46/03/13
لو نذر أن يُحجّ رجلاً في سنة معيّنة فخالف... ولو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط.../فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /لو نذر أن يُحجّ رجلاً في سنة معيّنة فخالف... ولو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط...
الفرع الثالث والرابع: إذا نذر أن يُحجّ رجلاً في سنة معيّنة أو غير معيّنة ولم يتمكّن من الوفاء به في كلا الفرضين حتّى مات فهل يجب القضاء عنه من أصل التركة أو لا؟ وجهان، ذهب المصنّف (قده) إلى وجوب القضاء عنه؛ لأنّ نذر الإحجاج واجب مالي وهو دَين، بخلاف ما إذا نذر أن يحجّ بنفسه ولم يتمكّن حتّى مات، فإنّه لا يجب القضاء عنه؛ لأنّ نذر الحجّ لنفسه لم يكن واجباً مالياً بل كان واجباً عمليّاً.
وقد ناقش المحقّق الخوئي (قده) ذلك، فقال [1] : إنّ نذر المتعلّق بالمال (نذر إحجاج الغير) إذا كان على نحو نذر النتيجة، كما لو نذر إذا شافى الله ولده من المرض العضال يكون مديناً لزيد، فالأمر كما ذكره المصنّف (قده) وبنذر الإحجاج يكون مديناً للغير، ولذا يجب القضاء عنه من أصل التركة، ولكن نذر النتيجة باطل ولا نقول بصحّته.
نعم، شرط النتيجة يصحّ في الأمور التي لا تتوقّف على لفظ معيّن كالوكالة، كما لو قال: «إذا أشرقت الشمس صباحاً فأنت وكيلي»، وأمّا الأمور التي يتوقّف ايجادها على لفظ أو سبب خاص كالطلاق والزواج والعتق والصدقّة والدَّين وغيرها، فلا يصحّ فيها شرط النتيجة، فلو قال: «إذا خرجت زوجتي من البيت فهي طالق»، فهذا الطلاق يكون على نحو شرط النتيجة وهو باطل؛ لأنّه يستلزم وقوع الطلاق بخروج الزوجة من البيت لا بالصيغة المختصّة به (أنتِ طالق). وكذا لو قال: «إذا خرجت زوجتي من البيت فعبدي حرّ لوجه الله تعالى»، أو قال: «إذا لم أصلّ صلاة الصبح فأموالي صدقة»، أو قال: «إذا فعلت كذا فابنتي زوجة لفلان»، فإنّ شرط النتيجة لا يصحّ في هذه الموارد؛ لأنّه يستلزم وقوع نتيجة العقد من دون اللفظ أو السبب الخاص المعتبر فيها.
وأمّا نذر المتعلّق بالمال فإنّه إذا كان على نحو نذر الفعل (شرط الفعل) فالمنذور هنا هو الفعل والعمل، أي: الإعطاء والبذل لإحجاج الغير، ولا يكون مديناً له، فإذا فرضنا أنّه لم يتمكّن من الوفاء به كشف ذلك عن عدم انعقاد النذر في ظرفه، لاعتبار القدرة في ظرف العمل بالنذر.
إذن لو نذر أن يُحجّ رجلاً في سنة معيّنة أو غير معيّنة ولم يتمكّن من الوفاء به في كلا الفرضين حتّى مات لا يجب القضاء عنه خلافاً لما ذهب إليه المصنّف (قده).
(مسألة13): لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط كمجيء المسافر أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك وتمكّنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه، إلّا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّاً حينه، ويدلّ على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كان له جارية حُبلى فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يحجّه أو يحجّ عنه، حيث قال الصادق (عليه السلام) بعد ما سُئل عن هذا: «إنّ رجلاً نذر في ابن له إن هو أدرك أن يُحجّه أو يُحجّ عنه، فمات الأب وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يُحجّ عنه، مما ترك أبوه»، وقد عمل به جماعة، وعلى ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة كما تخيّله سيد الرياض، وقرّره عليه صاحب الجواهر وقال : إن الحكم فيه تعبّدي على خلاف القاعدة [2] .
لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط ـ كمجيء المسافر أو شفاء المريض ـ فمات الناذر قبل تحقّق الشرط، مع فرض تمكّنه من النذر، فقد ذهب صاحب العروة (قده) إلى صحّة النذر ووجوب القضاء عنه.
ولكنّ المحقّق الخوئي (قده) قال: إنّ مقتضى القاعدة بطلان النذر مطلقاً سواء تعلّق النذر بالحجّ المباشري أو بالإحجاج المطلق أو المعلّق على شرط؛ لأنّ القدرة في ظرف العمل شرط في انعقاد النذر، والموت قبل تحقّق الشرط يكشف عن عدم القدرة فلا ينعقد من الأوّل. وقد عرفت أيضاً أنّ نذر الإحجاج ليس ديناً بل هو نذر للفعل والعمل: أي: يجب عليه إعطاء المال وبذله لإحجاج الغير [3] .
فإذا كان مقتضى القاعدة بطلان النذر، لماذا ذهب صاحب العروة (قده) إلى وجوب القضاء؟ وفي الجواب نقول: صحيحة مسمع تدلّ على وجوب القضاء في نذر الإحجاج ولو كان النذر باطلاً ومات الناذر قبل التمكّن منه، وقد عمل بها المشهور، وهي قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كانت لي جارية حُبلى فنذرت لله عزّ وجلّ إن ولدت غلاماً أن أُحجّه أو أُحجّ عنه، فقال: إنّ رجلاً نذر لله عزّ وجلّ في ابن له، إن هو ادرك أن يُحجّ عنه أو يُحجّه فمات الأب، وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الغلام، فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يُحجّ عنه ممّا ترك أبوه» [4] .
إذن ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) من وجوب القضاء صحيح؛ لدلالة هذه الصحيحة عليه، وغاية الأمر يقول صاحب العروة (قده) بصحّة النذر أيضاً حيث إنّه يرى أنّ نذر الإحجاج واجب مالي وهو من قبيل الدَّين ـ كما تقدّم في المسألة السابقة ـ ولكنّ المحقّق الخوئي (قده) خالفه في ذلك وذهب إلى بطلان النذر؛ لأنّ الموت يكشف عن عدم القدرة فلا ينعقد من الأوّل.
وحتّى على فرض بطلان النذر نقول بوجوب القضاء هنا؛ لدلالة هذه الصحيحة على الوجوب، ولا دليل على أنّ القضاء متفرّع على الأداء، ولذا لو نذر المكلّف أن يصوم كلّ جمعة وصادف جمعة منها يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى أو كان مريضاً أو مسافراً فيها، فإنّه يجب عليه القضاء وإن كان النذر باطلاً لعدم الرجحان في متعلّقه، وقد دلّت صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة على ذلك.
وأمّا في وجوب القضاء عنه من الأصل أو الثلث ففيه خلاف؛ لأنّ صحيحة مسمع لم تصرّح بكون الوجوب من الأصل أو الثلث، ومقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) «يُحجّ عنه ممّا ترك أبوه» جواز الخروج من الأصل، ولكن بازائها صحيحتا ضريس الكناسي وعبد الله ابن أبي يعفور حيث إنّهما تدلّان على وجوب القضاء من الثلث، ومقتضى الجمع بين الطائفتين وجوب القضاء عنه من الثلث لا من الأصل.
والحاصل: إذا نذر الحجّ المباشري ومات قبل تحقّق الشرط ـ كما لو نذر أن يحجّ بنفسه ومات قبل شفاء ولده من المرض أو قبل مجيء المسافر ـ لا دليل على وجوب القضاء عنه لا من الأصل ولا من الثلث، وأمّا لو نذر الإحجاج ومات قبل تحقّق الشرط فيجب القضاء عنه من الثلث حسب مقتضى الجمع بين الروايات، ولا فرق في وجوب القضاء عنه من الثلث إذا كان نذر الإحجاج معلّقاً على شرط أو مطلقاً؛ لأنّه إذا ثبت وجوب القضاء في الإحجاج المعلّق كذلك يثبت في الإحجاج المطلق بطريق أولى.
ولكنّ المحقّق الخوئي (قده) قال: «بل يمكن أن يقال بشمول خبر مسمع لنذر الإحجاج المطلق أيضاً» يعني دلّت الصحيحة على أنّ نذر الإحجاج يجب قضاؤه بعد الموت سواء كان مطلقاً أم معلّقاً، تمكّن منه أم لا.
ولنا أن نناقش المحقّق الخوئي (قده)، فنقول: نذر الإحجاج المطلق ليس موجوداً في الصحيحة بل هي وردت في نذر الإحجاج المعلّق فقط، فجاء الجواب: «أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يُحجّ عنه ممّا ترك أبوه»، هذا هو الذي نذر الحجّ المعلّق فقط. نعم، لو قال النبي (صلى الله عليه وآله): مَن نذر الإحجاج ومات يجب أن يحجّ عنه من ماله، كانت الصحيحة تدلّ على نذر الإحجاج مطلقاً سواء كان معلّقاً أو ليس بمعلّق، ولكن الموجود والمنصوص والنص فيها هو نذر الإحجاج المعلّق وإن لم يتمكّن منه الناذر، ومع هذا نقول: إذا وجب قضاء نذر الإحجاج المعلّق فكذلك يجب قضاء نذر الإحجاج المطلق بالأولويّة، لا أنّ الصحيحة تدلّ عليه، فلاحظ.