46/10/22
-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية ( حديث الرفع ) - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية ( حديث الرفع ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
السؤال الثالث:- ذكرنا أنَّ المكلف إذا شك بعد الانتهاء من الحمد أنه قرأ السورة أو لا فإن كان الشك قبل تجاوز المحل لزم الاتيان بها مادام لم يتجاوز المحل للاستصحاب ولقاعدة الاشتغال اليقيني يستعدعي الفراغ اليقيني.
هذا ولكن قد يقول قال:- لماذا لا نطبق حديث الرفع - أي ( رفع عن امتي ما لا يعلمون ) - فإنَّ الملكف بالتالي لا يعلم أنه مطالبٌ ومأمورٌ بالسورة لأحتمال أنه قد قرأها فنرفع وجوبها وجزئيتها بتطبيق حيدث الرفع؟، فمادمت أحتمل أني قد قرأتها فحينئذٍ لا اعلم بوجوب قراءتها ولا أعلم بجزئيتها الآن لاحتمال أني قد أتيت بها فنطبق حديث الرفع ونرفع عنّا وجوب السورة؟، فلماذا حكمنا عليه بأنَّ هذا شكٌ في المحل ويلزمه الاتيان بالسورة واستندنا في ذلك إلى الاستصحاب؟
قلت:- لا يبعد أن يقال إنَّ حديث الرفع منصرفٌ عن حالة العلم بالتكلي والشك في تفريغ الذمَّة، بل المتبادر منه والشامل لها والتي هي مصداق له هي حالة ما إذا فرض أنه شك في أصل التكليف لا ما إذا كان التكليف معلوماً وشك في تفريغ الذمَّة منه، فإنَّ كلامنا هنا أنَّ المكلف كان يعلم بوجوب السورة بعد الحمد ولكنه يحتمل أنَّ ذمته فرغت منها باعتبار أنه قرأها، فالتكليف بقراءتها كان موجوداً جزماً ولكن يشك في فراغ الذمة بسبب الامتثال، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال إنَّ حديث الرفع لا يشمل المورد، وهذه قضية وجدانية وليست علمية.
عودةٌ إلى صلب الموضوع:- قلنا فيما شيق اننا نطرح أربعة أسئلة ونجيب عنها، وقد طرحنا سؤالين منها وأجبنا عنهما وبقي سؤالان، وكان السؤال الأول هو أنه هل حديث الرفع يشمل جميع الاحكام التكليفية بما في ذلك الاباحة أو لا يشمل الاباحة؟، وكان السؤال الثاني كان هو أنَّ حددث الرفع هل يشمل الاحكام الضمنية كالجزئية والشرطية أو لا يشملها؟ وقد اجبنا عن هذين السؤالين، ونطرح الآن السؤالين الآخرين.
السؤال الثالث:- هل حديث الرفع يشمل الاحكام الوضعية كالطهارة والنجاسة؟
السؤال الرابع:- هل يشمل حديث الرفع الاحكام الوضعية كالبيع أو لا يشملها؟
وأما جواب السؤال الثالث فنقول:- من الواضح أنَّ الاحكام الوضعية متعددة وسوف نتعرض إلى الأهم منها وهو مسألة الطهارة والنجاسة، وأنه هل يمكن تطبيق حديث الرفع في المقام أو لا؟، فأنا مثلاً لا أعلم هل تنجست عباءتي أو لا فارفع النجاسة بحديث الرفع، وإذا كانت طهارة فسوف أرفع الطهارة بحديث الرفع، فهل هذا التطبيق صحيح أو ليس بصحيح؟
وهنا نقول:- أما الطهارة فلا يمكن أن يشملها حديث الرفع، لأنَّ حديث الرفع جاء للامتنان على العباد، وهذا ما دل عليه لسانه فإنه يقول ( رفع عن أمتي ) فإن تعبير الرفع يفهم منه الامتنان، وكذلك تعبير ( أمتي ) يفهم منه الامتنان أيضاً، فإذا كان لسانه لسان امتنانٍ فحينئذٍ لا يمكن أن يرفع الطهارة؛ إذ لو رفعها فسوف تصير النتيجة ضد الامتنان، وعليه فالطهارة لا يمكن أن يشملها حديث الرفع لأنه وارد مورد الامنتنان ورفع الطهارة يلزم منه خلف الامتنان.
والمهم هو الكلام عن مورد النجاسة، وقد يقول قائل نحن لا نحتاج إلى حديث الرفع لرفع النجاسة لأنه يوجد عندنا أصل الطهارة، ولكن في الجواب نقول:- ليكن عندنا طريقان لاثبات ذلك، ومن الممكن أن يجعل الشارع طريقين لاثبات ذلك، ولكن رغم ذلك نقول هل يمكن رفع النجاسة بحديث الرفع وإن كان أصل الطهارة مودجوداً أو لا يمكن ذلك؟
وفي هذا المجال نقول:- إنه قد يتسمك ببعض الوجوه للمنع من حواز التمسك بحديث الرفع لرفع النجاسة:-
الوجه الأول:- ما افاده السيد الخوئي(قده) في مصباح الاصول[1] ، وحاصله: إنَّ حديث الرفع ناظر إلى رفع الاحكام الثابتة لفعل المكلف، ومن المعلوم أنَّ النجاسة ليست ثابتة لفعل المكلف، فإنَّ فعل المكلف لا يتّصف بالنجاسة، وإنما فعل المكلف هو سببٌ لحدوث النجاسة.