« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

47/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 -قول الاخباريين بلزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية وأدلتهم على ذلك والرد عليها- البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع: - قول الاخباريين بلزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية وأدلتهم على ذلك والرد عليها - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

 

وأما التقريب الأول فحاصله: - إنَّ العلم الإجمالي ينشأ إما من افتراض وجود شريعةٍ فإنَّ الإسلام شريعة ولازم الشريعة اشتمالها على أحكام بعضها وجوبية وأخرى تحريمية وإلا فشريعة من دون ووجود واجبات ومحرمات غير محتمل، وما دام توجد شريعة فحينئذٍ يحصل علم اجمالي بوجود تكاليف فإن لازم كون الإسلام شريعة هو وجود علم اجمالي بوجود أحكام وإلا فلا تكون شريعة.

أو أن نقول: إنَّ النصوص في الكتاب الكريم وفي وسائل الشيعة وغيره من كتب الأحاديث التي تثبت التكاليف لا يحتمل أنَّ جميع ما فيها هو ثابت، وبالتالي يحصل علم اجمالي بوجودٍ تكاليف.

ولازم هذا العلم الإجمالي هو وجوب الاحتياط، فكل ما نشك أو نحتمل أنه حرام يجب تركه، وكل ما نحتمل وجوبه يجب الاتيان به، فنطبق العلم الإجمالي ويثبت بذلك وجوب الاحتياط.

ونلفت النظر إلى أنَّ الشيخ الخراساني في كفايته ذكر هذا التقريب للعلم الاجمالي بهذا الشكل[1] : - وهو أنَّ هناك علماً اجمالياً باشتمال الشريعة على محرَّمات وواجبات.

والاشكال عليه واضح: - فإنَّ كلامنا هو أنّ الذي يجب فيه الاحتياط هو ما يحتمل فيه المحرمات يحرم الاتيان، فهو يختص بدائرة ما يحتمل التحريم أما دائرة الواجبات فلا يشملها، فكان من المناسب له حصر بيان العلم الإجمالي في خصوص المحرمات، فكل ما نشك في تحريمه يلزم اجتنابه.

وقد وقع الكلام في كيفية حل هذا العلم الإجمالي بعد أن اعترفنا بوجود علم اجمالي بوجود محرَّمات في شريعة الإسلام.

وفي كيفية حل هذا العلم الإجمالي نقول: - إنَّ العلم الإجمالي إما أن ينحل حقيقة، أو حكماً، أو تعبداً.

والفارق بين هذه الثلاثة، هو أنَّه في الانحلال الحقيقي أنَّ العلم الإجمالي يزول حقيقةً، كما إذا كنا نعلم بنجاسة أحد الاناءين حيث وقعت قطرة دم في أحدهما ثم نظرنا إليهما فوجدناها في الاناء الأول فهنا قد انحل العلم الإجمالي حقيقية، لأنَّ الاناء الأول يصير معلوم النجاسة وأما الثاني فيصير مشكوكاً بالشك البدوي.

وأما الانحلال الحكمي فيقصد منه أنَّ العلم الإجمالي باقٍ حقيقة ولكن أحد الطرفين يجري فيه أصل الطهارة أو أصل الحلية لأنه لداخل محل الابتلاء وأما الطرف الثاني لا يجري فيه الأصل لأنه خراج محل الابتلاء ولأنَّ اجراء الأصل فيه لغو، أو أنَّ أحدهما نجس والمكلف اضطر إلى تناول أحدهما فهنا يكون الانحلال حكمياً فإنه يجوز له تناول أحدهما.

والفارق بين هذا الانحلال وبين الأول هو أنَّ الأول العلم الإجمالي منحل حقيقة، وأما الثاني العلم الاجمالي موجود ولكن ليس له قابلية التنجيز.

وأما الانحلال التعبدي فهو ما يحصل بسبب الامارة، كما لو كان أحد الاناءين نجس وأتى الثقة وأخبر بأن النجس منها هو الأول، فهنا ينحل العلم الإجمالي ولكن انحلالاً تعبدياً لا حقيقياً، لأن خبر الثقة لا يولّد العلم حتى ينحل العلم الإجمالي حقيقةً بل هو حجة شرعاً، وغاية ما هناك أنه لا يكون للعلم الاجمالي تنجيز، فإنَّ الامارة تعبدنا بأن الطرف الأول نجس وأما الثاني فيجري فيه أصل البراءة أو الطهارة بلا مانع، وهذا ما يعبر عنه بالانحلال التعبدي، لأنَّ الامارة تعبّدنا بمضمونها.

الأجوبة على هذا العلم الإجمالي: -

الجواب الأول: - ما قد يخطر إلى الذهن، وهو أن يقال: صحيح أنه يوجد عندنا علم اجمالي بوجود محرّمات في الشريعة الإسلامية ولكن قد يقال إنَّ هذا العلم الإجمالي هو ثابتٌ قبل مراجعة الأمارات، وأما بعد مراجعتها فسوف لا يبقى علم اجمالي، لأنه يمكن تشخيص المعلوم بالإجمال من خلال تلك الأمارات، وبذلك ينحل العلم الاجمالي الذي يستند إليه الاخباريون في وجوب الاحتياط.

ولكن يقال: - ما المقصود من الانحلال فهل منه الانحلال الحقيقي، أو الانحلال الحكمي أو الانحلال التعبدي؟

أما الانحلال الحقيقي: فالعلم الإجمالي لا ينحل حقيقةً إلا بالعلم، والأمارات لا تفيد العلم وإنما تفيد الظن، وعليه فالانحلال الحقيقي لا يمكن تصوره من خلال الأمارات.

وأما الانحلال الحكمي - ببيان أنه في موارد وجود الأمارات لا يمكن الرجوع إلى الأصول العملية لوجود الدليل اجتهادي وهو الأمارة وتبقى الموارد الأخرى التي لا يوجد فيها أمارة مجرى للبراءة - فهذا له وجاهة وسيأتي الكلام عنه. وأما الانحلال التعبدي بمعنى أنه حينما جرت الأمارة في بعض أطراف العلم الإجمالي فحيث إنَّ المجعول في باب الأمارات هو العلمية - بناء على مسلك جعل العلمية - فحينئذٍ يحصل علمٌ تعبداً بكون النجاسة هي في هذه الأطراف التي قامت فيها الامارة فسوف ينحل العلم الإجمالي في الأطراف الأخرى، فهذا أيضاً كلامٌ له وجاهة وسيأتي التعرض إليه.


logo