46/11/05
-ارجح الاحتمالات في المقصود من حديث الرفع، جكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- ارجح الاحتمالات في المقصود من حديث الرفع، جكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
أرجح الاحتمالات في المقصود من حديث الرفع: -
ذكرنا ثلاثة احتمالات في المقصود من حديث الرفع الأول ما اختاره الشيخ الأعظم وهو أنه يوجد مقدَّر وهو إما خصوص المؤاخذة أو الأثر الظاهر أو مطلق الآثار، والثاني ما ذهب إليه الاعلام الثلاثة العراقي والنائيني والاصفهاني من التمسك بفكرة التنزيل بمعنى أنَّ ما صدر اضطرارا أو خطأً هو كلا خطأ ولا اضطرا وهكذا الحال في بقية فقرات الحديث، والثالث هو الرفع التشريعي وأنَّ ما صدر نسياناً أو اضطراراً لم يقع متعلّقاً للحكم - بالحرمة مثلاً - في عالم التشريع.
وفي بيان أرجح هذه الاحتمالات نقول: -
أما الاحتمال الأول: - فلا يمكن المصير إليه، لأنه يحتاج إلى تقدير إما المؤاخذة أو الأثر الظاهر أو مطلق الآثار، ومن الواضح أنَّ التقدير مخالف للأصل ويحتاج إلى دليل، أما إذا أمكننا المصير إلى احتمالٍ لا يحتاج إلى تقدير فيكون هو الأرجح، ولا يصار إلى ما يحتاج إلى تقديرٍ إلا مع الدليل عليه وهو مفقود هنا.
وأما الاحتمال الثاني:- فلا يمكن المصير إليه أيضاً، فإنه يتم فيما إذا كان الشيء وجودياً، يعني كان مورد الاضطرار شيئاً وجودياً وكان مورد النسيان شيئاً وجودياً، فإذا كان شيئاً وجودياً فنقول بما أنَّ هذا الشيء الوجودي قد صدر عن اضطرارٍ أو عن نسيانٍ فهو بحكم العدم ... وهكذا، وأما إذا فرض أنَّ الشيء كان عدمياً كما لو فرض أنَّ المكلف ترك الصوم نسياناً أو اضطراراً ففي مثل هذه الحالة لا يمكن أنَّ يشمله حديث الرفع؛ إذ لازم ذلك أنَّ النتيجة سوف تصير هي أنَّ تركه منزّل منزلة الوجود، فهو تُرِك اضطراراً أو نسياناً فإذا رفع فسوف يصير وجوداً وكأنه وُجِدَ منه الصوم، ومن الواضح إنَّ حديث الرفع ليس حديث إيجادٍ - فهو لا يُوجِد- بل هو حديث رفع، فهو يقول إنَّ ما تركته عن اضطرارٍ هو مرفوعٌ، لا أنه يريد أن يقول إنَّ ما تُرِك اضطراراً هو بمثابة الموجود، وعليه فلازم الأخذ بالاحتمال الثاني هو أن يصير حديث الرفع حديث إيجادٍ بينما لسانه لسان رفعٍ لا اثبات، فهو يرفع ما نسيت وما تركت لا أنَّه ينظر إلى ما أُوجِد، بل حينما قال ( رفع عن أمتي ) يعني ما تركته عن نسيانٍ أو خطأٍ أو اضطرارٍ هو مرفوع، بينما على هذا الاحتمال الثاني سوف يصير الحديث حديث اثبات لا حديث رفع، فلا يمكن المصير إليه.
وأما الاحتمال الثالث: - فهو المتعيّن والمناسب، وهو أنَّ يكون المقصود هو الرفع بلحاظ عالم التشريع، وحينئذٍ لو فرض أنَّ المكلف اضطر إلى ترك الصوم فرفع عنه، والرفع هنا بمعنى أنَّ ترك الصوم في عالم التشريع لم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة أو الكفارة أو غير ذلك فهو يرفع بلحاظ عالم التشريع، يعني إنَّ ما تُرِك نسياناً وما اضطُرَّ إلى تركه الذي لم يعلم بوجوبه هو بمثابة العدم في عالم التشريع، يعني أنه لم يقع في عالم التشريع موضوعاً للمؤاخذة والعقاب.
الحكم الثامن: - حكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية.
لا اشكال في أنَّ النسبة بين حديث الرفع وبين الأدلة الأولية للأحكام هي العموم والخصوص من وجه، فدليل وجوب الصوم مثلاً يقول ﴿ كتب عليكم الصيام ﴾ وهو بإطلاقه يشمل حالة ما إذا كان يمكن الاتيان به أو اضطر إلى تركه أو نسيه، فهذا الحكم يثبت التكليف حتى في مورد النسيان والاضطرار، بينما حديث الرفع يرفع التكليف في خصوص النسيان أو الاضطرار، وعليه فالنسبة بين حديث الرفع وبين أدلة الاحكام الأولية هي العموم والخصوص من وجه، فإنَّ تلك الأدلة تثبت الحكم حال الاضطرار وغيره وأما حديث الرفع فهو يرفع الحكم حالة الاضطرار وشبهه، وعليه فكل واحدٍ منهما يشمل الآخر، ولكن رغم كون النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه إلا أنه مع ذلك يقدم حديث الرفع للحكومة.