47/05/25
لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل.../فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل...
وأمّا مقتضى النصوص الواردة في المقام، فمنها: ما يدلّ على القول الأوّل، وهو الخوف من فوات الوقوف الاختياري بعرفة من الزوال إلى الغروب، مثل رواية يعقوب بن شعيب قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين»[1] ، وقد استدلّ بها المصنّف (قده)، وظاهر الرواية التوسعة على المتمتّع في الإحرام بعمرة التمتّع، وأنّه يجوز له الإحرام متى ما تيسّر له ذلك، ما لم يخف فوت الموقفين.
وقد ذكر المحقّق الخوئي (قده) أنّ هذه الرواية معتبرة من ناحية السند؛ لأنّ رواتها كلّهم ثقات حتّى إسماعيل بن مرّار، فإنّه وإن لم يوثّق في كتب الرجال، لكنّه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمّي (رحمه الله)، وقد وثّق القمّي جميع رواته في مقدّمة التفسير، فيعامل معهم معاملة الثقة، ما لم يعارض بتضعيف غيره كالنجاشي والشيخ الطوسي وغيرهما، فمع عدم وجود تضعيف خاص يكون هذا التوثيق العام حجّة. وقد استدلّوا بهذه الرواية على أنّ حدّ الضيق المسوّغ للعدول من التمتّع إلى الإفراد هو عدم التمكّن من إدراك الوقوف الاختياري بعرفة من الزوال إلى الغروب.
ولكنّ الإشكال في دلالة هذه الرواية، فهي أجنبية عمّا نحن فيه، فإنّ المستفاد منها أنّ المعتمر يجوز له إنشاء الإحرام لعمرة التمتّع في أيّ وقت يشاء بحيث يتمكّن من الوقوف في عرفة، حتّى لو أحرم في صباح يوم التاسع من ذي الحجّة. إذن، هذه الرواية ناظرة إلى بيان سعة وقت إنشاء الإحرام، وأنّه غير مقيّد بوقت خاص بشرط أن لا يخاف فوت موقف عرفة من الزوال إلى الغروب. أمّا البحث في المقام فهو فيمَن أحرم بعمرة التمتّع وضاق وقته عن إتيانها، بحيث لو أتى بأعمال العمرة لفاته الوقوف بعرفة، وهذا موضوع آخر لا تتعرّض بل لا تدلّ عليه الرواية. فإنّ غاية ما تثبته الرواية هو إثبات التوسعة في إنشاء إحرام عمرة التمتّع بشرط أن يدرك الوقوف بعرفة، وأمّا لو أحرم ودخل في عمرة التمتّع وخشي فوت وقوف عرفه لو أكمل أعمالها، فلا تدلّ عليه الرواية، ولا ملازمة بين الأمرين.
وعليه، فإنّ الرواية إنّما تفيد التوسعة في وقت إنشاء الإحرام، ولا تدلّ على حكم مَن شرع في عمرة التمتّع وضاق وقته عن إتيانها، وهو محلّ الكلام. إذن، لا دلالة لهذه الرواية على حدّ الضيق الأوّل المسوّغ للعدول من التمتّع إلى الإفراد.
ومنها: ما يدلّ على القول الثاني، وهو الخوف من فوات الركن من الوقوف الاختياري بعرفة، مثل صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر»[2] ، فإنّ المستفاد من هذه الرواية أنّ المعتمر يمكنه الإتيان بعمرة التمتّع إلى زوال الشمس من يوم عرفة، ويكفيه أن يدرك الركن من الوقوف بعرفة؛ وذلك لأنّ المسافة بين مكّة وعرفات تقدّر بأربعة فراسخ، وقطع هذه المسافة في زمن صدور النصّ على الدواب أو سيراً على الأقدام كان يستغرق قرابة أربع أو خمس ساعات، فلو خرج المعتمر من مكّة عند زوال الشمس لا يتمكّن من إدراك الوقوف الاختياري بعرفة من الزوال إلى الغروب، وإنّما يدرك شيئاً من الوقوف قبل الغروب بدقائق، وهو مقدار الركن، وبذلك يصحّ أن يأتي بعمرة التمتّع في يوم عرفة ثمّ يأتي بحج التمتّع.
وعليه، لا يشترط إدراك الوقوف الاختياري بعرفة من الزوال إلى الغروب، بل يكفي إدراك الركن منه قبل الغروب، والركن من الوقوف بعرفة هو إدراك شيء قليل منه قبل الغروب.
كما أنّ هذه الصحيحة تطابق القاعدة المستفادة من الروايات أيضاً، ومفادّها: إنّ الحاجّ إذا أدرك المسمّى من الوقوف بعرفة، وإن لم يستوعب تمام الوقت من الزوال إلى الغروب، صحّ حجّه. ومن هنا، يتبيّن أنّ الضيق الذي يسوّغ العدول من التمتّع إلى الإفراد هو الخوف من فوات الركن، لا الخوف من فوات الوقوف الاختياري.
إذن، فإنّ هذه الرواية تحدّد مقدار الضيق المسوّغ للعدول من التمتّع إلى الإفراد، وهو عدم التمكّن من إدراك الركن من الوقوف بعرفة إذا إكمل عمرة التمتّع، أمّا إذا كان المكلّف قادراً على إكمال عمرة التمتّع مع إدراك الركن من الوقوف بعرفة، فلا يجوز له العدول. ومن هنا، تظهر أهمّية هذه الرواية في تحديد هذا الحدّ من الضيق.
ومن العجيب أنّ صاحب العروة (قده) قال عن هذه الرواية أنّها شاذّة، مع أنّها قد عمل بها أكثر الأصحاب، وهي موافقة للقاعدة أيضاً.
وهنا توجد صحيحة أُخرى يمكن الاستدلال بها على هذا المطلب، إلّا أنّ دلالتها ليست خالية من الإشكال، وهي صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً، ثمّ قدم مكّة والناس بعرفات، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف، قال: يدع العمرة، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه»[3] ، ومعنى قوله: «يدع العمرة» أنّه يعدل من التمتّع إلى الإفراد، وهذه الرواية تدلّ على أنّ العبرة في العدول هو الخوف من فوت الموقف، أمّا إذا أدرك الموقف ولو بالمسمّى فلا يجوز العدول.
ولكن ما هو المراد من الموقف في قوله: «أن يفوته الموقف»؟ هل المراد هو الخوف من فوت الموقف الاختياري بعرفة من الزوال إلى الغروب، أو الخوف من فوت الركن منه، وهو المسمّى؟
وقد يقال: إنّ الوقوف الواجب في عرفة إنّما هو من الزوال إلى الغروب، وإن كان الركن وهو مسمّى الوقوف هو الواجب الذي يكون جزءاً من الحجّ، فالعدول إنّما يجوز فيما إذا خاف فوت الوقوف في تمام الزمان بين الظهر والغروب. إذن، لا تدلّ الرواية على المطلب الذي نحن فيه.
فإنّنا نقول: إنّ صحيحة الحلبي وإن كانت مطلقة وتشمل صورتي فوات الوقوف الاختياري من الظهر إلى الغروب وفوات الركن، إلّا أنّ صحيحة جميل صريحة في جواز الإتيان بعمرة التمتّع إلى زوال يوم عرفة، وهذا يعني أنّ المكلّف لا يتمكّن حينئذ من إدراك الموقف بين الحدّين، أي: من الزوال إلى الغروب. وعليه، يُقيّد إطلاق صحيحة الحلبي بصحيحة جميل؛ لأنّ صحيحة جميل تدلّ على أنّ مَن أتمّ العمرة وهو في مكّة عند زوال يوم عرفة، يدرك الحجّ ويصحّ منه الحجّ، رغم أنّه سيفوته جزء من الوقوف الاختياري بعرفة إلى أن يصل إلىها، وبذلك يُرفع اليد عن إطلاق صحيحة الحلبي بصحيحة جميل.
ثمّ، ينبغي التنبيه على أنّ الوقوف الاختياري بعرفة من الظهر إلى الغروب وإن كان واجباً، إلّا أنّه ليس جزءاً من الحجّ؛ وذلك لأنّ مَن ترك هذا الوقوف الاختياري عمداً، ثمّ أدرك الوقوف الركني، وهو مسمّى الوقوف بين الظهر والمغرب يصحّ حجّه. ولو كان الوقوف من الظهر إلى الغروب جزءاً من الحجّ لبطل الحجّ بتركه عمداً، والحال أنّ الفقهاء قد حكموا بصحّة الحجّ مع إدراك الوقوف الركني، وهو المسمّى من الوقوف قبل الغروب. وهذا يكشف عن أنّ الوقوف الاختياري من الظهر إلى الغروب واجب مستقل ولكنّه ليس جزءاً من الحجّ، ونظير ذلك طواف النساء، فهو واجب مستقلّ أيضاً ولكنّه ليس جزءاً من الحجّ.