46/11/12
-النقطة الحادية عشر ( شروط التمسك بحديث الرفع ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع: - النقطة الحادية عشر ( شروط التمسك بحديث الرفع ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
النقطة الحادية عشر: - شروط التمسك بحديث الرفع.
يشترط في التمسك بحديث الرفع عدة شروط: -
الشرط الاول: - أن يكون تطبيقه موجباً للامتنان.
فلو فرض أنَّ مورداً لم يكن تطبيق الحديث فيه موجباً للامتنان فلا يصح حينئذٍ تطبيقه فيه ولا يجوز، والوجه في ذلك هو أنَّ الحديث مسوق للامتنان فإذا لم يكن تطبيقه في المورد امتنانياً فحينئذٍ لا يمكن تطبيقه.
والدليل كون الحديث امتناني وجود قرينتين على ذلك: -
القرينة الأولى: - التعبير بكلمة ( رفع ) وهي تستعمل في موارد الامتنان عرفاً، فحتى عرفاً نقول مثلاً ( انا ارفع عنك المجيء إلى مجلسنا ) ، فهذا التعبير فيه دلالة عرفية على الامتنان.
القرينة الثانية: - ورود تعبير ( أمتي ) في الحديث وهو يستفاد منه الامتنان.
الشرط الثاني: - ألا يكون العمد مأخوذاً في الأثر الذي يراد تطبيق حديث الرفع فيه.
كبعض الكفارات فإنه أخذ في لسان دليلها العمد، كما في قوله تعالى:- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ ، فالآية الكريمة أخذت قيد التعمد، فلو فرض أنَّ شخصاً قتل الصيد سهواً وغفلة فهنا لا نحتاج إلى حديث الرفع لرفع الكفارة عنه، بل لا تثبت عليه الكفارة لأنَّ العمد قد أخذ في لسان الدليل وهو ليس بمتعمد، فالكفارة مرتفعة هنا حتى لو لم يوجد حديث الرفع.
ومثل ذلك سجود السهو في الصلاة، فإنه يتعين على المكلف سجود السهو في بعض الموارد في الصلاة، كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: - ( إذا كنت لا تدري أربعاً صليت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو ) ، فإنه حيث أخذ السهو في هذا الحديث الشريف، والمفروض في حديث الرفع أنه ناظر إلى الاثار اليت لسان دليلها مطلق فيرفعه حديث الرفع حالة السهو، أما إذا فرض أن السهو قد أخذ في لسان الدليل فهنا سوف لا نحتاج في رفع الأثر إلى حديث الرفع، بل الأثر سوف يرتفع وإن لم يوجد حديث الرفع لأنَّ الأثر ثبوته مقيد بالسهو فعند عدم السهو لا يترتب الأثر.
الشرط الثالث: - أن يكون الشيء الذي يراد تطبيق حديث الرفع فيه موضوعاً أو متعلقاً لحكم إلزامي، وأما إذا لم يكن موضوعاً لحكم إلزامي فلا يمكن تطبيق حديث الرفع آنذاك.
كما لو أكرهه شخص على ترك الصلاة في جزءٍ من الوقت وليس في كله بأن نهاه عن الصلاة في ساعةٍ من الوقت وأجبره على عدم الصلاة فيها، فهنا لا يمكن تطبيق حديث ( رفع ما استكرهوا عليه ) عليه، لأنه يمكنه الاتيان بالصلاة في بقية الساعات، نعم لو كان مكرهاً طيلة الوقت فهنا يمكن تطبيق حديث الرفع عليه.
الشرط الرابع: - ألا يفهم من لسان الدليل ترتب الأثر حتى مع فرض السهو.
كما في الجنابة، فلو فرض أن شخصاً أجنب سهواً أو نسياناً فهنا لا يمكن تطبيق حديث الرفع لرفع الأثر عنه - وهو الغسل فإنَّ الدليل قد دل على وجوب الغسل مطلقاً مادام قد تحققت الجنابة بأيّ شكلٍ من الاشكال - فإن دليلها مطلق - فلو فرض في المقام وجود سهوٍ فسوف لا يرتفع الأثر.
وهكذا الضمان بالإتلاف، فإنَّ دليل الضمان بالإتلاف وهو إما السيرة العقلائية أو قاعدة ( من اتلف مال الغير فهو له ضامن )، وهذا مطلق، فسواء كان الاتلاف عن سهو أو عن غيره سوف يترتب الضمان، ولا يمكن تطبيق حديث الرفع على المتلف الساهي أو المتخيل بأنَّ الشيء ملكه وليس ملك الغير ولا يمكن رفع الضمان بحيث الرفع.
وهكذا إذا مس المكلف الميت ولو سهواً فإنه سوف يجب عليه غسل الميت، فإنَّ الأثر سوف يترتب، لأنَّ دليل الأثر مطلق، وفي الحقيقة نتمكن أن نقول إنَّ دليل الأثر يصير مخصَّصاً لحديث الرفع، فمادام دليل الأثر مطلق فسوف يخصّص حديث الرفع فإن دليل ( من مسَّ ميتاً وجب عليه الغسل ) أو ( من خرج منه المني وجب عليه الغسل ) هو مطلق فيكون مخصّصاً لحديث الرفع.
الشرط الخامس: - ذكر البعض أنَّ من جملة شرائط تطبيق حديث الرفع أن يكون الأثر من الآثار الشرعية التي يكون رفعها ووضعها بيد الشارع وليس من الآثار العقلية.
وهاذ ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في بعض كلماته، كما أشار إليه الشيخ النائيني(قده) في فوائد الاصول، حيث قالا إنَّ الحديث لا يشمل المؤاخذة واستحقاق المؤاخذة لأنهما ليسا من الأمور الشرعية التي أمر رفعها ووضعها بيد الشارع بما هو شارع، فلا يمكن تطبيقه هنا.
ولكن يرد عليه: - إنَّ رفع المؤاخذة قد جاءت الإشارة إليه في الكتاب الكريم حيث قال على لسان المؤمنين: -﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾[1] ، فإذاً يمكن فرض أنَّ ذلك من الله عزَّ وجل وأنَّ هذا الرفع هو عن المؤاخذة أن نسينا أو أخطأنا، فإذا أمكن ذلك فحينئذٍ يمكن تطبيق بحديث الرفع في المقام.