« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

 

والذي نريد أن نقوله: - إنَّ تحقيق هذه النقطة لا فائدة فيه، بل المطلب لا يتجاوز القضية العلمية، فهو ليس بحثاً مثمراً ونافعاً وإنما اشبه بالأشكال الفني لا أكثر.

على أنه يمكن أن نقول:- إنَّ الرفع والدفع قد يستعملان عرفاً في معنىً واحد، فكلمة الرفع هنا قد استعملت بمعنىً واحد، والشاهد على أنهما يستعملان بمعنىً واحد هو بعض الاستعمالات العرفية حيث نقول ( نسأل الله تعالى أن يرفع ويدفع عنك البلاء ) فإنَّ هذا استعمال صحيح وليس بخطأ، وهذا شاهد على أنَّ الرفع والدفع يستعملان بمعنىً واحد، والحديث الشريف هنا أراد من رفع القلم عن الصبي بمعنى الدفع، وعليه فلا اشكال من هذه الناحية.

النقطة الخامسة: - هل حديث الرفع يشمل الشبهة الحكمية كما يشمل الشبهة الموضوعية أو لا يشملها؟

وهذه نقطة تستحق التحقيق لأنها مهمة ونافعة، فإنه إذا كان الحديث الشريف يشمل الشبهة الحكمية فسوف يتمسك به فيها، وإما إذا لم يشملها فلا يصح حينئذٍ التمسك به فيها.

وفي هذا المجال نقول: إنَّ النافع للأصولي هو كون الرفع شاملاً للشبهة الحكمية أيضاً، وأما إذا كان مختصاً بالشبهة الموضوعية فلا ينفعه بل - إن صح التعبير - هو ينفع الفقيه، فإنَّ الاصولي ينتفع من الاحكام والقواعد الكلية، فإذا قلنا إنَّ الحكم الكلي مرفوع فكل حكمٍ كلّي مادام المكلف جاهلاً به - كحرمة التدخين ووجوب الدعاء عند رؤية الهلال - فهو يكون مرفوعاً، وأما إذا قلنا إنَّ الحديث يختص الشبهة الموضوعية فسوف يعطينا حكماً جزئياً وهذا يتناسب مع الفقه والفقيه وليس مع الاصول.

أما تقريب شمول الحديث للشبهتين معاً فذلك أن يقال: - إنَّ الوارد في الحديث الشريف هو كلمة ( ما ) الموصولة وهي صالحة لشمول الاثنين معاً، وعليه فلا وجه لتخصيصه بالشبهة الموضوعية وإنما هو شامل للشبهة الحكمية أيضاً. هذا من جهة

ولكن قد يقال من جهةٍ أخرى:- حيث إنَّ كلمة ( ما ) الموصولة قد استعملت في الحديث الشريف في الأمر الجزئي وعليه فسوف يصير ذلك قرينة على أنَّ الحديث بجميع فقراته يختص بالأمر الجزئي ولا يشمل الكلي، أما أنَّ الاسم الموصل قد استعمل في الأمر الجزئي فذلك بأنه استعمل في فقرتي ( رفع ما استكرهوا عليه واما اضطروا إليه ) في الأمر الجزئي، فإنَّ الانسان هو يكره على الشيء الجزئي لا على الشيء الكلي، وهكذا الحال في الاضطرار فإنَّه يصير للشيء الجزئي، فباستعمال هاتين الفقرتين في الجزئي يصير هذا قرينةً على أنَّ الرفع في فقرة ( ما لا يعلمون ) يراد به الجزئي أيضاً وذلك لوحدة السياق، وبهذا سوف لا تشمل فقرة ( ما لا يعلمون ) الشيء الكلي، فمثلاً إذا شككنا أنَّ التدخين حرام أو لا فلا يمكن حينئذٍ تطبيق فقرة ( ما لا يعلمون ) في المقام لأنَّ هذا شك في الحرمة الكلّية وليست الجزئية وحديث ( ما اضطروا وما استكرهوا عليه ) بخاص بالجزئي فيكون الرفع في فقرة ( ما لا يعلمون ) خاصاً بالجزئي أيضا، وبالتالي سوف لا ينفع هذا الحديث الاصولي لأنَّ عمل الاصولي هو مع البراءة الكلية، فإنَّه يريد أن يعطي براءةً عامةً كليةً، فكل حكمٍ مشكوك يكون مرفوعاً وحديث الرفع لا يمكن التمسك به لذلك لقرينة السياق.

وجواب هذه الشبهة واضح وهو أن يقال: - إنَّ كلمة ( ما ) الموصولة يراد به الشيء، يعني رفع الشيء الذي استكرهوا عليه ورفع الشيء الذي اضطروا إليه، والشيء الذي يضطر إليه ويستكره عليه عادةً يكون هو الجزئي، فيكون المراد في هاتين الفقرتين هو الشيء الجزئي، ولكن في فقرة ( ما لا يعلمون ) المرفوع فيها هو الشيء الكلي - كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو وحرمة التدخين - فإنَّ ( ما لا يعلمون ) يشملها أيضاً، وعليه فتكون كملة ( ما ) الموصولة شاملة للحكم الكلي أيضاً كما هي شاملة للحكم الجزئي.

إن قلت: - إنَّ هذا تفكيك في السياق؟

قلت:- إنه ليس تفكيكاً في السياق فإنَّ كلمة ( ما ) الموصولة هي تعني الشيء ولكن مصداق الشيء مرةً يكون كلياً كما في رفع ما لا يعلمون كرفع حرمة التدخين، ومرةً يكون جزئياً كما في رفع ما استكرهوا عليه، فالاستعمال في كلمة ( ما ) الموصولة هو بمعنى الشيء والاختلاف إنما يكون مصداق الشيء، والتفكيك في السياق الواحد إنما يلزم فيما إذا استعملنا ( ما ) الموصولة في بعض الفقرات بمعنى الشيء واستعملناها في بعض الفقرات الأخرى بغير معنى الشيء، وأما إذا كانت في كل الفقرات مستعملة بمعنى الشيء لكن مصداق الشيء مختلف - فهناك شيء جزئي وهو فيما استكرهوا عليه وهناك شيء كلي في ما لا يعلمون - فهذا ليس اختلافاً في معنى الموصول بل في معنى الشيء الذي هو مصداق الموصول.

ونمثل لذلك مثالاً عرفياً: - وهو لو قلنا ( جاء الذي أكل والذي شرب والذي نام ) ولكن المقصود في الذي أكل زيد ومن الذي شرب عمرو ومن الذي شخص ثالث،، فإنَّ هذا لا يلزم منه التفكيك في معنى الموصول الذي معناه الشيء وإنما المصداق هو المختلف، وعليه فالإشكال يكون مندفعاً من أساسه.

logo