47/03/21
-قول الاخباريين بلزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية وأدلتهم على ذلك والرد عليها- البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع: - قول الاخباريين بلزوم الاحتياط حتى في الشبهة البدوية وأدلتهم على ذلك والرد عليها - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الدليل الثالث: - حكم العقل، وله بيانان: -
البيان الأول: - التمسك بالعلم الإجمالي
البيان الثاني: - تطبيق اصالة الحظر.
أما البيان الثاني وهو تطبيق قاعدة الحظر فتقريبه أن يقال:- إنَّ كل ما في الوجود هو ملكٌ لله عزَّ وجل، فالسيجارة مثلاً هي ملك لله عزَّ وجل، وعود الثقاب هي ملكٌ لله عزَّ وجل أيضاً والشفتان التي تمسك السيجارة والأنف الذي يخرج منه الدخان هما ملك لله عزَّ وجل أيضاً، والتدخين هو تصرفٌ في ملك الله عزَّ وجل، فإنَّ كل هذه الأشياء هي ملك له، ومادامت ملكاً له فلا يجوز حينئذٍ التصرف في ملك الغير إلا بإحراز تجويز ذلك الغير، وعليه فلابد وأن نعلم أنَّ الله تعالى يجوَّز لنا استخدام السيجارة وعود الثقاب ووضع السيجارة على الشفة حتى يجوز لنا ها التصرف، والانسان بنفسه كله ملك لله عز وجل وهكذا جميع الأشياء، ومعه فلا يجوز التصرف بالتدخين فإن ذلك تصرّفٌ في ملك الغير - وهو الله عزَّ وجل - من دون احراز الإذن من قبله وإنما يلزم الاحتياط.
وقد سمعت هذا البيان من السيد الشهيد(قده) في مجلس بحثه الأصولي المبارك في مسجد الجواهري ليلاً مرة واحدة ولم يذكره مرة ثانية، كما أنه لم يسجل في كتبه ولا في تقريرات بحثه، ولكن رأيته بعد ذلك مذكوراً في بعض المصادر كتهذيب الأصول[1] ، ومنتقى الأصول[2] ، وكأن السيد الشهيد(قده) لا يقبل به.
والمناقشة التي يمكن أن يناقش بها هذا البيان أن يقال:- إنَّ الملكية التي ذكرت في هذا البيان هي ملكية حقيقة لا اعتبارية، فالإنسان ملك لله عزَّ وجل، وشفتاه ملك لله عزَّ وجل والاصبعان اللذان تكون بينهما السيجارة ملك له، والسيجارة ملك له أيضاً، وكل ما في الوجود هو ملك له عزَّ وجل بالملكية الحقيقية لا الاعتبارية، لأنه هو الخالق، والخالق هو مالك للذي خلقه، فهذه الملكية ملكية حقيقية وحينما نتصرف يكون تصرفنا تصرف في الملكية الحقيقية لله عزَّ وجل، فالإصبعان والفم ملك لله عزَّ وجل بالملكية الحقيقية، وحينما أضع السيجارة على الشفة أيضاً هذا ملك الله عزَّ وجل، فهذا التصرف كله هو تصرف في الملكية الحقيقية لله عزَّ وجل، وهذا ليس محل كلامنا، وإنما محل كلامنا هو في التصرف في ملك الغير بالملكية الاعتبارية، كالعباءة التي عندك فأنت تملكها بالملكية الاعتبارية لأنك لست موجداً لها حتى تكون مالكاً لها حقيقةً، فهذه الملكية اعتبارية فهل يجوز للآخرين أن يتصرفوا فيما هو مملوك لك بالملكية الاعتبارية أو لا، فمحل الكلام هو هذا وليس في الملكية الحقيقية فإن الملكية الحقيقية خارجة عن محل الكلام، وعليه فلا يمكن ثبوت عدم جواز التصرف في الملكية الاعتبارية فإنَّ هذا الدليل لا ينفع في اثبات عدم جواز التصرف في ملك الغير بالملكية الاعتبارية.
ونذكر شيئاً:- وهو أنه حتى لو أردنا أن نلاحظ الملكية الحقيقية ولكن مع ذلك لا يمكن التمسك بهذا البيان لاثبات أصالة الحظر - أي اثبات عدم الجواز - والوجه في ذلك: هو أنّ الله عزَّ وجل أذِنَ لنا بالتصرف في المملوك له تصرفاً اعتبارياً، حيث ورد في الكتاب الكريم قوله تعالى: ﴿ خلق لكم ما في الأرض جميعاً ﴾، وعليه فيجوز التصرف في جميع الاشياء المخلوقة لله عزَّ جل فإنه خلقها لنا، وعليه فلا يثبت بذلك عدم جواز التصرف في الأشياء لأنها ملوكة لله عزَّ وجل ولا يأتي كل هذا الكلام لأنَّ هذه الآية المباركة تبيّن أن الله عزَّ وجل جوز لنا التصرف في كل ما هو مملوك له على وجه الكرة الأرضية، وبالتالي لا معنى للتمسك بحكم العقل بلزوم الاحتياط بعد هذا التجويز، فالتصرف لا محذور فيه، ولا يثبت بذلك حكم العقل بعد جواز التصرف، أي لا يمكن اثبات أصالة الحظر بهذا البيان بعد تجويز الله تعالى لنا التصرف في ما هو ملك له إلا المحرمات.