47/04/13
الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة.../فصل في أقسام الحجّ /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في أقسام الحجّ /الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة...
وعليه، فإنّ إعراض المشهور عن الرواية الصحيحة يوجب سقوطها عن الحجّية؛ وذلك لأنّ الملاك في حجّية خبر الثقة إنّما يكون من باب الكاشفيّة النوعيّة عن الواقع، بناء على ارتكاز العقلاء وما دلّ عليه دليل السنّة، ولكن هذه الكاشفيّة تزول عند مزاحمتها بما هو أقوى منها، كإعراض المشهور بل أولى منه إعراض الجميع، وهذا يوجب وهن الخبر الصحيح وسقوطه عن الحجّية، فلا يكون هذا الخبر مشمولاً للسيرة العقلائيّة ولا لدليل السنّة في موارد المزاحمة.
وقد يقال في تأييد ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) بأنّ الروايات الواردة في تحديد الفترة الزمنية لانقلاب الحجّ إلى القران أو الإفراد جائت على طوائف متعدّدة، فبعضها تدلّ على الانقلاب بعد مضيّ سنة واحدة والدخول في الثانية، وبعضها الآخر على الانقلاب بعد إتمام سنتين والدخول في الثالثة، وهناك روايات أُخر ـ بناء على صحّتها ـ تشير إلى مدّة خمسة أشهر أو ستة، وحيث إنّ المولى في هذه الطوائف ليس في مقام التحديد، فلا يُستفاد منها مفهوم للعدد؛ إذ لا مفهوم له إلّا مع كون المولى في مقام التحديد. وعليه، فإنّ التحديد الوارد في جميع تلك الروايات محمول على الجواز، فيكون مقتضاه انقلاب الحجّ إلى القران أو الإفراد في جميع الموارد، ولا تعارض حينئذ بين الروايات.
وفيه: إنّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) من القول بالانقلاب بعد مضي سنة واحدة والدخول في الثانية، لم يعثر على قائل به، وهو ما صرّح به صاحب الجواهر نفسه على الرغم من تتبّعه الواسع لأقوال العلماء. وعليه، فإنّ الروايات التي استند إليها تسقط عن الحجّية وإن كانت صحيحة.
القول الرابع: أنّ الحدّ الزمني الذي يتحقّق فيه الانقلاب هو مضي خمسة أشهر، أو ستة أشهر.
وفيه: إنّ الروايات الدالّة على خمسة أشهر ضعيفة السند، وأمّا الروايات الواردة في تحديد المدّة بستة أشهر، فمع أنّ بعضها صحيحة، إلّا أنّه لا عامل بها، والرواية الصحيحة إذا أُعرض عنها ولم يُعمل بمضمونها لا تكون كاشفة عن الواقع حسب ارتكاز العقلاء، فتسقط بذلك عن الحجّية.
والحاصل: إنّ ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح، ومقتضاه أنّ الآفاقي إذا أقام بمكّة وجاورها سنتين ودخل في الثالثة، واستطاع للحجّ في مكّة، انقلب حجّه إلى القران أو الإفراد.
يبقى الكلام في عدّة أمور:
الأوّل: إذا استطاع قبل إكمال السنتين وهو مجاور، سواء استطاع في بلده أو في مكّة، فوظيفته حجّ التمتّع؛ لأنّ العبرة في نوع الحجّ على وقت الوجوب لا الأداء، فإذا استطاع في بلده ولم يؤدّ ما وجب عليه، صار الحجّ ديناً في ذمّته فيأتي به على النحو الذي وجب عليه. وكذلك الحال إذا استطاع حال المجاورة قبل تمامية السنتين، فإنّ وظيفته التمتّع؛ لأنّ الروايات الواردة في انقلاب الحجّ منصرفة عن هذه الصورة، وتختصّ بمَن استطاع بعد تماميّة السنتين من الإقامة والمجاورة في مكّة، لا قبل ذلك.
ولو احتملنا أنّ الروايات الدالّة على انقلاب الحجّ تشمل هذه الصورة الذي استطاع المجاور قبل تمامية السنتين، فلا أقل من إجمال هذه الروايات، وفي هذه الحالة يدور الأمر بين تخصيص الأقلّ والأكثر، ومقتضى القاعدة هو الاقتصار على الأقلّ، وهو حصول الاستطاعة بعد إتمام السنتين، فينقلب حجّه إلى القران أو الإفراد بعد تماميّة السنتين.
الثاني: إذا توطّن في مكّة، أي: توطّن في مكان أقلّ من ثمانية وأربعين ميلاً إلى مكّة، ثمّ حصلت له الاستطاعة، وجب عليه حجّ القران أو الإفراد من دون تحديد بمدّة معيّنة، حتّى لو تحقّقت الاستطاعة في الشهر الأوّل؛ وذلك لأنّ المتوطّن في مكّة يُعدّ من حاضري المسجد الحرام، فيجري عليه حكم أهل مكّة الذين لا متعة لهم. أمّا صحيحتا زرارة وعمر بن يزيد، الدالّتان على انقلاب الحجّ بعد إقامة سنتين، فهما منصرفتان عن التوطّن، ومختصّتان بالمجاورة. وعليه، فإنّ المتوطّن إذا أقام شهراً واحداً أو أقل من ذلك فهو من أهل مكّة، ويأتي بحجّ القران أو الإفراد.
والفرق بين التوطّن والمجاروة أو الإقامة واضح؛ إذ المتوطّن أعرض عن وطنه، واستقرّ في مكان آخر بنيّة الدوام وعدم الرجوع، بخلاف المقيم أو المجاور فإنّه يريد الرجوع إلى وطنة بعد مدّة.