« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

46/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

هل اللازم في تعيين أُجرة المثل .../فصل في الوصيّة بالحجّ /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الوصيّة بالحجّ /هل اللازم في تعيين أُجرة المثل ...

 

(مسألة4): هل اللازم في تعيين أُجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس أُجرة، أو يُلاحظ أُجرة مَن يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني، والأحوط الأظهر الأوّل، ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً[1] .

إنّ هذه المسألة مفروضة على صورة اختلاف مراتب أُجرة المثل نظراً لاختلاف الناس من حيث العلم والفضيلة والمكانة والكرامة والثقافة والسياسة والكياسة ونحو ذلك، مع اشتراك الجميع في أنّهم بشر على حدّ سواء، فإنّ أُجرة العالم أو الشريف تختلف عن أُجرة الجاهل والوضيع الذي يعمل الرذئل والخبائث، وبعد اختلاف طبقات الناس في الأُجرة، هل اللازم في تعيين أُجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس أُجرة، أم لا بُدّ من مراعاة شأن الميّت في الشرف والضِّعة بحيث يُستأجر مَن يناسب شأن الميّت؟

ثمّ الظاهر أنّ هذه المسألة في مورد حجّة الإسلام التي تخرج من أصل التركة؛ لأنّ المصنّف (قده) نظّر المقام بمسألة كفن الميّت الذي يخرج من الأصل، فبما أنّ تجهيز الميّت وتكفينه يُخرج من الأصل، فكذلك الحجّ الواجب الذي يخرج قيمته من الأصل هو حجّة الإسلام.

قال صاحب العروة (قده) لا يبعد الثاني، أي: لا يبعد في تعيين أُجرة المثل مراعاة شأن الميّت في شرفه وضِعته، ثمّ قال بأنّ الأحوط الأظهر الأوّل، أي: الاقتصار على أقلّ الناس أُجرة، وإن لم يكن مناسباً لشأن الميّت.

أمّا كون الاقتصار على الأقل هو أظهر فإنّه لأجل أنّ الثابت على ذمّة الميّت طبيعي الحجّ، وهو كما ينطبق على الأقل ينطبق على الأكثر، ومع انطباقه على الأقل لا يجوز تطبيقه على الأكثر لأنّه تضييع لحقّ الورثة.

وقال السيّد الحكيم (قده) بأنّ الاقتصار على الأقل أصلح للميّت[2] .

وفيه: إنّ الأصلح للميّت هو استئجار شخص عالم بأعمال الحجّ وأحكامه ليحتاط في الطهارة والصلاة وسائر مناسك الحجّ، وليس الاقتصار على الأقل هو الأصلح للميّت.

وأمّا كون الاقتصار على الأقل هو الأحوط فإنّه لا وجه له؛ لأنّ المال مردّد بين كونه للميّت إذا وجب مراعاة شأنه، وبين كونه للورثة إذا لم يجب مراعاة شأن الميّت، فكيف يكون الاقتصار على الأقل أحوط مع احتمال كون المال وما يصرف في الحجّ راجعاً إلى الميّت نفسه؟ وأيّ احتياط هذا، ولذا فإنّ الاقتصار على الأقل يكون خلاف الاحتياط، لا أنّه هو الأحوط.

وقال المحقّق الخوئي (قده) بأنّ الأظهر هو الثاني، فإنّ اللازم في تعيين الأُجرة ملاحظة شأن الميّت وأن لا يكون هتكاً له، فإن النّاس يختلفون في الشرف والضِّعة، وليس كلّ شخص مناسباً لأن يكون أجيراً لذي الشرف والعز، والعبرة بحال الميّت من حيث الرفعة والضِّعة، كما هو الحال في الكفن، فإنّ الميّت يكفّن بما يناسب شأنه، وهكذا الحال في النائب الذي يحجّ عن الميّت، فلا بُدّ أن يكون مناسباً لشأن الميّت، والسيرة قائمة على ذلك، ويمكن استظهاره من بعض النصوص مثل قوله (عليه السلام): «يحجّ عنه من صلب ماله»[3] ، حيث يظهر منه أنّ قيمة الحجّ من مال الميّت ممّا يناسب شأنه واعتباره، وهذا هو المتعارف الخارجي، فإنّ أدلّة إخراج مصارف الحجّ من التركة ناظرة إلى المتعارف الخارجي، وهو يختلف حسب اختلاف الناس[4] .

ويمكن أن يقال انتصاراً لما ذهب إليه المحقّق الخوئي (قده): إنّ اللازم في تعيين الأُجرة ملاحظة شأن الميّت، بحيث لا يكون في ذلك هتك لشأنه وكرامته؛ لأنّ الميّت لا يرضى بتنفيذ وصيّته بطريقة فيها هتك وإساءة له. وعليه، لا يجوز استئجار الوضيع للحجّ عن الشريف إذا كان في ذلك هتك لشأنه وكرامته.

ويمكن أن يقال انتصاراً لما ذهب إليه المصنّف (قده): إنّ اللازم في تعيين الأُجرة الاقتصار على الأقل ما لم يكن في استئجاره هتك لشأن الميّت، فيجب العمل بالوصيّة وتطبيقها على الأقل إذا لم يكن النائب في الحجّ وضيعاً، بل كان متّقياً عابداً، وإن لم يكن عالماً مساوياً لشأن الميّت.

 


logo