« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

47/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

وقد تجب العمرة بالنذر، والحلف .../فصل في أقسام العمرة /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في أقسام العمرة /وقد تجب العمرة بالنذر، والحلف ...

 

والحاصل: لا يُعتبر الفصل بين العمرتين، وهذا هو القول الرابع.

ويدلّ على ذلك نفس الروايات الدالّة على اعتبار الفصل بعشرة أيّام، أو بشهر، أو بسنة، فإنّ تلك الروايات كلّها لا تتنافى مع جواز الإتيان بالعمرة في فترات أقل من ذلك، بل تنسجم مع جواز الإتيان بها في الأقل. وعليه، فإنّ المكلّف يجوز له أن يأتي بالعمرة متى ما شاء.

وممّا يؤكّد ذلك أنّ الراوي، وهو علي بن أبي حمزة البطائني، لم يفهم من قول الإمام (عليه السلام): «ولكلّ شهر عمرة»، اعتبار الفصل بشهر على وجه الإلزام والمنع من التوالي، بدليل أنّه سأل الإمام (عليه السلام) لاحقاً عمّا إذا كان يمكن الإتيان بالعمرة في أقل من شهر، فأجابه (عليه السلام): «في كلّ عشرة أيّام عمرة»، وهذا يدلّ على أنّ الرواي لم يفهم المنع من التوالي في العمرة، كما أنّ الإمام (عليه السلام) لم يمنع من الأقل من شهر، بل أجاز ذلك.

إذن، هذه الروايات لم تمنع من الإتيان بالعمرة في الأقل، ولم يُفهم منها الحرمة التشريعية لإتيان العمرة في الأقل، واحتمال الحرمة التشريعيّة يزول بأدنى دليل على الاستحباب، كالأدلّة التي تحثّ على إتيان العمرة مطلقاً، وأنّ تكرارها مستحبّ على الإطلاق.

ويضاف إلى ذلك أنّ الروايات التي تحثّ على إتيان العمرة مطلقاً، وأنّ تكرارها مستحبّ على الإطلاق، تجوّز أيضاً الإتيان بالعمرة في كلّ يوم، ولم تمنع من التوالي، لكنّها لا تدلّ على استحباب العمرة في كلّ يوم استحباباً مؤكّداً؛ لوجود تلك الأدلّة المحدّدة بأنّ لكلّ عشرة أيّام، أو لكلّ شهر، أو لكلّ سنة عمرة.

وبناء على ذلك، يدلّ على القول الرابع، أوّلاً: إنّ روايات التحديد لم تتضمّن منعاً من تكرار العمرة في الأقل. وثانياً: إنّ الأدلّة الدالّة على استحباب العمرة مطلقاً تُجوّز الإتيان بها في كلّ يوم من دون تأكيد على الاستحباب.

وقد يقال: إنّ الروايات الواردة في تحديد الفاصل بين العمرتين لا تدلّ على التحريم، وإنّما تدلّ على عدم مشروعية الإتيان بالعمرة الثانية في أقل من عشرة أيّام، أو أقل من شهر. ولذلك لم يذهب العلماء إلى حرمة العمرة الثانية قبل انقضاء هذه المدّة المعيّنة، بل ذهبوا إلى عدم مشروعيّتها؛ وذلك لأنّهم اعتمدوا على مفهوم العدد.

وبناء على ذلك، أسقط بعض العلماء جميع روايات التحديد، ما عدا الروايات الدالّة على أنّ «لكلّ شهر عمرة»، فإنّ مفهوم قوله (عليه السلام): «لكلّ شهر عمرة» هو عدم جواز الإتيان بعمرتين في شهر واحد، وعلى هذا المبنى تكون الفتوى من قِبل بعض العلماء المعاصرين.

غير إنّ صاحب الجواهر (قده) عندما ردّ الروايات الدالّة على أنّ لكلّ سنة عمرة، ولم يردّ الروايات الدالّة على أنّ لكلّ عشرة أيّام عمرة، وقَبِل الروايات الدالّة على أنّ لكلّ شهر عمرة، جوّز الإتيان بالعمرة في الأقل، وقال بتأكّد الاستحباب في كلّ شهر.

فإنّه يقال: إنّنا قد قلنا بمفهوم العدد إذا كان المتكلم في مقام التحديد بالعدد من جهة بيان الحدّ المعيّن، ولكن هذا المفهوم لم ينشأ من العدد، بل يكون من جهة أنّ المولى في مقام التحديد، أمّا في المقام فإنّ المولى لم يكن في مقام التحديد؛ لأن الروايات الواردة متعدّدة، وكلّها صحيحة، وصادرة عن المعصوم (عليه السلام)، فإنّ الحدّ لو كان واحداً لصحّ القول بأنّه في مقام التحديد، والحال أنّ المقام ليس كذلك، بل في نفس رواية علي ابن أبي حمزة البطائني، بعد أن سأل عن الفاصل بين العمرتين، أجاب (عليه السلام): «لكلّ شهر عمرة»، ثمّ سأل: ألا يكون الفاصل أقل؟ فقال (عليه السلام): «في كلّ عشرة أيّام عمرة»، وهذا يدلّ على أنّ المولى ليس في مقام التحديد. وقد أشار صاحب لجواهر (قده) إلى ذلك، مؤكّداً أنّ المولى في هذه الموارد ليس في مقام التحديد.

وعليه، فإنّنا لم نجزم أنّ المولى في هذه الموارد في مقام التحديد، فلا يكون للعدد مفهوم. إذن، يجوز الإتيان بالعمرة في كلّ يوم، وهذا هو القول الرابع الذي نرجّحه.

هاهنا عدّة ملاحظات:

الأُولى: بناء على القول الذي يرى جواز إتيان العمرة في كلّ شهر فقط، فإنّ المكلّف لا يجوز له أن يأتي بعمرتين عن نفسه، فإنّ المانع إنّما هو إتيان المكلّف بعمرتين عن نفسه في شهر قمري واحد، أمّا إذا أتى المكلّف بعمرة عن نفسه، ثمّ أتى المكلّف بعمرة أُخرى عن والده، وثالثة عن أخيه، ورابعة عن زوجته، وهكذا، فلا مانع من ذلك، بل يُستفاد منه الاستحباب؛ وذلك لأنّ عدم المانع مع كون العمرة المأتي بها عبادة، يقتضي الاستحباب، كما أنّ عدم المانع بالإضافة إلى إطلاق الأدلّة الدالّة على استحباب العمرة يقتضي الاستحباب أيضاً.

الثانية: إنّ النهي هنا بمعنى عدم الصحّة، لا الحرمة التكليفيّة كحرمة شرب الخمر، أو الربا، أو الزنا. وعليه، فإنّ النهي من تكرار العمرة في شهر واحد ـ استناداً إلى ما فهمه القوم من مفهوم العدد في النصوص ـ يعني عدم صحّة العمرة الثانية. نعم، مَن ذهب إلى تشريع عمرتين في شهر واحد، وقد اختار أنّ لكلّ شهر عمرة، فإنّ الحرمة حينئذ تكون تشريعيّة، ولكنّها لا تقتضي الحرمة التكليفيّة أيضاً.

الثالثة: قال المحقّق الخوئي (قده) بأنّ «الظاهر عدم اعتبار الفصل بين العمرة المفردة، وعمرة التمتّع، فمَن اعتمر عمرة مفردة، جاز له الإتيان بعمرة التمتّع بعدها، ولو كانت في نفس الشهر، وكذا يجوز له الإتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من أعمال الحجّ، فإنّ الروايات المانعة عن إتيان العمرتين ناظرة إلى تكرار العمرة المفردة في شهر واحد، فإنّ قوله (عليه السلام): «يعتمر لكل شهر عمرة» في موثّق إسحاق المتقدّم منصرف إلى العمرة المفردة، و لا يشمل عمرة التمتّع؛ لأنّ‌ عمرة التمتّع لا يجوز الإتيان بها إلّا في أشهر الحجّ، و لا تشرع إلّا مرّة واحدة في السنة»[1] .

 


logo