاصّة، وطاقته، وزمانه.
إذن، الصحيح من هذه الأقوال هو القول الثاني وإن اختلفت الروايات. وعليه، فإنّ المعتمر بعمرة التمتّع يجوز له أن يأتي بعمرة التمتّع ما لم يخف فوت موقف عرفة، وهو الركن والمسمّى من الوقوف قبل الغروب، أمّا إذا خاف عدم إدراك الركن فإنّه يجوز له العدول من التمتّع إلى الإفراد.
ثمّ، إنّ ما قرّرناه من أنّ الحاجّ يتمّم عمرة التمتع إذا لم يخف الوقوف في ركن عرفة، وأنّه يترك أعمال عمرة التمتع وينقلب حجّه إلى الإفراد إذا خاف فوت ركن عرفة، يعارض ما رواه الشيخ في التهذيب[5] بإسناده عن موسى بن القاسم، عن محمّد بن سهل، عن زكريا بن آدم، وفي الاستبصار[6] زكريا بن عمران، حيث قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتّع إذا دخل يوم عرفة؟ قال: لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة»[7] .
فإنّ مضمون هذه الرواية يخالف ما انتهينا إليه؛ لأنّنا ذهبنا إلى إنّ المكلّف إذا دخل في يوم عرفة وكان قادراً على إتيان عمرة التمتّع ثمّ إدراك الوقوف قبل الغروب، يصحّ حجّه، بينما هذه الرواية تدلّ على أنّ المكّلف بمجرّد دخوله في يوم عرفة يسقط عنه عمرة التمتّع ويجعلها عمرة مفردة.
وقد يقال: إنّ هذه الرواية لا تصلح للمعارضة، بدعوى أنّها ضعيفة؛ وذلك لأنّ محمّد بن سهل مجهول الحال، فإنّه لم يُذكر في كتب الرجال. مضافاً إلى جهالة زكريا بن عمران المذكور في الاستبصار، حيث لم يُذكر في كتب الرجال.
فإنّه يقال: إنّ محمّد بن سهل كان شيخاً لبعض الأجّلاء، وقد اعتمد عليه القوم، واعتمادهم يكشف عن وثاقته، فقد اعتمد عليه أحمد بن محمّد بن عيسى، رغم أنّه كان يُعاقب مَن يروي عن الضعفاء، وقد أخرج أحمد بن محمّد بن خالد البرقي الثقة من قم لأنّه كان يروي عن الضعفاء. وقد اعتمد عليه أيضاً محمّد بن علي بن محبوب، واعتمد عليه كذلك موسى بن القاسم البجلي، وهذا يدلّ على وثاقته.
وأمّا بالنسبة إلى زكريا المذكور في السند، فالصحيح أنّ المراد به هو زكريا بن آدم المذكور في التهذيب، لا زكريا بن عمران المذكور في الاستبصار؛ لأنّ زكريا بن آدم هو من شيوخ محمّد بن سهل، بخلاف زكريا بن عمران الذي لم يرو عنه الشيخ الطوسي (قده) أبداً.
وعليه، تكون الرواية صحيحة السند، فتكون معارضة للروايات الكثيرة الدالّة على جواز العدول إلى الإفراد، ولكنّ الظاهر وقوع التصحيف فيها، والصحيح من الرواية هو «يجعلها حجّة مفردة» بدل «يجعلها عمرة مفردة»، فلا تعارض تلك الروايات المذكورة في المقام.