« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية ( حديث الرفع ) - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية ( حديث الرفع ) - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

 

وأما الكلام في الشبهة الموضوعية :- فالآن نفترض أننا نسلّم بالحكم الكلي ولا يوجد عندنا شك فيه ولكن كنت أصلي وشككت هل قرأت السورة بعد الفاتحة أو لا فهذا شكٌ ليس في الحكم الكلي فإنَّ قراءة السورة نعلم بوجوبها وإنما هو شك بنحو الشبهة الموضوعية، يعني هل أنا قرأت السورة أو لم أقرأها، يعني الشك هو في الحكم الجزئي وليس في الحكم الكلي- إن صح التعبير - ففي مثل هذه الحالة - أي إذا شككنا في الجزئية أو الشرطية بنحو الشبهة الموضوعية - هل يمكن تطبيق حديث الرفع لرفع جزئية هذا الجزءء أو شرطية هذا الشرط أو لا يمكن ذلك ؟، كما لو شككت في أنَّ اللباس من حيوانٍ مأكول اللحم أو لا فهل تجري البراءة أو يجري الاحتياط؟

وفي الجواب يقال:- المناسب أن يقال إذا كان الشك في الجزئية - كما لو كان الشك في جزئية السورة - فهو مجرى للاحتياط، وأما اذا كان الشك في المانعية -كما إذا شككت أنَّ عباءتي مما يؤكل لحمه أو لا - فتجري البراءة.

فاذا يوجد تفصيلٌ بين ما كان الشك في الشبهة الموضوعية - في الجزئية - فالمناسب هو للاحتياط، وبين ما اذا كان الشك في المانعية - كمانعية العباءة خوفاً من كونها من أجزاء لا يؤكل لحمه - فالمناسب هو البراءة.

أما إذا كان الشك في الجزئية قبل تجاوز المحل كما لو شككت قبل الركوع هل قرأت السورة بعد الحمد أو لا ففي مثل هذه الحالة يكون الشك في هذا الجزء قبل الدخول في الجزء الآخر والمناسب في مثل هذه الحالة الاشتغال، لأنَّ ذمتي قد اشتغلت جزماً بالسورة ولكني أشك هل أتيت وفرّغت ذمتي منها أو لا وهذا شك قبل تجاوز المحل ومقتضى الاستصحاب لزوم الاتيان بها، وحينئذٍ يكون هذا المورد مجرى للاشتغال، وأما إذا شككت بعد الركوع في قراءة السورة فهنا سوف يبنى على الاتيان بها وعدم الحاجة إلى الاحتياط، والوجه في ذلك وهو قاعدة التجاوز - أو الفراغ -، نعم إذا لم تكن لدينا قاعدة التجاوز لكان المناسب هو الاحتياط لاستصحاب عدم الاتيان بالسورة، ولكن بعد أن ركعت وتجاوزت المحل فحينئذٍ يحصل حاكم على استصحاب عدم الاتيان بالسورة وهو قاعدة الفراغ والتي تكون مقدَّمة على الاستصحاب.

والوجه في تقديم قاعدة الفراغ على الاستصحاب هو أنه إذا لم نقدم القاعدة فسوف لا يبقى مورد لها، لأنَّ الاستصحاب عدم الاتيان بذلك الجزء أو الشرط يجري في كل موردٍ نريد تطبيق قاعدة الفراغ فيه، وعليه فقاعدة الفراغ والتجاوز تكون مقدَّمة على الاستصحاب، ولو لم تكن مقدَّمة سوف لا يبقى لها مجال أبداً.

هذا كله فيما إذا شكننا في الجزئية والشرطية وقد اتضح أنَّ المناسب هو أنه قبل التجاوز عن المحل يلزم الاتيان بذلك الشيء، وأما بعد التجاوز فلا عبرة بهذا الشك لقاعدة التجاوز أو الفراغ.

وأما إذا كان الشك في المانعية كما لو شككت أنَّ هذا اللباس من اجزاء حيوان يؤكل لحمه أو لا فإن كان مما لا يؤكل لحمه فلا تجوز الصلاة فيه حينئذٍ ولا تصح وإن كان مما يؤكل لحمه فلا مانع من الصلاة فيه، كالعباءة إذا شككت أنها مصنوعة من اجزاء حيوان لا يؤكل لحمه حتى يكون مانعاً أو أنها مصنوعة من اجزاء حيوان يؤكل لحمه حتى لا يكون مانعاً، ففي مثل هذه الحالة ى مجال لاجراء الاستصحاب، لأننا نشك هل تقيدت الصلاة - بنحو الحكم الجزئي - بعدم لبس هذا اللباس أو لم تتقيد به، كما لو حصلت على قطعة قماشٍ بشراءٍ أو هديةٍ وشككت أنها مصنوعة من اجزاء حيوانٍ مأكول اللحم أو لا ففي مثل هذه الحالة إذا كانت مما لا يؤكل لحمه فلا تجوز الصلاة فيه وإن كانت مما يؤكل لحمه فيجوز الصلاة فيه، وبالتالي سوف أشك أنَّ الصلاة مقيّدة بعدم لبس هذا الثوب أو لا، فإنه إذا كان مما لا يؤكل لحمه فالصلاة مقيدة بعدم لبسه وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة ليست مقيدة بعدم لبسه، فيكون المورد من الشك في تقيّد الواجب - وهو الصلاة - بعدم لبس هذا الثوب أو لا فنجري البراءة عن هذا التقيد الزائد، فإنَّ التقيّد الزائد مشكوكٌ وحينئذٍ نجري البراءة عنه.

ومن هنا يذكر الفقهاء في مسألة اللباس المشكوك أنه لو كان عند المكلف لباسٌ يشك كونه من حيوانٍ غير مأكول اللحم أو من مأكول اللحم جاز الصلاة فيه والمدرك هو ماذ كرنا؛ إذ بالتالي نحن نشك في تقيد الصلاة بعدم لبس هذا الشيء وهذا شكٌ في تقييد زائد فنجري البراءة عن هذا التقيّد الزائد.

والخلاصة من كل كما ذكرنا:- إنه مرةً يكون الشك بنحو الشبهة الحكمية، وأخرى يكون الك بنحو الشبهة الموضوعية، فإن كان الشك بنحو الشبهة الحكمية كما إذا شككنا في اعتبار قراءة السورة في الصلاة أو لا بنحو الحكم الكلي أو أنه يكفي الحمد فهنا نجري البراءة ونقول رفع عن أمتي ما لا يعلمون فتجري البراءة، وأما إذا كان الشك في الشبهة الموضوعية فينبغي التفصيل بين ما إذا كان الشك في الجزئية والشك في المانعية، فإن كان الشك في الجزئية وأني أتيت بالجزء أو لا ففي مثل هذه الحالة لا تجري البراءة وإنما يجري التقيد بلزوم الاتيان بالسورة فيلزم الاتيان بها مادام لم يتجاز المحل، وأما إذا كان الشك في المانعية وأن هذا الشيء مانع أو ليس بمانع فآنذاك تجري البراءة عن المانعية.

logo