47/05/03
-بحث فقهي - أصالة عدم التذكية - تنبيهات البراءة- الاصول العملية.
الموضوع: - بحث فقهي - أصالة عدم التذكية - تنبيهات البراءة- الاصول العملية.
بحث فقهي: -
عرفنا ما سبق أنَّ جريان أصالة عدم التذكية يرتبط بكون التذكية أمراً بسيطاً أو أمراً مركباً، فإن كانت أمراً بسيطاً جرت أصالة عدم التذكية، وإن كانت أمراً مركباً لا يجري الأصل المذكور.
وعرفنا أنَّ عنوان الميتة يغاير عنوان غير المذكى، فأنَّ عنوان الميتة عنوان وجودي، بينما غير المذكى عنوان عدمي.
وعرفنا أيضا أنَّ النحاسة مترتبة على عنوان الميتة، بينما إذا كانت الميتة وغير المذكى عنوانان متغايران فنحن لابد أن نعرف أنَّ حرمة الأكل على أي عنوان تترتب والنحاسة على أيّ عنوان تترتب حرمة الأكل، فهل حرمة الأكل والنجاسة ترتبا على عنوانٍ واحدٍ وهو غير المذكى، أو أنهما ترتبا على الميتة، أو أنَّ النجاسة مترتبة على الميتة دون حرمة الأكل وإنما غير المذكى يترتب عليه عدم جواز الصلاة وحرمة الأكل؟، وكل هذه الأمور قد تقدمت وموضع بحثها هو علم الفقه وإنما أشرنا إليها هنا من باب المناسبة وتريد أن نتكلم الآن عن بعض هذه الأمور باختصار.
فنتكم أولاً عن أنَّ التذكية وهل هي أمر بسيط أو مركب؟، وأخرى نتكلم عن الميتة وأنها تغاير المذكى أو هما شيء واحد؟، كما نتحدث عن أنه ما هو الحكم الثابت على تقدير تغاير عنوان المذكى عن عنوان الميتة وما هي الأحكام المترتبة على الميتة وما هي الأحكام المترتبة على غير المذكى؟، هذه ثلاثة أبحاث نتعرض إليها بشكل مختصر.
البحث الأول: - بساطة التذكية وتركبها.
وقع الكلام في أنَّ التذكية أمر بسيط أو هي أمر مركب، وقد استظهر العلمان النائيني[1] والعراقي أنَّ التذكية أمر مركب، فهي عبارة عن الذبح مع بقية الشرائط، واستدلوا لذلك بأنَّ الآية الكريمة حينما قالت :- ﴿ حرمت عليكم الميتة والدم .... إلا ما ذكيتم ﴾، فهي قد نسبت التذكية إلى الفاعل، أي إلى الشخص الذي قوم بها وهذا يدل على أنّ التذكية هي فعل المذكّي، والمذكي فعله هو الذبح وسائر الشرائط الأخرى، فإذا كانت هي فعل المذكي فحينئذٍ يلزم أن تكون مركبة، لأنَّ الصادر من الفاعل هو الذبح والتوجه إلى القبلة وأن يكون الذبح بالسكين وغير ذلك من الشرائط فتصير أمراً مركباً.
وفي التعليق نقول:- يمكن أن ندّعي أنها أمر بسيط لكنها مسبَّبة عن مجموعة أمور من قبيل أن يكون الذبح بالجديد وأن تكون الذبيحة مستقبلة القبلة وغير ذلك من الشرائط، فالتذكية هي فعل الفاعل المذكي ولكن هذا الفعل إنما يتحقق باجتماع أمورٍ، فهذه الأمور ليست هي التذكية وإنما هي سبب للتذكية والتذكية هي وليدة هذه الأمور، وعلى هذا الأساس يصح نسبتها إلى الفاعل، يعني أنَّ الآية الكريمة حينما قالت ﴿ إلا ما ذكيتم ﴾ نسبت التذكية إلى الفاعل لا من باب أنَّ التذكية أمرٌ مركّبٌ بل من باب أنها أمر بسط لكنها تنشأ من فعل المذكّي مع سائر الأمور من السكّين والقبلة وباقي الأمور، فنسبة التذكية إلى الفاعل من باب أنه قد صدر منه سبب التذكية، فالتذكية صدرت من فعله، وهذا من قبيل أحرق فلان الورقة والحال أنَّ الذي أحرقها هو النار وإنما فلان هو الذي رمى الورقة في النار فهو السبب لتحقق احراق النار للورقة، فهو بإلقائه إياها صار سبباً لأن تحرق النار الورقة لا أنَّ الإحراق هو فعله بل الإحراق هو فعل النار، وكذلك الحال في موردنا فإنَّ التذكية هي عبارة عن فعل يصدر من المذكي، فالتذكية أمرٌ بسيطٌ تصدر من مجموعة أمور من سكين وقبلة وما شاكلهما ولكن هذا الصادر - وهو التذكية - هو أمر بسيط كما هو الحال بالسنبة إلى احراق النار، وهكذا الحال بالسنبة إلى وقلنا ( فلان قتل فلاناً ) والحال أنه طعنه بالسكين والسكين هي التي أخرجت الدم وقتلته، فهذا الفاعل ليس إلا سبب لأنه أدخل السكّين في بدن ذلك الشخص.
فإذاً المورد من قبيل فاعل وفعل، فالذي أحرق الروقة هو النار لا الملقي وإنما الملقي صار سببا لإحراق النار، وهكذا الحال في مقامنا فيمكن أن يقال إنَّ التذكية ليست فعلاً للقصّاب – كما ذهب إلى ذلك العلمان - بل القصّاب صدر منه سبب التذكية ونسب إليه المسبّب - وهو التذكية - رغم أنَّ التذكية ليست فعلاً له ولكن بما أنه كان سبباً لها نسبت إليه.
والنتيجة: - نتمكن أن نقول إنَّ التذكية ليست مركبة من أمور متعددة وإنما هي أمر بسيط وإنما نسبت إلى الفاعل من باب كونه السبب.
ومن الواضح إنَّنا لا نريد الجزم بهذا وإنما نبرزه على مستوى الاحتمال.
والأولى أن يقال: - إنَّ الذكية هي مفهوم بسيط باعتبار أنَّ كل لفظٍ واحد له مفهومٌ واحد لا مفاهيم متعددة، غايته أنَّ هذا المفهوم الواحد منتزع من مجموعة أمور، ولا يبعد أنَّ ذلك المفهوم الواحد للتذكية هو مفهوم بسيط وهو عبارة عن الطهاة والنظافة التي تسبَّبت عن الذبح وبقية الشرائط، فالتذكية هي أمر بسبيط مسبَّب من فعل الفاعل أو متحدة مع فعل الفاعل، ولعل الوجدان يقصي بذلك.