« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

46/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ... وإذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر .../فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ... وإذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر ...

 

(مسألة21): إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ولم يمكنه الإتيان بهما إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلّا من أحدهما ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير أو تقديم حجّة الإسلام لأهمّيتها وجوه، أوجهها الوسط، وأحوطها الأخير، وكذا إذا مات وعليه حجّتان ولم تف تركته إلّا لإحداهما، وأمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد.

إنّ هذه المسألة في فرض كون حجّة النذر هي حجّة غير حجّة الإسلام، وأمّا إذا كانت حجّة النذر مطلقة فيأتي بحجّة تكون لهما معاً.

في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: إذا وجب عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ـ كما لو نذر أن يحجّ حجّة غير حجّة الإسلام ثمّ استطاع ـ ولم يتمكّن من الإتيان إلّا بأحدهما، إمّا لأجل ظنّ الموت أو عدم توفّر مال لهما أو نحو ذلك، فهل يُقدّم الأسبق منهما سبباً أو يتخيّر بين إتيان أحدهما أو تُقدّم حجّة الإسلام نظراً لأهمّيتها؟

قال صاحب العروة (قده): إنّ الأوجه من هذه الوجوه هو التخيير بين إتيان أحدهما، والأحوط هو تقديم حجّة الإسلام لأهمّيتها.

وفيه: إنّ التخيير بين إتيان حجّة الإسلام والحجّة المنذورة يعني أنّ كلاهما واجبان ومتساويان في الأهمّية، نظير التخيير بين وجوب انقاذ هذا العالم الغريق أو ذاك، ولكنّ الاحتياط في تقديم حجّة الإسلام يعني أنّها أهم أو محتمل الأهمّية من الحجّة المنذورة، ولذا لا يمكن الجمع بين التخيير وبين الاحتياط في تقديم حجّة الإسلام؛ لأنّ التخيير في مورد بينما التقديم في مورد آخر، فإنّ التخيير فيما لو كانت الحجّتان متساويتين في الأهمّية، بخلاف تقديم حجّة الإسلام فهو فيما لو كانت حجّة الإسلام أهم أو محتمل الأهمّية.

وأمّا تقديم الأسبق منهما سبباً فهو ليس بصحيح أيضاً؛ لأنّ الوجوب في الحجّ النذري قد لا يكون فوريّاً بل يكون موسّعاً وغير مقيّد بسنة الاستطاعة، بخلاف حجّة الإسلام، فإنّ وجوبها فوري ولا يجوز التسويف، ولذا لا يمكن تقديم الأسبق منهما بل يجب تقديم حجّة الإسلام مطلقاً، سواء تقدّم سببها أو تأخّر.

إذن الصحيح هو وجوب تقديم حجّة الإسلام ولو كان سبب وجوبها متأخّراً عن الحجّة المنذورة؛ لأهمّيتها أو لاحتمال الأهمّية.

الفرع الثاني: وقد فرّع صاحب العروة (قده) هذه الوجوه الثلاثة على حال الموت أيضاً، فقال: إذا مات وكان عليه حجّتان، أي: حجّة الإسلام والحجّ النذري، ولم تف تركته إلّا لإحدى الحجّتين، فهل يُقدّم الأسبق منهما سبباً أو يتخيّر بينهما أو تُقدّم حجّة الإسلام؟ فالأوجه هو التخيير، والأحوط هو تقديم حجّة الإسلام.

وفيه: إنّ تفريع هذه الوجوه الثلاثة على حال الموت غير صحيح أيضاً؛ وذلك لأنّ على مبنى صاحب العروة لا بدّ أن يقول بتقسيط ماله على الحجّتين (حجّة الإسلام وحجّة النذر)، وبما أنّ المال المقسّط بين الحجّتين لا يفي بأيّ حجّة كما هو الفرض فلا بدّ أن يكون المال لأحدهما، ولكن هنا لا بدّ أن يقول بقضاء حجّة الإسلام؛ لأنّها منصوصة على أن تخرج من أصل المال، وتُقدّم على كلّ دَين حتّى ديون الناس، ومن الروايات الدّالة على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ويترك مالاً؟ قال: عليه أن يُحجّ من ماله رجلاً صرورة لا مال له» [1] ، وغيرها، بخلاف قضاء حجّة النذر، ولتوضيح ذلك نقول:

توجد هنا ثلاثة صور:

الأُولى: لو مات الناذر وقلنا أنّه لا دليل على وجوب قضاء الحجّة المنذورة عنه لا من أصل التركة ولا من ثلثها، ففي هذه الصورة لا يقع التزاحم بين قضاء الحجّتين بل يتعيّن قضاء حجّة الإسلام؛ لأنّ الرويات تدلّ على وجوب قضائها من أصل التركة، بخلاف الحجّة النذورة، فإنّه لا دليل على وجوب القضاء عنها.

الثانية: لو مات الناذر وقلنا بوجوب القضاء عنه من ثلث التركة، ففي هذه الصورة لا يقع التزاحم بين قضاء الحجّتين أيضاً، بل يتعيّن قضاء حجّة الإسلام؛ لأنّ قضائها يخرج من أصل التركة، وبما أنّ تركة الميّت تكفي لحجّ واحد فقط فلا يبقى ثلث يمكن صرفه في قضاء الحجّة المنذورة.

الثالثة: لو مات الناذر وقلنا بوجوب القضاء عنه من أصل التركة، نظير وجوب قضاء حجّة الإسلام أو أداء الدّيون الشخصيّة، فمقتضى القاعدة في هذه الصورة تقسيط المال بين حجّة الإسلام والحجّة المنذورة، وبما أنّ المفروض تركة الميّت تكفي لحجّ واحد ولا يمكن تبعيض الحجّ، فإنّه لا بدّ من تقديم قضاء إحدى الحجّتين، والمتعيّن تقديم قضاء الأهم وهو حجّة الإسلام؛ لأنّها من أركان الإسلام وبني عليها الدِّين.

هذا كلّه فيما إذا كانت الحجّة المنذورة غير حجّة الاسلام، وأمّا الحجّة المنذورة إذا كانت حجّة الإسلام، فإنّه يأتي بحجّة واحدة، وهي تجزي عن الإثنين إذا قصدهما معاً.

(مسألة25): إذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه من غير تعيين وليس عليه كفّارة، ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفّارة أيضاً، وحيث إنّها مردّدة بين كفّارة النذر وكفّارة اليمين، فلا بدّ من الاحتياط، ويكفي حينئذ إطعام ستّين مسكيناً؛ لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً الذي يكفي في كفّارة الحلف.

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: إذا عُلم أنّ على الميّت حجّاً، ولكن لم يُعلم تفصيلاً أنّه حجّة الإسلام أو حجّة النذر، فإنّ صاحب العروة (قده) بما أنّه يقول بقضاء الحجّة المنذورة عن الميّت ذهب إلى وجوب قضاء حجّة عنه من غير تعيين أنّ هذه الحجّة هي حجّة الإسلام أو الحجّة المنذورة، بل يُؤتى بها بقصد الأمر المتوجّه إليه؛ وذلك لأنّ ذمّة الميّت مشغولة بوجود تكليف قضائي على كلّ تقدير، أي: إذا كان الواجب الذي تركه في حال الحياة حجّة الإسلام فيجب قضاؤه، وإذا كان الواجب المتروك في حال الحياة الحجّ النذري، فإنّه يجب قضاؤه أيضاً حسب مختار المصنّف (قده)، ولذا يتنجّز العلم الإجمالي، ويجب القضاء عنه لأجل تفريغ الذمّة.

ولكن ليس عليه كفّارة؛ لأنّ الكفّارة إنّما تترتّب على حنث النذر عمداً، وهو غير ثابت في المقام حيث إنّه لم يعلم تفصيلاً أنّ الفائت في حال الحياة هو الحجّ النذري، إذ إنّ الفائت مردّد بين ما لم يجب في تركه ثبوت الكفّارة كحجّة الإسلام، وبين ما يجب في تركه ثبوت الكفّارة كالحجّ النذري، وبالتالي لم يتنجّز العلم الإجمالي لعدم العلم بثبوت الكفّارة على كلّ تقدير، بل إنّها تثبت على تقدير واحد فقط. وبناء على ذلك، نشكّ في أصل ثبوت الكفّارة فتجري البراءة العقلية والشرعيّة.

نعم، بناء على أنّه لا يجب القضاء عن الحجّ النذري، كما اختاره المحقّق الخوئي (قده)، فإنّه لا يجب القضاء عن الميّت أصلاً؛ لأنّه لا يُعلم باشتغال ذمّته على كلّ تقدير، وبالتالي لم يتنجّز العلم الإجمالي، فإنّ الفائت في حال الحياة إذا كان الحجّ النذري لا يجب القضاء عنه حسب الفرض، وأمّا الفائت إذا كان حجّة الإسلام فيجب القضاء عنه، ولكنّ ثبوت القضاء على هذا التقدير (كون الفائت هو حجّة الإسلام) مشكوك يُنفى بأصالة البراءة؛ لأنّه شكّ في أصل التكليف.

وقد يقال: بناء على وجوب القضاء عن الميّت كما عليه صاحب العروة (قده)، فإنّه يلزم الاحتياط، ويجب عليه الإتيان بحجّتين لا حجّة واحدة من غير تعيين.

فإنّه يقال: الإتيان بحجّة واحدة من غير تعيين هو الصحيح وفقاً لما ذهب إليه صاحب العروة (قده)؛ لأنّ الاحتياط الذي يوجب تكرار العمل هو في مورد دوران الوجوب بين فردين متباينين بنحو لا يمكن قصدهما معاً بفرد واحد، ومثال ذلك: لو كان المكلّف يعلم بأنّ الواجب عليه إمّا ذبح ذبيحة في اليوم السابع من محرّم وفاء لنذره أو إعطاء مبلغ معيّن للخطيب الذي يقرأ في هذا اليوم، فإنّه يجب عليه الاحتياط، ومقتضى الاحتياط هنا تكرار العمل والإتيان بالعملين معاً، أي: ذبح الذبيحة وإعطاء المبلغ؛ لأنّه لا يعلم بأحدهما على التعيين، مع أنّه يعلم بوجوب أحدهما عليه.

وأمّا الكلام هنا فيما لو دار وجوب القضاء بين حجّة الاسلام وبين الحجّ النذري، فإنّه يمكن إتيان حجّة واحدة بقصد الأمر المتوجّه إليه من دون تكرار العمل؛ لأنّه دار الأمر بين وجوبين غير متباينين، فإنّ حجّة الإسلام والحجّ النذري عملهما واحد، وعليه أن يأتي بحجّة واحد من غير تعيين، وإنّما يقصد الأمر المتوجّه إليه وإن لم يعلمه، وهذا يجزي عمّا في ذمّته.

إذن الاحتياط في المقام ليس تكراريّاً، بل إنّما الاحتياط هنا لأجل القطع بتفريغ الذمّة، وعليه فإنّ ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) ـ حسب مبناه ـ صحيح، ويجب قضاء حجّة واحدة عن الميّت بقصد الأمر المتوجّه إليه، ولا حاجة إلى التكرار.

 


logo