47/04/20
صورة حجّ التمتّع على الإجمال/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /صورة حجّ التمتّع على الإجمال
ثمّ ذكر المصنّف (قدّه) أنّ الحاجّ المتمتّع بعد أن يتمّ مناسكه بمنى من الرمي والذبح والحلق أو التقصير، يكون مخيّراً بين صورتين:
الأُولى: أن يتوجّه إلى مكّة يوم النحر ليأتي بأعمالها، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة فيحلّ له الطيب، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه فتحلّ له النساء، ثمّ يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، ويرمي الجمار الثلاث في اليومين المذكورين، وينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء والصيد، وأمّا إذا لم يتّقهما فعليه المبيت ليلة الثالث عشر بمنى، ويرمي الجمار الثلاث في يومها، وينفر ولو قبل الزوال.
والثانية: أن يبقى الحاجّ بمنى يوم النحر، فيأتي بأعمالها من المبيت والرمي على النحو المتقدّم، ثمّ يتوجّه بعد الفراغ منها إلى مكّة لإتيان أعمالها من طواف الحجّ وركعتيه، ثمّ السعي بين الصفا والمروة، ثمّ طواف النساء وركعتيه، وهو وإن لم يكن جزءاً من الحجّ إلّا أنّه يُؤتى به بعده.
ويدلّ على ذلك صحيحة إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن زيارة البيت، تؤخّر إلى يوم الثالث؟ قال: تعجيلها أحبّ إليّ، وليس به بأس إن أخّرها»[1] ، وصحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس أن تؤخّر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنّما يستحبّ تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض»[2] .
ولكن جماعة من الفقهاء ذهبوا إلى عدم جواز تأخير أعمال مكّة عن يوم النحر، وأوجبوا على المتمتّع بعد إتمام أعمال منى أن يتوجّه مباشرة إلى البيت ليأتي بأعماله هناك، واستندوا في ذلك إلى ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن المتمتّع متى يزور البيت، قال يوم النحر»[3] ، وكذلك إلى صحيحة منصور بن حازم قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يبيت المتمتّع يوم النحر بمنى حتى يزور»[4] ، وإلى روايات أُخرى.
ثمّ، إنّه قد يظهر في المقام تعارض بين هاتين الطائفتين، فإنّ الطائفة الأُولى تدلّ على جواز التأخير، والأُخرى تنهى عنه، ولكنّه مقتضى الجمع العرفي بينهما حمل النهي الوارد في الطائفة الثانية على الكراهة دون الحرمة؛ وذلك لأنّ النهي غير صريح في الحرمة؛ إذ يحتمل الحرمة والكراهة، بخلاف الجواز فإنّه صريح في الإباحة، فتكون روايات الجواز قرينة على إرادة الكراهة من النهي.
ويمكن الجمع بين الطائفتين بوجه آخر، وهو أنّ الطائفة الأُولى دلّت على أنّ التعجيل أحبّ أو مستحبّ، مع تصريحها بجواز التأخير، فتكون هذه الطائفة قرينة على استحباب التعجيل، لا كراهة التأخير.
ثمّ، ذكر المصنّف (قده) أنّ الإتيان بأعمال مكّة من الطواف والسعي يصحّ في جميع أيّام ذيّ الحجّة، ولا يختصّ بيوم النحر أو يوم النفر (الثاني عشر أو الثالث عشر). نعم، الأفضل الإتيان بها في يوم النحر؛ لقوله (عليه السلام): «تعجيلها أحبّ إليّ»، ثمّ قال: لا ينبغي التأخير في الإتيان عن يوم النحر، والمراد من «لا ينبغي» هنا عدم مناسبة التأخير، لا الحرمة، فإنّ هذا اللفظ في لسان الفقهاء يراد به المعنى الاصطلاحي من الكراهة أو عدم المناسبة، بخلاف استعماله في لسان القرآن والروايات، حيث يُستفاد منه الامتناع أو التحريم.
وتدلّ الروايات على جواز تأخير أعمال مكّة إلى نهاية شهر ذي الحجّة، فمنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتّى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربّما أخّرته حتّى تذهب أيّام التشريق، ولكن لا تقرب النساء والطيب»[5] ، وكذلك صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيّام التشريق، إلّا أنّك لا تقرب النساء ولا الطيب»[6] .
وكذا يدلّ الإجماع على جواز التأخير عن يوم النحر، إلّا أنّه إجماع مدركي مستنده الروايات.
ثمّ، إنّ إطلاق ما دلّ على جواز التأخير إلى ما بعد أيّام التشريق يقتضي جواز التأخير حتّى بعد ذي الحجّة، إلّا أنّ ما بعد ذي الحجّة خارج بالإجماع، وبقوله: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾[7] ، المفسّر بثلاثة أشهر: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، فيبقى ما بعدها غير مشمول للإطلاق.