« قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/11/17

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا نذر الحجّ من مكان معيّن/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين /إذا نذر الحجّ من مكان معيّن

 

(مسألة7): إذا نذر الحجّ من مكان معيّن كبلده أو بلد آخر معيّن فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته ووجب عليه ثانياً، نعم لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفّارة، لعدم إمكان التدارك، ولو نذر أن يحجّ من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحجّ من مكان كذا وخالف فحجّ من غير ذلك المكان برأ من النذر الأوّل، ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر الثاني، كما أنّه لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنّه يجزيه عن حجّة الإسلام ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر [1] .

هذه المسألة فيها ثلاثة فروع:

الفرع الأوّل: إذا نذر الحجّ من مكان معيّن كبلده أو بلد آخر فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته ووجب عليه الحجّ ثانياً من ذلك المكان وفاء لنذره؛ لأنّه نذر أن يحجّ من مكان معيّن ولم يأت بالمنذور فحجّ من غير ذلك المكان، وبما أنّ نذره غير مقيّد بسنة معيّنة يجب عليه الحجّ مرة أُخرى من ذلك المكان المعيّن حتّى يتحقّق امتثال الأمر النذري. وهذا نظير ما لو نذر شخص أن يعطي درهماً لزيد إذا شافى الله ولده فأعطاه لعمرو، فأنّه يجب عليه أن يعطي درهماً ثانياً لزيد حتّى يسقط النذر عن ذمّته؛ لأنّ المنذور وهو إعطاء الدرهم لزيد يبقى في ذمّته ولا يسقط بإعطائه إلى عمرو حيث إنّ الذي وجب عليه هو أن يعطي حصّة خاصّة من الطبيعة فلا يجزئ عنه إتيان الطبيعة في ضمن فرد آخر لم يتعلّق به النذر؛ إذ لا يتحقّق الامتثال بالنسبة إلى الأمر النذري إلّا بإتيان متعلّقه.

الفرع الثاني: إذا نذر الحجّ من مكان معيّن وعيّنه في هذه السنة فحجّ فيها من غير ذلك المكان، فإنّه يجب علىه الكفّارة لمخالفة النذر، ولا يجب عليه الحجّ مرّة أُخرى؛ لعدم إمكان التدارك من جهة أنّه قيّد نذره في سنة معيّنة ولم يكن مطلقاً حتّى يمكن التدارك بإتيانه في سنة أُخرى.

 

الفرع الثالث: إذا كان النذر متعدّداً كما لو نذر الحجّ مطلقاً من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً ثانياً بأنّه يأتي بالحجّ المنذور من مكان معيّن فخالف وحجّ من غير ذلك المكان، فقد ذهب المصنّف (قده) إلى أنّه برئت ذمّته من النذر الأوّل؛ لأنّ متعلّق النذر كان طبيعي الحجّ وقد أتى به ولو من غير ذلك المكان فتحقّق الامتثال، وأمّا بالنسبة إلى النذر الثاني فقد أوجد له وجوباً آخر بإيجاد الحجّ في ضمن حصّة خاصّة وهذا الوجوب الثاني قد خالفه فتجب عليه الكفّارة؛ لأنّه كان مقيّداً بمكان معيّن وقد خالف ذلك.

وكذا لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد معيّن ولكنّه خالف فحجّ من بلد آخر، فإنّ الإتيان بالحجّ من غير البلد المنذور يجزي عن حجّة الإسلام؛ لأنّها غير مقيّدة ببلد معيّن وبالتالي يتحقّق الامتثال، ومع ذلك تجب عليه الكفّارة لمخالفة النذر.

وناقش المحقّق الخوئي (قده) ذلك، فقال: يُشترط في متعلّق النذر أن يكون راجحاً، كما إذا نذر أن يصلّي ركعتين إذا شافى الله ولده، ثمّ نذر نذراً ثانياً أن يأتي بها في المسجد أو في الحرم الشريف أو يأتي بها جماعة وغير ذلك، ففي هذه الحالة يكون المتعلّق في كلا النذرين أمراً راجحاً فينعقد النذران، وأمّا إذا لم يكن متعلّق النذر راجحاً فلا ينعقد، كما هو الحال بالنسبة إلى النذر الثاني في المقام؛ لأنّ الحجّ المنذور من بلد معيّن ـ كما لو نذر أن يحجّ من بغداد مثلاً ـ لا رجحان ولا خصوصيّة فيه فلا ينعقد النذر بالنسبة إليه، وهكذا لو نذر أن يصلّي ركعتين ثمّ نذر ثانياً أن يأتي بها في غرفة خاصّة، فإنّ هذا النذر الثاني لا ينعقد؛ لعدم رجحان الصلاة في تلك الغرفة.

إذن يكون النذر الثاني في المقام باطلاً؛ لعدم الرجحان في متعلّقه، ولا تجب عليه الكفّارة لو حجّ من غير ذلك المكان المعيّن؛ لأنّ نذره الثاني باطل [2] .

وقال المحقّق الحكيم (قده) في المستمسك: إتيان الحجّ من غير المكان الذي عيّنه باطل بالنسبة إلى النذر الأوّل، والحجّ المأتي به لا يكون وفاءً للنذر الأوّل فضلاً عن النذر الثاني؛ لأنّ نذره الثاني بأن يأتي بالحجّ المنذور من بلد معيّن يرجع معناه إلى أنّه «لا يحجّ إلّا من ذلك البلد المعيّن»، فإذا أتي بالحجّ من غير ذلك البلد فقد فوّت الموضوع وعجّز نفسه عن أداء المنذور، وهذا التعجيز حرام عقلاً، فيكون تجرّياً ولا يصحّ التعبّد به؛ لأنّ الحرام لا يكون مصداقاً لوجوب الوفاء بالنذر، فيبقى النذر الأوّل على حاله، ولا يسقط لو أتى بالحجّ من غير ذلك البلد المعيّن، ولذا يجب عليه الإتيان بالمنذور بعد ذلك، ولا تجب عليه الكفّارة؛ لأنّ الكفّارة إنّما تجب بترك المنذور، لا بمجرّد التجرّي في تركه وتفويته [3] .

ويردّ عليه: إنّ المتعلّق في النذر الثاني هو أن يأتي بالحجّ من البلد المعيّن وهو فرد خاص، وليس المتعلّق فيه عدم إتيان الحجّ في ضمن سائر الأفراد، فلا يرجع معنى هذا النذر إلى أنّه «لا يحجّ إلّا من ذلك البلد المعيّن». نعم، إنّ اللازم من وجوب إتيان الحجّ في ضمن ذلك الفرد الخاص هو أنّه لا يحجّ إلّا في ضمن ذلك الفرد، أي: إنّ اللازم من إتيان الحجّ المنذور من البلد المعيّن يقتضي أنّه «لا يحجّ إلّا من ذلك البلد المعيّن»، إلّا أنّ هذا اللازم ليس متعلّقاً بالنذر.

ويضاف إلى ذلك أنّ النذر الثاني إذا كان معناه يرجع إلى ترك الحجّ في ضمن سائر الأفراد، فإنّ هذا النذر لا ينعقد؛ لعدم الرجحان في متعلّقه.

والحاصل: إنّ معنى نذر الحجّ من بلد معيّن هو الإتيان به من ذلك البلد، وليس معناه المبغوضيّة إذا أتى به من غير ذلك البلد.

إذن هذا الفرع الثالث فيه ثلاثة أقوال، والصحيح منها ما ذهب إليه المحقّق الخوئي (قده) من بطلان النذر الثاني إذا لم يكن المتعلّق فيه راجحاً، ولا تجب عليه الكفّارة لو حجّ من غير ذلك المكان لبطلان النذر الثاني.


logo