« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

47/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 -الاستصحاب في الشبهات الموضوعية لاثبات البراءة - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع: - الاستصحاب في الشبهات الموضوعية لاثبات البراءة - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الاستصحاب في الشبهات الموضوعية لاثبات البراءة: -

كان كلامنا في مبحث البراءة والأدلة الدالة على أصل البراءة، وذكرنا أنه يدل عليه أولاً الكتاب الكريم، من قبيل قوله تعالى: ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ﴾، كما دلت عليه ثانياً والسنَّة الشريفة، من قبيل: ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، كما دلَّ عليه ثالثاً الاستصحاب.

والاستصحاب الذي يستعان به لاثبات أصل البراءة على أنحاءٍ ثلاثة: -

الأول: - استصحاب عدم التشريع الثابت قبل الشريعة، كما لو شككنا في حرمة التدخين مثلاً فنستصحب عدم المنع الثابت له قبل شريعة الإسلام، فنحن نجزم بعدم وجود المنع في ذلك الزمان فنستصحبه.

الثاني: - استصحاب عدم التشريع في صدر الشريعة الإسلامية، فبما أنَّ الشريعة كانت تدريجية ففي بدايتها لم يكن هناك تحريم للتدخين جزماً، فإنَّ الأحكام قد نُزّلت شُرّعت تدريجاً وليس دفعةً واحدة، فلو شككنا بعد الشريعة هل ثبت التحريم لشيء ما فسوف نستصحب ذلك العدم الثابت في بداية الشريعة.

الثالث: - استصحاب عدم التحريم الثابت قبل البلوغ، فالتدخين مثلاً لم يكن التحريم ثابتاً له قبل البلوغ فنشك هل ثبت التحريم بعد البلوغ أو لم يثبت فيستصحب عدم التحريم الثابت قبل البلوغ.

ثم إنَّ الشك في التكليف تارةً يكون بنحو الشبهة الحكمية، وأخرى يكون بنحو الشبهة الموضوعية، ومثال الأول الشك بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال، ومثال الثاني الشك في وجوب الدعاء للشك في تحقق الرؤية فيما إذا فرض أننا جزمنا بوجوب الدعاء عند الرؤية ولكن شككنا الآن هل تحققت الرؤية أو لم تتحقق فنستصحب عدم تحقق الرؤية أو عدم الوجوب بسبب عدم تحقق الرؤية.

وباتضاح هذا المطلب نقول: - إنَّ الشبهة الحكمية يمكن أن يقال فيها بجريان الاستصحاب بأحد الانحاء الثلاثة المتقدمة، ففي النحو الأول نقول إنه قبل الإسلام لم يجب الدعاء عند تحقق الرؤية، فإذا تحققت الرؤية بعد الإسلام نشك في وجوب الدعاء فنستصحب عدم الوجوب الثابت قبل الإسلام.

أو نستصحب عدم الوجوب في صدر الشريعة، فإنَّ الدعاء عند رؤية الهلال في صدر الشريعة ليس بواجب جزماً، فإذا شككنا في وجوبه الآن فنستصحب عدم الوجوب الثابت في صدر الشريعة حيث لم بكن الوجوب ثابتاً جزماً.

أو نستصحب عدم الوجوب الثابت قبل البلوغ، وهذا النحو من الاستصحاب هو الأقرب إلى النفس، فإذا كان الرائي غير بالغ لا يجب عليه الدعاء جزماً، فإذا بلغ يشك هل يجب عليه الدعاء أو لا فيستصحب عدم الوجوب أو قل يستصحب البراءة من وجوب الدعاء.

وأما إذا كانت الشبهة موضوعية والتي هي محل كلامنا: - كما لو فرض أننا شككنا أنَّ هذا السائل خمر أو ليس بخمر ففي مثل هذه الحالة نقول إنه قبل تحقق البلوغ لم يحرم تناول مشكوك الخمرية، وبعد أن حصل البلوغ يشك هل يحرم تناول هذا المشكوك أو لا فيستصحب عدم الوجوب الثابت في فترة ما قبل البلوغ.

والكلام هنا يقع في شيءً آخر: - وهو أنه هل يمكن أن نستصحب عدم حرمة تناول هذا السائل مشكوك الخمرية الثابت عدم حرمته قبل الإسلام ونقول إنه قبل الإسلام لم يكن يحرم تناوله جزماً إذ التكليف ليس بموجودٍ وبعد أن تحقق الإسلام نشك هل حرم تناوله أو لا فنستصحب عدم الحرمة الثابت قبل الإسلام أو لا يمكن ذلك؟

logo