47/04/04
مَن كان له وطنان.../فصل في أقسام الحجّ /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في أقسام الحجّ /مَن كان له وطنان...
المقام السادس: إنّ تقسيم المكلّف إلى قسمين ـ قسم يتعيّن عليه التمتّع، وقسم يتعيّن عليه الإفراد أو القران ـ إنّما يختصّ بحجّة الإسلام، أمّا غير حجّة الإسلام، كالحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين إذا لم يكن مقيّداً بقسم خاص، أو الحجّ الواجب بالإجارة المطلقة من دون تعيين، أو الحجّ المشروط في ضمن عقد لازم، أو الحجّ المندوب، فلا يجري هذا التقسيم، بل يجوز إتيان حجّ التمتّع، كما يجوز إتيان حجّ الإفراد أو القران، ولكنّ التمتّع أفضل.
وتدلّ على ذلك في الحجّ المندوب جملة من النصوص، فمنها: صحيحة البزنطي قال: «سألت أبا جعفر [الثاني، وهو الإمام الجواد ] (عليه السلام) في السنة التي حجّ فيها، وذلك في سنة اثنتي عشرة ومأتين، فقلت: بأيّ شيء دخلت مكّة مُفرداً أو متمتّعاً؟ فقال: متمتّعاً، فقلت: له: أيّها أفضل: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أو مَن أفرد وساق الهدي؟ فقال: كان أبو جعفر [الإمام الباقر] (عليه السلام) يقول: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السائق للهدي وكان يقول: ليس يدخل الحاجّ بشيء أفضل من المتعة»[1] ، فإنّ قول السائل: «بأيّ شيء دخلت مكّة مُفرداً أو متمتّعاً» ظاهر في أنّ مورد السؤال إنّما هو الحجّ المندوب لا الواجب.
نعم، الحجّ الواجب بسبب الإفساد فإنّه كالحجّ الأصلي وتابع له، ولذا يتعيّن أن يكون على وفق ما أفسده المكلّف في السنة الأُولى، وإن كان الحجّ الأوّل مندوباً. وعليه، فإنّ المكلّف لو أفسد حجّ التمتّع وجب عليه الإتيان بالتمتّع في السنة الثانية، وإن أفسد حجّ الإفراد أو القران وجب عليه الإتيان في السنة الثانية بما أفسده منهما بعينه.
(مسألة1): مَن كان له وطنان، أحدهما في الحدّ، والآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «مَن أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة ولا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام ): أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة؟ فقال (عليه السلام) : فلينظر أيّهما الغالب»، فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كل منهما تخير بين الوظيفتين، وإن كان الأفضل اختيار التمتّع، وإن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة[2] .
هذه المسألة فيها صورتان:
الأُولى: مَن كان له وطنان: أحدهما دون الحدّ والآخر خارجه، فإنّ الحكم يتبع الأغلب منهما سكناً وإقامة، فإن كانت إقامته دون الحدّ (دون ثمانية وأربعين ميلاً) أكثر فعليه الإفراد أو التمتّع، وإن كانت إقامته في نفس الحدّ أو خارجه أكثر فعليه التمتّع.
ويدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مَن أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة، قال: فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله»[3] ، والمراد من «الغلبة» في قوله (عليه السلام): «فلينظر أيّهما الغالب فهو من أهله» ليس كثرة الأهل والعشيرة في أحد البلدين، بل المقصود غلبة السكنى وكثرة الإقامة في بلد دون الآخر، فيحجّ حجّ أهل البلد الذي يسكن فيه أكثر.
وقد يتوهّم بوجود تعارض بين صدر الرواية وذيلها، فإنّ الصدر ينصّ على أنّ مَن أقام بمكّة سنتين كان فرضه الإفراد أو القران (ولا متعة له)، بينما الذيل تعرّض لعنوان آخر، وهو مَن له وطنان: أحدهما داخل الحدّ والآخر خارجه، ويسكن في أحدهما أكثر من الآخر، فيلزم اتّباع الغالب من سكناه وإقامته، فلو فرضنا شخصاً له وطنان: أحدهما في العراق، والآخر في مكّة، وكان دأبه ونيّته أن يقيم أربع سنوات في العراق، وثلاث سنوات في مكّة، فمقتضي الصدر أنّ بعد إقامته سنتين في مكّة يتعيّن عليه الإفراد أو القران، وأمّا مقتضي الذيل مع ملاحظة أنّ سكناه في العراق أكثر وهو خارج الحدّ فهو التمتّع. إذن، تعارض الصدر والذيل.
ولكنّنا نقول: إنّ ذيل الرواية يقتضي أنّ الوظيفة الأصليّة والأوّلية لا تنحصر في عنواني القريب (حاضري المسجد الحرام) والبعيد، بل هناك عنوان ثالث، وهو مَن له وطنان: أحدهما داخل الحدّ والآخر خارجه، فيكون حكمه تابعاً للبلد الذي يسكن فيه أكثر. وأمّا صدر الرواية فليس في مقام بيان أحد العناوين الثلاثة للحجّ، وإنّما هو ناظر إلى تبدلّ الفرض الأصلي وانتقاله من نوع إلى نوع آخر عند تغيّر حال المكلّف، فإنّ المكلّف الذي يسكن العراق وفرضه التمتّع إذا أقام في مكّة سنتين واستطاع فيها للحجّ، انتقل فرضه من التمتّع إلى الإفراد أو القران. وهذا من باب الحكومة؛ حيث يحكم الصدر على تلك الأدلّة المتقدّمة، ويوسّع عنوان «القريب» ليشمل مَن أقام سنتين بمكّة وإن لم يكن أهله منها، ويضيّق عنوان «البعيد» بمَن لا يقيم سنتين في مكّة.
وعليه، فإنّ هذه الصحيحة توسّع عنوان «القريب»، فلا يختصّ بمَن كان أهله دون الحدّ، بل يشمل أيضاً مَن أقام بمكّة سنتين وإن كان أهله بعيداً عنها، كما أنّها تضيّق عنوان «البعيد» وتجعله فيمَن لم يسكن مكّة سنتين، وبهذا يظهر أنّه لا تعارض بين صدر الرواية وذيلها.
ونحن كلامنا هنا في ذيل الرواية، أمّا صدرها فيأتي في المسألة الثالثة.