47/05/25
-التنبيه الثالث ( هل يجري أصل البراءة في الشبهات الموضوعية أو لا ) - تنبيهات البراءة - أصالة البراءة - الأصول العملية.
الموضوع: - التنبيه الثالث ( هل يجري أصل البراءة في الشبهات الموضوعية أو لا ) - تنبيهات البراءة - أصالة البراءة - الأصول العملية.
التنبيه الثالث:- هل يجري أصل البراءة في الشبهات الموضوعية أو لا بعد الاتفاق على جريانه في الشبهات الحكمية؟
والكلام أنه مثلاً إذا لم نعلم بأنَّ التدخين - أصل التدحين - حرام أو لا فهل يجري أصل البراءة أو لا؟، أو مثلاً لو فرض أني وجدت شيئاً جزئياً خاصاً كما لو وجدت تفاحةً في مكانٍ ولا أدري أنها ملكي أو أنها ملك غيري فهل يجوز لي نتاولها تمسكاً بأصل البراءة لأني لا أدري هل هي مملوكة للغير أو لا فاتمسك بالبراءة؟ المعروف في مثل هذه المواضع جريان البراءة وعدم اخصاصه بالشبهات الحكمية بل يعم الشبهات الموضوعية أيضاً وذلك لاطلاق بعض أدلة البراءة، من قبيل ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام كل شيء فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )[1] .
هذا لكن الشيخ الأعظم ذكر في رسائله في المسألة الرابعة من مسائل الشبهة التحريمية[2] :- أنه قد يقال بعدم جريان أصل البراءة في الشبهات الموضوعية، بدعوى أنَّ وجوب الاجتناب عن كلّي الخمر مثلاً معلومٌ فيلزم من باب المقدمة العلمية ترك المشكوك، فأصل البراءة حينئذٍ لا يجري.
فإذاً يظهر منه الميل إلى عدم جريان أصل البرءاة في الشبهات الموضوعية.
وأما الشيخ الخراساني:- فقد فصّل بين ما إذا كان النهي انحلالياً إلى نواهٍ استقلالية - من قبيل حرمة شرب الخمر فهو منحل بعدد أواني الخمر فلو كانت مائة إناء خمر انحل النهي إلى مائة حرمة، فإذا شك المكلف في سائل في إناء جديد أنه خمر أو لا فذلك يعني الشك في حدوث حرمة جديدة غير الحرمات السابقة الموجودة في الأواني المائة المتيقنة وحينئذٍ تجري البراءة عن المشكوك، وهكذا الحال في بقية المحرمات مثل ( لا تأكل لحم الخنزير ) فإنه ينحل بعدد أفراد لحم الخنزير - وبين ما إذا لم يكن النهي انحلالياً فلا تجري البراءة، من قبيل النهي عن الأكل على الصائم فإنَّ النهي الثابت عن الأكل والشرب على الصائم هو نهيٌ واحدٌ عن الجميع - أو عن المجموع - ولا ينحل إلى نواهٍ متعددة بعدد الأفراد وإلا لو خالف الصائم وشرب شيئاً فسوف تثبت المخالفة بلحاظ فردٍ واحدٍ وأما بقية الأفراد فالنهي باقٍ بلحاظها، بل هو لا ينحل على نواهٍ استقلالية وإنما إذا أكل مرة فكأنه لم يمتثل رأساً، ويترب على هذا أنه متى ما شك في فعل أنه أكل أو لا كما في تزريق المغذّي في الوريد ففي مثل هذه الحالة لا تجري البراءة لأنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
ولك أن تقول:- قد فصَّل الشيخ الخراساني بين ما إذا كان النهي انحلالياً بعدد الأفراد وبين ما إذا لم يكن كذلك، فإن لم يكن انحلالياً جرت البراءة في الفرد المشكوك وإن كان انحلالياً لم تجرِ البراءة
وأما السيد البروجردي والشيخ علي الايرواني :- فقد فصّلا بين البراءة العقلية – قاعدة قبح العقاب بلا بيان - فلا تجري البراءة في الشبهات الموضوعية وبين البراءة الشرعية فإنها تجري فيها وقد ستندا إلى تعليلٍ واحد، وهو أنَّ البيان اللازم على الشارع المقدس هو لازم في باب الأحكام دون الموضوعات، يعني يلزم على الشارع المقدس أن يبيّن أنَّ الخمر حرام وأما أنه هذا السائل هو خمر أو ليس بخمر فهذا ليس من شأنه بيانه، ومعه فلا يصدق على العقاب في حالة ارتكاب المشكوك إذا كان خمراً واقعاً أنه عقاب بلا بيان حتى يصير قبيحاً عقلاً.
ومن الغريب أنَّ الشيخ النائيني ذكر روح هذا التفصيل الذي ذهب إليه الشيخ الايرواني والسيد البروجردي من دون نسبته إلى أحد وقد ناقشة بمناقشة واحدةٍ:- وهي أنَّ لفظ البيان يعني الظهور وهو مصدر لفعل بانَ بمعنى ظَهَرَ، والحكم الشرعي إذا كان مشكوكاً ولو من جهة الأمور الخارجية فحينئذٍ يصدق أنه لا بيان عليه، وبالتالي يحكم العقل بقبح القعاب على مخالفته.
وما أفاده غريب، فهو في كلامه كأنه يتعامل مع نصٍّ لفظي ويسير وراء ألفاظه لا أنه يتعامل معه بما أنه حكم عقلائي، فإنَّ قبح العقاب بلا بيان هو حكم عقلائي وليس حكماً شرعياً لفظياً.