47/05/05
-التغاير والاتحاد بين عنواني الميتة وغير المذكى من حيث الذات والحكم- بحث فقهي- التنبيه الأول- تنبيهات البراءة - أصالة البراءة - الأصول العملية.
الموضوع: - التغاير والاتحاد بين عنواني الميتة وغير المذكى من حيث الذات والحكم- بحث فقهي- التنبيه الأول- تنبيهات البراءة - أصالة البراءة - الأصول العملية.
انجر كلامنا إلى مسألة التذكية، وذكرنا أنَّ السيد الخوئي ذكر أنه يوجد لدينا عنوانان عنوان وجودي وهو عنوان الميتة وعنوان عدمي وهو غير المذكى، ثم ذكر أنه يوجد حكمان مترتبان على عنوان الميتة وحكمان مترتبان على عنوان غير المذكى، أما المترتبان على عنوان غير المذكى فهما حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فإنَّ الصلاة لا تجوز في غير المذكى كما لا يجوز أكل غير المذكى، وأما المترتبان على عنوان الميتة فهما النجاسة وعدم الانتفاع بالجلد النجس في الصلاة، وهذا واضح
والسؤال: - كيف نثبت أنَّ غير المذكى ترتب عليه حكمان بينما الحكمان الآخران ترتبا على عنوان الميتة؟
ذكر السيد الخوئي أنه بالنسبة إلى ترتب حرمة الأكل على غير المذكى يكفينا الآية الكريمة فإنها قالت:- ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾[1] ، فقوله تعالى ﴿ ألا ما ذكيتم ﴾ يدل على أنَّ المذكى حلال ويجوز أكله وأما غير المذكى حتى وإن كان من الحيوان الطاهر أو حلال الأكل لا يجوز أكله إلا مع التذكية، فغير المذكى ثبت عدم جواز أكله بالآية الكريمة، ففي الحقيقية يوجد عنوانان في الآية الكريمة للحرمة أحدهما الميتة، فالميتة حرام وثانيهما غير المذكى، وعلى هذا الأساس لا منافاة بين أن تكون الميتة قد حرمت في صدر الآية وفي ذيلها حرم غير المذكى.
وما هي الثمرة بين كون الحرمة مرتبة على عدم التذكية أو على عنوان الميتة؟
والجواب: - إنَّ الثمرة تظهر في حالة الشك، فلو شككنا في أنَّ هذا الحيوان مذكى أو غير مذكى - أما إذا جزم بأنه غير مذكى فهذا معناه الجزم بكونه ميتة فلا تظهر ثمرة حينئذٍ - فحينئذٍ لا يوجد جزم بكونه ميتة فيمكن آنذاك التمسك بأصالة عدم كونه مذكى فنثبت حرمة أكله، وهذا بخلاف ما إذا كانت الحرمة مرتبة على عنوان الميتة فحينئذٍ لا يمكن اثبات حرمة الأكل في المشكوك؛ إذ المشكوك لا يدرى أنه ميتة فلا يمكن اثبات حرمة أكله، لأنَّ الحرمة مترتبة على عنوان الميتة ومع الشك لا يمكن اثبات الحرمة.
أما بالنسبة إلى حرمة الصلاة في غير المذكى فالدليل عليه موثقة ابن بكير حيث ورد فيها :- ( ... فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه والبانه ولك شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه )، فهي دلت على أنه يحرم أكل لحكم الحيوان الذي لم يذكَّ وأيضاً تحرم الصلاة في جلد الحيوان الذي هو حرام الأكل سواء كان قد ذُكّي أو لم يُذَكَّ، فإذاً الصلاة لها حكم والأكل له حكم فإن الأكل لا يجوز إلا بالسنبة إلا إلى المذكى، وأما الصلاة فيعتبر فيها أن يكون اللباس مذكّى ولم يحرم أكله.
وأما بالنسبة إلى الحكمين الآخرين - النجاسة وحرمة الانتفاع - فهما مترتبتان على عنوان الميتة وليس على عنوان غير المذكى، فعنوان الميتة ثبت له النجاسة وحرمة الانتفاع، وهذا يمكن استفادته من بعض الروايات، ولكن نقول بقطع النظر عن الروايات يكفي لاثبات ذلك الشك، يعني إذا شك في أنَّ النجاسة وحرمة الأكل هل هما ثابتان لعنوان غير المذكّى أو لا فيكفينا التمسك بأصالة الطهارة والبراءة فإنه يتعين بذلك ثبوتهما - أي ثبوت النجاسة لعنوان الميتة - أي بأصالة الطهارة يثبت أنهما ثابتان لنعوان الميتة وليس لغير المذكى، فإذا شك بالنجاسة والحرمة أنهما ثباتان لعنوان غير المذكى أو لا فبأصالة الطهارة ننفي النجاسة وبأصالة البراءة ننفي الحرمة فيتعين ثبوتهما لعنوان الميتة، يعني أنَّ النجاسة والحرمة ثباتان لعنوان الميتة.
ثم قال السيد الخوئي[2] :- وباتضاح هذا نقول تارةً نجزم أنَّ هذا الحيوان لم يُذكَّ جزماً وأخرى يشكك في ذلك، فعلى الأول يكون ميتة وسوف تترتب عليه جميع أحكام الميتة، وعلى الثاني تارةً يفترض وجود أمارة تثبت أنه مذكّى كيد المسلم أو سوق المسلمين فهنا يحكم بالتذكية لوجود الأمارة على ذلك، وأخرى لا توجد أمارة فهنا تظهر الثمرة فإنه باستصحاب عدم التذكية يثبت أنه ليس مذكّى فتثبت حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه، لأنَّ جواز الصلاة وجواز الأكل مرتبان على عنوان المذكى، ولا تثبت النجاسة وعدم جواز الانتفاع فإنهما من أحكام الميتة وباستصحاب عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة إلا بنحو الأصل المثبت.